الأصل في الذي يقوم بتربية الابن هو الأب لأن الله عزَّ وجلَّ منحك هذا الابن هدية ، أو أعطاك إيَّاه هبة , والهبة تعني أثمن شيء تناله من الله عزّ وجل ، نفقته عليك ، توجيهه أنت مسؤولٌ عنه ، ولكن نحن هنا نتحدث عن حالتين الأولى وجود الأب الممارس للتربية ولكن يحتاج لمساعد لمواجهة المهددات التربوية والحالة الثانية غياب الأب لأي سبب( انشغال - وفاة -طلاق- مرض - زواج من أخرى - تسيب) فالذي يهمل تربية أبنائه وتطوير قدراتهم ، يفاجأ بعد فوات الأوان أنه خسر خسارةً كبيرةً ، وأنَّه ضيَّع أثمن ما في وجوده .ولذلك يقول تعالى "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها "خالق الكون يوصيك بأولادك ، الله سبحانه وتعالى يوصيك بأولادك ، يوصيك أن تربِّيهم ، يوصيك أن تهذِّبهم ، أن تؤدِّبهم ، أن تعلِّمهم ، أن تنشِّئهم نشأةً طاهرة ، أن ترعاهم ، أن تراقبهم ، أن تأخذ بيدهم إلى الله عز وجل ويقول تعالى " يوصيكم الله في أولادكم.... " " وقفوهم إنهم مسؤولون"أنت مسؤول أمام الله .. ورد في الأثر أن الابن الذي يهمله أبوه ويستحقُّ دخول النار، يقف بين يدي الله عزَّ وجلَّ ويقول : يا رب لا أدخل النار حتى أُدْخِل أبي قبلي ، لأنَّه كان لي في دخولها سبباً .الآن أنت مشغول عنه .. لكن حينما يشبُّ في غفلةٍ عنك ، ولم يتلقَّ التوجيه الكافي ، يتفلَّت من بين يديك ، لا تستطيع أن تفعل معه شيئاً ، لا يستمع ، ولا يرعوي ، ولا يصغي ، ولا ينتبه ، يصبح هذا الابن عبئاً على أهله ، فلذلك يجب أن يمضي جزءاً من وقته في تعريفهم بالله ، في إكرامهم ، في ملاطفتهم ، في التحبُّب إليهم ، قال عليه الصلاة والسلام :(( من كان له صبيٌ فليتصابَ له )) .(( الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته )) البخاري ومسلم ،لا بدَّ من جزءٍ من وقتك تمضيه مع أولادك ، لا تقل لي : والله أنا مشغول .. فأنا أخرج من البيت وهم نائمون وأرجع وهم نائمون ، هذا خطأ كبير جداً ، الملاحظ أن الأب إذا كثر غيابه عن البيت .. تفلَّت أولاده ، لا بد من وقتٍ تمضيه مع أولادك لتمارس التربية الحقيقية وليس فضل الوقت أو الوقت الضائع(( لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ))(رواه الترمذي عن جابر بن سمرة)صدقة يوميَّة تمارسها .وقد روى عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال :(( مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ))(رواه الترمذي عن أيوب بن موسى) و يقول النبيُّ عليه الصلاة والسلام : (( علِّموا أولادكم وأهليكم (أيّ وزوجتك ) الخير وأدِّبوهم )) . وفي حديث آخر رواه الطبراني .. يقول عليه الصلاة والسلام : (( أدِّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبِّ نبيِّكم ، وحبِّ آلِ بيته ، وتلاوة القرآن ))(رواه الطبراني)
الواضح الجلي من النهج الرباني والهدي المحمدي والواقع التربوي يحمل الآباء مسؤولية أبنائهم و حسن تأديبهم .
فإذا غاب دور الأب كان البحث عن مؤدب ومربي ضرورة واقعية وحتمية تربوية ونجد أن هناك أمثلة كثيرة في التراث العربي والمنهج السلفي في كيفية اختيار المربي الفعال ومنها :-
روى الجاحظ أنَّ عقبة بن أبي سفيان لمَّا دفع ولده إلى المؤدِّب قال له : " ليكن أوَّل ما تبدأ به من إصلاح بنيَّ إصلاح نفسك ، فإنَّ أعينهم معقودةٌ بعينك ، فالحسن عندهم ما استحسنتَ ، والقبيح عندهم ما استقبحتَ".الحسن عندهم ما استحسنتَ والقبيح عندهم ما استقبحتَ .. علِّمهم سِيَرَ الحكماء وأخلاق الأدباء ، وتهددْهم بي ، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء ، ولا تَّتكِلَنَّ على عذرٍ منّي ، فإني قد اتكلت على كفايةٍ منك .هذا وصية وليّ طالب لمؤدِّب ابنه
يروي ابن خلدون أن هارون الرشيد لما دفع ولده الأمين إلى المؤدِّب قال له : " إنَّ أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه فصيَّرَ يدَك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة ، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين ، أقرئْه القرآن وعرِّفه الأخبار ورَوِّهِ الأشعار وعلّمه السُنن وبصِّره بمواقع الكلام وامنعه من الضحك إلا في أوقاته ، ولا تمرَّنَّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدةٍ تفيده إيَّاها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ، وقوِّمه ما استطعت بالقرب والملاينة فإن أباهما فعليك بالشدَّة
وكان ابن سينا ينصح في تربية الأولاد أن يكون مع الصبيِّ في مكتبه صِبْيَةٌ حسنةٌ آدابهم مرضيَّةٌ عاداتهم ، لأن : " الصبيّ عن الصبيِّ ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس "
والذي أخلص إليه أن أحد الحلول التربوية الناجحة في تهذيب وتربية الأبناء هو وجود مربي فعال على دراية ووعي عميق .
مع تحياتي وتمنياتي بتربية راقية
نزار رمضان
مدرب ومستشار أسري
ساحة النقاش