انتصف اليوم وهو ما زال يسير على غير هدى، يطوف شوارع القرية. .يحملق في الناس .يبحث في وجوههم عن شيء ما .انقضى اليوم أدميت قدماه من كثرة ما مشى . وأصبح مثل عصفور جريح . وفي الليل شاهدوه يتابع السير كالأسير، مهتديا ببعض ضوء النجوم. وفي صباح اليوم التالي ،شاهدوه ملقى على مفترق الطريق المؤدي إلى ساحة القرية ، كأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة . سألوه: عما تبحث يا صابر ؟ ماذا جرى لك ؟ ……. لقد كنت زين شباب القرية . أين كانت غيبتك الطويلة ؟ …….. حدق صابرا بهم طويلا، ثم نكس رأسه ولم يجب. قالوا: مسكين يا صابر…. قم وعُدْ إلى بيتك ، تقدم منه رجل وقال له : صابر انتهى كل شيء والطريق الذي كان يجمعكما معاً، وكان مفروشاً بالورد، لم يعد كذلك، تغير كل شيء. وإذا بقيت هكذا لن تجد أمامك إلا الأشواك وبقايا حنين. قُمْ وعُدْ ، لقد أدميت قدميك في البحث والمسير . لقد أصبحت هي وجع مستهام وتراب . لن تجد إلا الجراح والعذاب بجانبها ، رفقاً بحالك ، أرح قلبك العليل . قم وعُــــدْ . لن تراها أبدا. لكنه تابع سيره حتى وصل إلى مقبرة القرية فجلس فوق ضريحها وصاح بأعلى صوته : افتحي نافذتك يا حبيبتي . جاءه صوتها : لمن افتح ؟ من أنت ؟ ولماذا جئتني في هذه الليلة الممطرة الباردة؟ ـ أنسيت من أنا يا حبيبتي ؟ أنا صابر . ـ لا أعرفك … قالت له . ـ ردَّ عليها بحزن : سأغنى لك أغنيتي المفضلة التي تحبينها ، قالت بصوت واهن منخفض : هلاَ تخفض صوتك ؟ إني اسمع وطء أقدام . قال صابر: من هم ؟ قالت : هص انه الحارس اللعين ، اهرب سيلقي القبض عليكَ . قال صابر : أي حارس هذا ؟ أنسيت إني حارسكِ وحبيبكِ ورفيق عمركِ ؟ قالت له ” من خوفها عليه “: انصرف لا أعرفك لقد ضللت طريقك . قال لها : افتحي نافذتك أنا حبيبك . ردت عليه : كل شيء تبدل ، حبيبتكَ عذبوها كثيراً، صلبوها حتى فقدت كل قواها، فضاقت بها عزلتها وآلامها فهربت تبحث عنك ، كانت تمشي الدروب وهي لا تعرف أين أنت ، فلم تلقى إلا الريح ، فألقتْ نفسها على صدرها وباحت لها بكل أسرارها لكن الريح خدعتها ودلتهم على طريقها ، جاءوا إليها وقتلوها . ابتعد لقد جئت متأخراً . رد عليها : وأنا يا حبيبتي أخذوني ووضعوني في مكان لا يعرفه الذباب الأزرق ، عذبوني أرادوا سلب عقلي وقلبي ولكنهم لم يستطيعوا . حبيبتي حبيبتي قالها بأعلى صوته وصار ينبش بأظافره تراب القبر ،وعند منتصف النهار تبعه أناس من القرية يبحثون عنه فوجدوا القبر محفوراً ووجدوا صابر جثة هامدة بجوارها .
بقلم : حسين خلف موسى
ساحة النقاش