التأهيل المدرسي للأطفال المعوقين الطفل ألتوحدي Autistic Child نموذجا
تحدثت في بحث سابق عن التأهيل المبكر للأطفال المعوقين الطفل التوحدي نموذجا , فماذا عن التاهيل المدرسي
تكمن عناصر النجاح لأي تأهيل مدرسي للطفل ألتوحدي في شروط التأهيل المدرسي العام وإلزامية التعليم وشروط إعداد الكادر التعليمي التربوي والمعالج لهولاء الأطفال , في المدارس العامة والمختصة.
يختلف نظام التأهيل المدرسي للطفل ألتوحدي من منطقة إلى أخرى ، مما يضاعف صعوبة بناء برنامج تأهيلي مدرسي تربوي موحد ، ولم يرتق التأهيل المدرسي الحالي لمثل هولاء الأطفال إلى مستوى نموذجي باستثناء بعض النجاحات المحدودة في هذا المجال . ورغم اعتماد مسودات خطط
ومشاريع عدة لتأهيل السلوك الاجتماعي للتوحدي غير ان المنظمات التربوية العالمية المختصة لم تتفق بعد على برنامج موحد . ومن الجدير بالذكر أن اختلاف شروط التأهيل المدرسي للطفل ألتوحدي في
المناطق الحضرية ( في الحواضر والمدن) تختلف عن تلك التي تعتمد في المناطق الريفية, لاختلاف القيم الاجتماعية السائدة في كل منهما كما إن المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية ، إضافة إلى
المدارس الخاصة " المختصة " تحدد هي نفسها نوع التأهيل المدرسي للأطفال التوحديين , ولكن دون الإخلال ببنود قانون التعليم الإلزامي. فبعض هذه المدارس يفتح بالاتفاق مع عوائل الأطفال صفوفا مختلطة من أطفال توحديين وآخرين غير توحديين ، على أن لا يتجاوز فيها عدد الأطفال ألتوحديين عن عدد الأطفال غير ألتوحديين . إن دخول تلك المدارس يوفر للطفل ألتوحدي فرصة التعلم المشترك مع أطفال ليسوا توحديين , يهيئون له امكانات جمة للتلاؤم مع محيطه الاجتماعي , ولكيما تستطيع المدرسة تحقيق هذه المهمة فان عليها وهي تسعى إلى دمج التلاميذ التوحديين في المدارس العادية أن تعتمد على برنامج تربوي يتلائم وخصوصيات هذا التلميذ.
الدخول المدرسي للطفل ألتوحدي
يقدم تقرير تشخيص (إلا عاقة التوحدية المبكرة ) عند الدخول المدرسي , وغالبا ما يكون الطفل ألتوحدي قد خضع لعلاج طبي سريري , وتقييم تربوي , بناء على التقرير التشخيصي نستطيع أن نحدد نوع المدرسة المؤهلة لاستقبال هذا الطفل . قبل ذلك يجب إخضاع الطفل إلى اختبار ذكاء مختلف تماما عن الآخرين , يشمل المعلومات العامة حول تصرفه, كفاءة الأداء , مدى استمرار قوة التركيز, شدة الانتباه والتوتر, قدرته وكفاءته اجتماعيا وعاطفيا, و قدرته التحملية. يعتمد الاختبار لوضع مخطط لتطور نمو الطفل .
تؤكد الإحصائيات المستلة من تقارير التشخيص إن ما يقارب 75%من الأطفال ألتوحديين يعانون من اضطراب وضعف في تلقي مواد المنهج التعليمي التربوية والعلاجية , ولا يجب اعتبار هذا الاضطراب عطبا أوتخلفا في قدرات ذكاء التوحدي, كما هو عليه الحال في منهج تعليم الأطفال المعاقين عقليا. أما القسم الأخر من الأطفال التوحديين فإنهم يتمتعون بكفاءة وقدرة متوسطي الذكاء. تشتمل هذه الإحصائيات أيضا على عدد محدد من الأطفال التوحديين الذين يمتازون بمهارة نادرة وذكاء ملفت للنظر.
تتوقف مقاييس اختبار مستوى تتطور الطفل التوحدي على مدى ملائمتها لقدراته وكفاءته , وتعتمد هذه المسألة بالذات على الاجراءآت وطرق الاختبار الدقيقة لدى الفاحص المختص, الذي عليه أن يتأكد من نجاعة أدواته وملائمتها للحالات الخاصة والغريبة لدى الطفل ألتوحدي أثناء عملية التشخيص والفحص . إن الجزء الأكبر من إجراءات الفحوص التشخيصية المعتادة للأطفال التوحديين لا تتناسب على الإطلاق مع هولاء الأطفال. وبعض الفحوص القياسية يميل إلى تدوين المشاكل التي يعاني منها الطفل ألتوحدي على حساب تشخيص كفاءة الطفل و قدراته .
اشتراطات الدخول المدرسي
من اجل دخول مدرسي موفق للأطفال التوحديين , نورد أدناه بعض الاختبارات والفحوص التي تقوم بها لجنة خاصة تشكلها المؤسسة التعليمية , وتظم الكادر التربوي والعلاجي , والإداري .
اللجنة الخاصة بالدخول المدرسي
تتكون هذه اللجنة من :-
• الآباء والأمهات أو أي شخص من العائلة يتعلق به الطفل ألتوحدي
• .المعالجون والأطباء .
• ممثل عن إدارة المدرسة .
- تربوي مختص بالإعاقة التوحدية , يمتلك المعلومات والكفاءة اللازمة لتأهيل وتربية الطفل ألتوحدي , وعلى معرفة جيدة باشتراطات الدخول المدرسي.
ومهمات هذه اللجنة هي :-
1. فحص انسياب اللغة ,إذ ان من أولى الحقائق التي نتعرف من خلالها على خاصية أساسية من خصائص ألإعاقة التوحدية (نقص وقصور اللغة الحاد عسر الكلام , التأتأة , عيوب النطق الخرس التام ). ميل الأطفال التوحديين إلى إعادة الأسئلة المطروحة عليهم بكيفية مقاربة للصدى، أو تكرارها من خلال التأتأة بلغة غير واضحة بدل الإجابة عليها .
2. فحص مستوى الفهم و الإدراك بصورة وافية. فقصور الفهم والإدراك ، هو من أهم الصعوبات الخاصة والنموذجية المميزة للأطفال ذوي االاضطربات التوحدية .
3. الانتباه إلى فاعلية وعمل وظائف الأجهزة الحسية
{ السمع, البصر, التذوق , الشم , اللمس } وفحص درجة الميل إلى التهيج والإثارة , والقيام بفحص المشاكل العضوية والاضطرابات السمعية البسيطة .
4. لا يبدى الطفل ألتوحدي أي معالم أو مؤشرات مناسبة تدل على شخصيته , لا القوية منها ولا الضعيفة . لذلك ينبغي قبل الدخول إلى المدرسة , وبفترة زمنية مناسبة مراقبة تصرفه وسلوكه , لفرز وتحديد بعض ملامح شخصيته بشكل دقيق. الأمر الذي يتطلب معرفة أوقات الدخول المدرسي , و ما تقدمه المدارس من عروض مرنة لمثل هولاء الأطفال قبيل دخولهم إلى المدارس.
المعاييروالاجراات المتبعة عند التأهيل المدرسي .
نور أدناه أهم المعايير والاجراات المتبعة عند التأهيل المدرسي للطفل التوحدي :-
• تحاشي وصف الطفل ألتوحدي بالمتخلف العقلي وعدم إدراجه تحت موصفات إعاقة التخلف العقلي إن الطفل ألتوحدي ليس متخلفا عقليا .
• الالتزام بتنفيذ الطرق التربوية الخاصة بالطفل ألتوحدي وتكييف وتطوير وسائلها الأساسية في كل المدارس ,وبشكل يسهل عملية إشراك الأطفال التوحديين في الدروس الاعتيادية في المدارس العامة .
• ربط التأهيل التربوي المدرسي بالجهات المختصة {علماء نفس , أطباء , معالجون }, وأشراك المعالجين مثلا بوضع وتطوير وتنفيذ الخطة التربوية " اليومية , الأسبوعية , الشهرية نصف السنوية , السنوية " يعكس الجدية في إكتشاف وتلبية احتياجات الطفل ألتوحدي .
• توظيف كل ما هو جديد في مجرى المساعدة على التواصل اللغوي , عبر استخدام الأساليب والطرق الحديثة المجربة.
• إدخال طريقة ( Facilitated Communication ) التواصل الميسر , واستعمال الكمبيوتر من اجل تعزيز الإمكانيات والبدائل لتحسين وتطوير تواصل الطفل ألتوحدي, فهي من أنجع الطرق لإخراجه من عالمه الخاص.
• استمرار دعم العمل المشترك مع الوالدين وتعزيز الثقة المتبادلة معهما, فلقد اكتسبت العائلة في فترة ما قبل الدخول المدرسي خبرات متعددة الجوانب مع أطفالها وعاشت مختلف الوقائع في فضاءات متباينة , مما يؤهلها لان تكون شريكا مهما في بناء الخطة التربوية.
• انسجام إلاجراءات والقوانين المدرسية للمعاقين مع القانون الأساسي للتعليم ( التعليم الإلزامي) , الذي يجب ان يطبق على كل الأطفال دون استثناء , فإلزامية التعليم لا يجوز أن تستثني الطفل المعوق أو الطفل ألتوحدي, بل وأكثر من ذلك يجب توظيف كل الوسائل من اجل توفير المناخات الملائمة لتطوير مناهج تدريسيه خاصة بالأطفال المعوقين . ففي العديد من التجارب مع الطفل ألتوحدي في المدارس المختلفة ومراحلها المتعددة , اثبت الطفل ألتوحدي كفاءته واستجابته جزئيا للعلاقات والسلوك المدرسي العام . ويمكن تنمية هذه التجارب ودعمها في مختلف المدارس , بعد توفير بعض الإمكانيات والخطط التربوية والكفاءات التعليمية والعلاجية لهذه المدارس.
• استعانة إدارة المدرسة بالعائلة , إضافة إلى روضة الأطفال السابقة , والطبيب المعالج لتوفير المعلومات الوافية عن الطفل ألتوحدي . تُغطي هذه المعلومات حالات الطفل العقلية , النفسية , الاجتماعية والصحية قبل الدخول المدرسي .
• توفر المدرسة وأدارتها كافة المعلومات اللازمة عن طبيعة المدرسة ومراحلها وطرقها التربوية العامة والخاصة بتأهيل الطفل ألتوحدي .
مناهج التأهيل المدرسي التربوية
يلعب المنهج المدرسي والخط التربوي الواضح المستند على أسس علمية مرنة غير ملتزمة برؤية تربوية أحادية الجانب دورا كبيرا في تأهيل الطفل التوحدي وزجه في العديد من الأنشطة والممارسات الاجتماعية.
ان إعاقة التوحد هي اضطرابات مركبة ( اضطرابات مضاعفة ) لذلك تتطلب منا منهجا تربويا مركبا يرتكز على عدد من المناهج والرؤى التربوية العلمية الحديثة , وعلى الرغم من وجود تصورات وملامح عامة لمنهج دراسي موحد ومتفق عليه, ويعتمد بالأساس على طبيعة الطفل التوحدي وإمكانياته ومهارته , إلا انه لا تتوفر حتى ألان طريقة منهجية محددة لتأهيل الطفل التوحدي , مع إن البحوث مازالت مستمرة للوصول إلى تلك الرؤية التربوية الموحدة .
ملامح وسمات الخطة التربوية الموحدة :-
• كتابة خطة تربوية فردية بالتشاور مع الإباء وأصحاب الاختصاص , على أن تأخذ هذه الخطة بنظر الاعتبار الحلول البديلة , وتوظيف إمكانيات وطرقا جديدة لتوجيه وتنمية مواهب الطفل ألتوحدي
• التطبيق المرن للمناهج التربوية المختصة .
• استخدام طريقة ( التواصل المسند F.C ) للتواصل مع الطفل التوحدي تواصلا لغويا تحريريا ولمعرفة حاجاته الأساسية سواء على جهاز الكمبيوتر أو من خلال طريقة بطاقة (نعم/لا).
• متابعة قوانين الأطفال المعوقين على الطبيعة ومحاولة التخلص من بعض ما يشوبها من سلبيات.
• الاستفادة القصوى من الأنشطة التي تجرى خارج المدرسة من قبل المعالجين والتربويين والمساعدين التربويين واستدعائهم إلى الفناء المدرسي .
• الاستفادة من أماكن وغرف للهدوء الاضطراري لبعض الأطفال أفرادا أو جماعات صغيرة (غرف الاسترخاء Snoezel)
• الفحص ألمجدول الدائم للاحتياجات التربوية والفضاء التربوي , بهدف ضمان استمرار ملاءمتهما لتربية الطفل الفردية. .
• التهيؤ المبكر عند اعتزام تغيير مدرسة الطفل ألتوحدي واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك .
• التأهيل التعليمي المستمر للهيئة التعليمية للمدارس المتخصصة بالطفل ألتوحدي وللمختصين خارج الإطار المدرسي .
طرق العمل مع الأطفال التوحديين أثناء الدرس
لا توجد حتى ألان مناهج وخطط تربوية مدرسية تصل بالطالب ألتوحدي إلى مستوى الكمال والطموح . كل ما نستطيع فعله في هذا المجال هو الاشتغال على ألأسئلة التالية :-
• أي أداء نتبع ؟
• هل يتميز منهج الطرق التعليمية المتبعة حقا بالنجاعة والصحة؟
• أي الوسائل والمواد التعليمية تجذب وتلائم الطفل ألتوحدي أكثر من غيرها ؟
يمكن الإجابة على هذه الأسئلة من خلال فهم معطيات إعاقة التوحد , والملامح الشخصية للطفل ألتوحدي , و الانتباه للكفاءات والمهارات والقدرات الفردية له.
القواعد المتبعة عند تنفيذ الخطة التربوية:-
• الاستفادة مما تم التعرف عليه عند مراقبة الطفل التوحدي قبل الدخول المدرسي , لمعرفة تصرفه وأشكال ردود فعله ونمط تعامله مع المواد التعليمية.
• محاولة الوصول إلى معرفة رغباته واسباب رفضه وحنقه وجفائه .
• معرفة قدرته الاستيعابية ومهاراته . فالطفل ألتوحدي طفل انعزالي منطو على نفسه , ويفتقد الفعل الكامن لديه إلى النشاط الملائم الذي يؤهله للتواصل عند بدء عملية التعليم
• ضرورة الانتباه إلى إن فقدان الكفاءة اللغوية يزيد من صعوبة التواصل مع الطفل المعوق , وبالتالي صعوبة إيصال مفردات ومواد المنهج التعليمي اليه.
التواصل بين المعلم والطفل التوحدي
ينجح التربيون في عملية التواصل والتفاهم مع التلاميذ حين تصل كلماتهم إلى مناطق الحس لديهم , من خلال الوسائل المتاحة لحركة الجسم , إيماء , إيحاء , إشارة ,إضافة إلى لغة الخطاب المباشر , حيث تؤثر هذه الكلمات ايجابيا على فهمه, وتثير لديه الرغبة والتطلع لمعرفة المزيد من مواد البرنامج التعليمي . يحدث العكس عند الطفل ألتوحدي الذي يتميز بضعف إمكانيته التطلعية والرغبوية , نتيجة اضطراب عملية الفهم والإدراك , المسؤول الأول عن تكوين عالمه المحدد المنعزل, وانشغالاته البسيطة التي لا تشتمل على رغبة التعلم. .
وإذ يعتمد المعلم في عمله مع الأطفال غير التوحديين على معلوماته وخبراته التربوية السابقة , فانه يجد إن أدواته في حالة الطفل ألتوحدي غير كافية, ويجب شحذها من جديد , لان الأطفال التوحديين لا يظهرون عدم الاهتمام في مجرى الدرس في المدرسة فحسب ,إنما يحاولون مقاومة هذا الواقع الجديد بالرفض , كالهروب أو الهياج والصراخ . ويبقى الرفض سمة مميزة لهم أثناء عملية التعليم , ويستمد التوحدي رفضه هذا من خوفه من التغير , التغير في واقعه الخاص به , المتمثل في تغير مألوفة اليومي ,اختراق عالمه المغلق المنعزل , الذي يؤدي حتى الى تغيير نظرته إلى الشخصيات المقربة إليه, و التي يعتبرها صلته بالخارج , حيث يبدأ بالتعرف عليها ضمن واقع جديد (الذهاب معه إلى المدرسة , الاهتمام بأدوات الرياضة والسباحة , الكتب والأقلام والممحاة ودفاتر الرسم ) . ومن هنا على المعلم أن يأخذ بنظر الاعتبار عدم قدرة الطفل ألتوحدي على الانصياع إلى متطلبات تربوية جديدة سواء في الألعاب أو في المواد التعليمية الأخرى, ألتي لا تتوفر في مخزون ذاكرته , ولا ترتبط بأي آصرة مع معارفه, حيث تفقد هذه الألعاب التربوية محفزاتها للوهلة الأولى عند الطفل ألتوحدي. فنكتشف وببساطة إن وسائل التعليم المألوفة في مختلف حقول التدريس , غالبا ما تكون غير ملائمة لمخزون ومعارف الطفل ألتوحدي ,فهو لم يتعرف عليها أو ينسجم بعد مع العلاقات ألاجتماعية السائدة في المدارس المختلطة العامة , وينسحب هذا على الأنشطة المشتركة في أوقات الفراغ بين تلاميذ المدارس العامة . فلا غرابة أن تثير مثل هذه الألعاب والمواد التعليمية والنشاطات المدرسية الهيجان والانفعال لديه .
أما المنهج التعليمي فغالبا ما يكون طويلا شاقا ويعتمد نجاحه على الوضع النفسي للطفل ألتوحدي وتجاوبه مع العملية التربوية الجارية . لذا نجد إن هيئة التعليم تضطر أحيانا لإطلاق مبادراتها التربوية , لجعل محتوى المناهج المدرسية جذابا يتلائم مع طبائع واحتياجات الطفل والشاب ألتوحدي , فتعمد إلى تجديد وبناء خطة تربوية مرنة , تتماشى مع نمو وتطور التلميذ ألتوحدي , وتحاول كسر الحواجز واختراق الأسوار التي يحيط بها نفسه.
يعتبر النمط التكراري من أهم ملامح الشخصية التوحدية ولكن يجب إن لا يقود تركيز اهتمام الطفل التوحدي على أشياء بسيطة وانشغاله بأنشطة محددة إلى اعتبار ذلك تخلفا أو اعاقةعقلية, فإن إغراءه والنجاح في شده إلى مادة الدرس أو لأي مادة أخرى , وبأي طريقة كانت , يعتبر نقطة انطلاق موفقة في عملية التعليم . والطريق الأسلم لتنفيذ ذلك هو الصبر والخيال الخلاق لابتداع طرق تربوية جديدة تفرضها اللحظة . وعندما يتفاقم النمط التكراري عند بعض الأطفال والشباب التوحديين , او يصل إلى مستوى النزوع إلاجباري التسلطي العنيف , يقف المعلم أو التربوي حينذاك عاجزا عن تقديم أي عون له , وهنا تتجلى أصعب مراحل التجربة التربوية . إلى جانب ذلك يوجد نمط أخر من التلاميذ التوحديين يسهل التعامل معه , وعندما تتوطد العلاقة بين المعلم والتلميذ التوحدي ,فانه يستطيع ان يتعرف بسهولة على دوافع وكنه سلوك وتصرف ذلك التلميذ , وان يقدم العون له, ويحد من نوبات الإثارة والعنف والهيجان , وصولا إلى إعادة توازنه الداخلي.
أما استخدام المعلم للضغط بالضد من رغبات التلميذ ألتوحدي التكراري , فهو أجراء تربوي خاطئ , يعوق انفراج أزمته , و يقوده إلى الهياج والانكفاء , والى نشوء صراع بينهما يكلفهما طاقات جمة قبل عودة الأمور إلى حالتها الطبيعية , وخاصة أن ذاكرة التلميذ ألتوحدي تقوم بخزن وحفظ ردود فعل المعلم على تصرفاته , فلا يهدأ إلا بعد يصل بالمعلم إلى آخر حدود التساهل والمرونة .
استمرار التلميذ التوحدي بتصرفاته رغم ردود فعل المعلم لا يعتبر استفزازا للمعلم , كما هو الأمر عند التلاميذ غير التوحديين , وإنما يعبر عن إصراره على رفض كل تغير في مألوفة اليومي , كما انه لا يستطيع التميز بين الصح والخطأ ويحتاج إلى عملية تطبيع طويلة المدى . وتمثل هذه الحالة إشكالية تربوية عسيرة , فمن جهة نحاول إقامة علاقة طبيعية مع الطفل ألتوحدي تواجه بالرفض , ومن ثم نضعه , من جهة أخرى تحت الضغط والمراقبة , أو نستخدم العقوبة التربوية فنعزز بذلك لدية رغباته الانعزالية , فما علينا والحالة هذه إذن إلا حشد كل خبرنا ومؤهلاتنا لاستنباط طرق وأساليب تفرضها اللحظة , للخروج من المأزق , والتقليل من نوبات اللهاث المتسارع والهيجان والصراخ للعودة به إلى حالته الطبيعية .
الموضوع القادم بعنوان التاهيل المهني للمعوقين اليافعين ... اليافع التوحدي نموذجا
ساحة النقاش