ابتسام نور الهدى ツ Ibtissem Nour el Houda

تنمية عالمنا بتنمية انفسنا..

عندما يتحدث الكبار فعلى الصغار أن يصمتوا! هذه جملة دارجة تكاد تكون مثلاً في ثقافتنا العربية. كنا ومازلنا نسمعها وأحياناً نُسمِعُها لأبنائنا ليس لأننا نؤمن بها ولكن لأنها أصحبت جزءاً من ثقافة المجتمع. فعلى الصغار أن يجلسوا في أطراف المجالس، وعليهم ألا يتحدثوا فيها ما دام الكبار مزهوّون بأنفسهم في صدورها، وعليهم أيضاً أن يعلموا بأن كل ما يقوله الكبار صحيح، وأن ما يقولونه هم قد يمر على الآذان مرور الكرام البخلاء.

لماذا يجب على الصغار الصمت – وإظهار الشعور بالخوف أحياناً – لكي تكون عاداتنا سليمة وعربية وأصيلة أيضاً! أي مجتمع نطمح لصناعته إذا كان الفرد فيه متضائلاً لا ثقة له بنفسه وينظر إلى الآخرين على أنهم أفضل منه لا لشيء إلا لأنه أصغر منهم سناً؟

وأي دليل من الكتاب أو السنة يدل على استحسان صمت الصغار عندما يتحدث الكبار؟ ألم يروى عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أعطي مرة قدحاً فيه لبن، وكان فتى على يمينه وشيوخٌ على يساره، فقدم القدح للفتى لأنه على اليمين، ولم يقدم الشيوخ لأنهم أكبر سناً.

نعرف أن احترام الكبير وإعطاءه مكانته هو جزء من ديننا الحنيف وهو مدعاة لإيجاد مجتمع مترابط متراحم، ولكن لماذا على الصغير الصمت حتى يشعر الكبير أنه مقدر محترم! ولماذا على الصغير أن يقبع هناك في طرف المجلس وفي آخر القافلة دون أن ينبس ببنت شفة حتى إذا ما مات أبوه أصبح رجلاً فجأة وهو في منتصف عمره؟

كل من يتحدث عن الوظائف في معظم مدن العالم اليوم -وأذكر مثالا دبي- لا يملك إلا أن يلاحظ بأن الغالبية العظمى من الموظفين هم شباب من الجنسين في مقتبل العمر. حتى المناصب العليا فيها يشغلها شباب في بداية أو منتصف الثلاثينات من أعمارهم. ولا أذكرها للإطراء عليها، فهي ليست في حاجة لتجميل صورتها، ولكنها الحقيقة.

ففي دبي انتقت الحكومة مجموعة من الشباب الذين تم وضعهم تحت المجهر، وأعطيت لهم مهمات جسيمة ووفر لهم الدعم اللازم، وكانت المفاجأة أنهم أنجزوا ما أنيط بهم من أعمال وأضفوا عليها بصماتهم الإبداعية التي أصبحت سمة من سمات المدينة.

وعلى الرغم من أنه يقال بأن الإدارة في حاجة إلى خبرة تراكمية على مدى سنوات طويلة، إلا أن هذه النظرية قد اصطدمت بحائط كبير في دبي وقدر لها أن تنهار أمام التجارب العملية الحقيقية التي أثبتت أن الإدارة في حاجة إلى تعليم جيد، وروح مغامرة، وعمل دؤوب، وأخيراً نصيحة نيّرة.

ولكن، لماذا لا تنطبق هذه النظرية على مجال الثقافة؟ ولماذا على المثقف أن يبلغ من الكبر عتيا حتى يتم الاعتراف به وإدخاله إلى دائرة المثقفين؟ أيعقل أن «يفتي» الشباب في إدارة المصانع والمؤسسات والهيئات، ولا يمكنهم أن يتفوهوا بشيء يخص الثقافة لا لشيء إلا لأن رؤوسهم لم يكسوها الشيب بعد!

لماذا هذه النظرة الدونية للمثقف الشاب على الرغم من أن الثقافة هي حاصل قراءات متعددة واطلاع واسع وشيء من الخبرة؟

أذكر أن مدرس اللغة العربية في المرحلة الثانوية كان يقول لنا بأن التجربة الحقيقية في حياة الإنسان تحتاج لخمس سنوات لتكتمل، أي أن الإنسان المحظوظ قد يعيش في حياته 14 تجربة، أما الكتاب فإنه يمنح المرء عشرات التجارب خلال بضع ساعات.

لم يكن السن يوماً مقياساً لثقافة الإنسان أو إبداعه عبر الزمان، فهذا أمير الشعراء أحمد شوقي يجود بدرر الأدب العربي وهو في العشرينات من عمره، وكلّنا يعرف أن أبو القاسم الشابي قد توفي وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر، أما الأديبة اللبنانية مي زيادة فلقد كان لها صالون أدبي في مصر وهي لم تتجاوز الثامنة والعشرين من العمر.

حيث كان يفد على هذا الصالون عمالقة الأدب العربي من أمثال أحمد شوقي، وطه حسين، وخليل مطران، ومصطفى صادق الرافعي وغيرهم من الذين أعجبوا بثقافة مي وأدبها ومعرفتها الجمة التي كانت تشدو بها في الندوات والمؤتمرات الثقافية في زمن كانت المرأة تعيش فيه على هامش المجتمع.

ولقد أبدع تشارلز ديكنز ـ الأديب الإنجليزي الذي لم يتفوق عليه إلا شيكسبير ـ رواياته وهو لا يزال في سن المراهقة، وكتب إحدى أفضل رواياته (أوليفر تويست) وهو لم يتجاوز السادسة والعشرين حينئذ.

لم يكن ديكنز عبقرياً كما يحب الناس أن يصوروا مشاهير التاريخ دائماً، وعلى الرغم من أنه اضطهد في طفولته وأهين كثيراً أثناء عمله في مصنع الدهون السوداء إلا أن أحداً لم يسفه بأدبه، حتى أن عمّال المصنع كانوا يلقبونه «بالسيد الصغير» لأنهم كانوا يشعرون بأن مكانه ليس بينهم، وفعلاً كان مكانه في القمة. حتى يروى أن أحد القضاة المشهورين في إنجلترا كان يقرأ قصصه المسماة «أوراق نادي بيكويك» على منصة الحكم، وهي التي ألّفها ديكنز وهو لم يتجاوز الرابعة والعشرين.

فهل يجب علينا أن ننتظر حتى يبلغ مثقفونا الثمانين عاماً أو يموتوا لكي نقدّرهم ونحتفي بهم؟ وهل يجب أن تكون جميع الجوائز مثل نوبل، لا تكرّم إلا من توقّفت معظم أعضاء جسمه عن العمل؟ فلنتصور ماذا سيحدث لو كرّمنا شاباً في منتصف الثلاثينات من عمره لعمل إبداعي قام به، أليس هذا مدعاة لكي يكون لدينا عدد أكبر من المبدعين الذين إن لم ننتشلهم من غياهب النسيان فإنهم سيتحولون إلى مثقفين مرتزقة أو متجولين يجوبون المؤتمرات للحصول على لقمة العيش.

لقد كان أغلب المثقفين القدماء ينتظرون المستقبل أن يحمل لهم شيئاً جميلاً لكنهم لم يجدوه، أما المثقفون الشباب فإنهم يحملون للمستقبل أشياء جميلة، وكل ما يحتاجه هؤلاء هو ما قاله عالم الاجتماع الانجليزي هربرت جورج: «الثقة والمهارة جيش لا يقهر».

 

المصدر: ياسر حارب - بتصرف
nourelhouda

الحياة دمعة وبسمة.. فلا تجعل الدمعة التي تسقط تلو الاخرى تضعفك بل اصنع منها قوة ومن القوة سيف لتقطع به الاشواك التي تنبت في طريقك.. **لديك حياة واحدة لتعيشها.. فكيف تختار ان تعيشها..!!!** عش كل لحظة كأنها اخر لحظة في حياتك ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 552 مشاهدة
نشرت فى 30 يوليو 2012 بواسطة nourelhouda

ابتسام نور الهدى ツ Ibtissem Nour el Houda

nourelhouda
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

336,689

ضع كتاباً بين يديك...

سلم النجاح
ضع دائما صورتك التي تريد أن تكون عليها في عقلك و مخيلتك, وستتجه تدريجيا نحوها.. اذا لم تهزم نفسك, ستهزمك.. سلم النجاح لا يعاني من الازدحام في اعلاه..
نابوليون هيل

**********
Follow me on Twitter
Ibtissem Nour

Join me on Facebook
For a beautiful world



*******************

بنوك المحبه - Love Cheques
إبداع في طريقة التواصل مع كل من حولك لتعبر لهم عن اهتمامك وتوصل لهم مشاعرك وتشاركهم أحاسيسك وحياتك، مع انتقاء عبارات تواصل رائعة في جزء من هذه الشيكات، وترك المجال لك مفسوحاً لتعبر بطريقتك في الجزء الآخر.
بالتواصل الجميل وتبادل الاهتمام تحلو الحياة سواء كنت زوجاً أم كنتِ زوجة، أباً أم أماً، ابناً أم ابنة، صديقاً أم قريباً.
للطلب اون لاين عن طريق موقع شركة الابداع الفكري ولديهم خدمة توصيل للمنازل.
==> شيكات المحبة - السوق الإلكتروني لشركة الإبداع الفكري

****