الطلاق زلزال يقضي على أحلام المرأة
يعد الطلاق من المشكلات الاجتماعية التي تلقي بظلالها على كاهل المجتمع، فهو كالسيل تمتد آثاره السلبية فتقضي على أحلام المرأة وتؤثِّر على الجانب المهني للرجل ويصبح الطفل خاسراً ضائعا ًفي مهب الريح، ولخطورة هذه الظاهرة على المجتمع وخاصة في ظل ارتفاع معدلات الطلاق داخل المجتمع السعودي، فقد آثرت “أسرتي” فتح هذا الملف للتعرّف على أسباب الطلاق وكيفية التعامل مع آثاره السلبية وكيف تؤهل المطلقة للتكيّف مع المجتمع مرة أخرى؟ وغيرها من التساؤلات التي نجيب عليها من خلال الأسطر التالية:تمع
وفي البداية أبانت لـ “لأسرتي” الدكتورة آمال الفريج دكتوراه في علم الاجتماع الأسري أسباب الطلاق قائلة: من أهم أسباب الطلاق: اختلاف وجهات النظر بين الزوجين، وعدم التفاهم والاتفاق، بالإضافة إلى التدخل من قبل أهل الزوجين في حياتهما الأسرية، لافتة إلى سبب خطير وهو عدم احترام الزوج للزوجة وسوء معاملته لها، مشددة على عدم عمل الزوج وتحمله للمسؤولية·
وأبانت الفريج أنه قد يكون من أسباب الطلاق: قلة الوعي والنضج في الأجيال الحاضرة من شبابنا خاصة جيل ما بعد الطفرة، وأرجعت ذلك ليسر سبل الحياة المريحة، مقارنة بالأجيال السابقة مما أدى إلى عدم تحمّل المسؤولية وقلة الصبر وعدم احترام قدسية الحياة الزوجية، بالإضافة إلى الفروق الاقتصادية بين الزوجين المطلقين·
الفروق الاقتصادية
وكشفت عن نتائج الدراسة التي أجرتها بارتفاع نسبة الطلاق بين المطلقات اللاتي تزوجن بمن هم دون المستوى الاقتصادي لأسرهن، حيث تجاوزت النسبة 37% مقارنة بـ18·8% بين من كان أزواجهن أعلى مستوى اقتصادياً من أسرهن، مبينة أن هذه النتيجة توضح أثر الفروق الاقتصادية خاصة إذا كانت في صالح الزوجة، بحيث يخلق مثل هذا الوضع أعباءً مالية على الزوج من أجل مجاراة أهل الزوجة أو محاولة توفير الظروف الحياتية التي اعتادت الزوجة عليها، لافتة إلى أن الزوج في النهاية يدرك الصعوبات المالية بسبب هذا الزواج والتي لا يمكن الخلاص منها إلا بالطلاق·
نظرة المجتمع للمطلقة
وعن المشكلات التي تواجه المطلقة عقب الطلاق قالت: إن طلاق المرأة يوجد العديد من المشكلات الاجتماعية سواء كان مصدرها جماعة الصديقات أو زميلات العمل أو كان مصدرها المجتمع الخارجي بصفة عامة، محذِّرة من مشكلة أخرى أشارت إليها أكثر من نصف العينة تتمثَّل في معاناة المطلقات من نظرة المجتمع إليهن، موضحة أن هذه المشكلة قد تؤثِِّر كثيراً على المطلقة، حيث قد ينظر إليها المجتمع على أنها الطرف المسؤول عن الطلاق، مضيفة كذلك المشكلات الأسرية والمتمثلة في تحمّل مسؤولية رعاية الأبناء، مشيرة إلى خطورة المشكلات الاقتصادية على المطلقة لأن طلاق المرأة قد يعني بشكل أو بآخر انقطاع مصدر من مصادر الأمن المادي إن لم يكن المصدر الوحيد للبعض منهن·· وأبانت أن مسؤولية الأبناء الاجتماعية والاقتصادية هي في مقدمة اهتمامـات المطلقة، فمعظم المطلقات وأطفالهن قد يواجهن انخفاضاً في الدخل والحالة الاقتصادية بعد حصول الطلاق، مشكلات اقتصادية أخرى يعاني منها تقريباً نصف المطلقات اللاتي عانين من مشكلات اقتصادية تمثَّلت في تسديد مختلف الفواتير، وعدم نفقة الطليق على أبنائه، ومشكلة البطالة، ودفع إيجار السكن، بالإضافة إلى مشكلة المواصلات·
ضغوط نفسية
وأشار الخبير التربوي نزار رمضان إلى تأثير الطلاق على الرجل؛ فقد يعيش الرجل بعقدة الذنب التي تلاحقه من حين لآخر، بالإضافة إلى العبء المادي، من حضانة ونفقة وتعويضات وغيرها حتى لو تزوج الرجل بأخرى، لافتاً إلى أن الرجل أيضاً يصبح مثاراً لشكوك اجتماعية كبيرة وغير مأمون الجانب أكثر من الذي لم يسبق له الزواج، محذراً من النكوص والتراجع المهني والعملي بحياته، كما تشير بعض الدراسات لأكثر من 75% من الرجال يتراجعون مهنياً نتيجة التوترات والضغوط النفسية·
وعن تأثير الطلاق على المرأة أوضح رمضان أن المرأة العربية تتعرض لضغوط نفسية شديدة نتيجة تقلص أحد وأهم وأكبر الموارد المالية لها فتصبح منكسرة، وبالتالي لا تستطيع اتخاذ القرارات المرتبطة بالمال فتعتمد على غيرها سواء من طلقها أو أخيها أو أبيها، وأشار إلى خضوع المرأة لصراعات وضغوط خارجية خطيرة جداً، حيث تشعر بأنها مسلوبة الإرادة والإدارة· وكشف أن 90% من المطلقات يرجعن لأهلهن مما يسبب عبئاً كبيراً على كاهل الأهل وجرح آخر لو كان الأولاد بحضانتها فإنها لا تمتلك القرارات التربوية الخاصة بأولادها نتيجة تدخل صارخ خارجي·
ولفت إلى أن الطلاق بسن متقدمة للمرأة يُشعرها بالضياع، لأنها أضاعت عمرها مع شخص لا يستحق من وجهة نظرها، ولهذا فلم تعد لها فرصة عمرية أو جمالية لتبدأ من جديد وتستعيد عافيتها النفسية وتقاوم الصدمة العاطفية، كما قد تعاني المرأة من الكثير من الأمراض النفسية والعصابية (كوابيس ليلية – مخاوف خيالية – اكتئاب······) وخصوصاً عندما يكون الطلاق مصحوباً بالابتعاد عن حضانة الأولاد·
عدوانية الطفل
وتطرق الخبير التربوي لتأثير الطلاق على شخصية الطفل قائلاً: إن الطفل كجزء من الوحدة الأسرية يتأثر بما تتعرض له هذه الوحدة من مشكلات وتمزقات تأثيراً سلبياً يعود بالضرر على الطفل والأسرة ثم على المجتمع بصورة عامة· وأوضح مظاهر هذا التأثير في كراهيته لأعز الناس الوالدين وبالتالي كراهية لسائر أفراد المجتمع· محذراً من عدوانية الطفل المتزايدة مع الآخرين، استخدام الطفل كأداة لكسب المعركة بين الطرفين وفي نهاية المطاف يصبح الطفل خاسراً·
ولفت إلى ما يصيب نفسية الطفل من إحباط نفسي وانفعالي نتيجة لعقده مقارنات بين الأسر المستقرة وأسرته المفككة، كما يتدنى التحصيل الدراسي والعلمي نتيجة للتشتت الذهني، بل قد يصل أحياناً للرسوب، مبيّناً معاناة أطفال الطلاق من اضطرابات نفسية سلوكية: كالخوف والقلق، العصبية، العناد، الشعور بالوحدة والانطواء، الاكتئاب والتوتر النفسي، اضطرابات النوم والكوابيس، محذّراً من تكيّف الطفل مع بيئات منزلية غير طبيعية وغير مألوفة مختلفة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والمستوى الثقافي، موضحاً تأثير ذلك على شخصية الطفل بدرجة كبيرة فتصبح شخصيته مهزوزة غير مستقرة ومتأرجحة·
التفكير المنظّم
من جانبها أوضحت المستشارة الأسرية والاجتماعية دكتورة نادية نصير أن المرأة بعد حادثة الطلاق تُصاب بذهول وإحباط شديدين، وقد تدخل في حالة اكتئاب وخصوصاً إذا لم تكن هي من طلب الطلاق ونصحت كل امرأة مطلقة أن تأخذ فترة للتفكير المنظّم في حياتها الجديدة من جميع النواحي، والتوصل إلى طريقة لرؤية أولادها والتواصل معهم فهذا يمنحها نوعاً من الارتياح والاتزان النفسي والعاطفي، مؤكدة أن ثقتها بالله ثم بنفسها وقدراتها خير معين لها على تخطي عقبات حياتها الاجتماعية بعد الطلاق·
وأضافت نصير كذلك على المرأة الاهتمام بتطوير ذاتها، والبحث عن مجالات تناسب ميولها سواء كان محاضرات أو دورات، مشددة على المطلقة بضرورة البحث عن العمل· حتى لو كان تطوعياً، فهذا يعطيها ثقة بالنفس ويشغل تفكيرها بدلاً من الفراغ والتفكير بالمشكلة· ودعت المطلقة لعدم الاستسلام للظروف التي قد تصيبها بالمرض النفسي والجسدي، كما دعتها إلى تخطي الأزمة بشجاعة والاعتراف بأخطائها فربما تكون هي طرفاً مساعداً لحدوث الطلاق·
رعاية المطلقات
وتحدث مدير عام جمعية الشقائق عبد المجيد رضوان “لأسرتي” قائلاً: إن الجمعية لها إسهامات عديدة في مواجهة مشكلة الطلاق ورعاية المطلقات في اتجاهين:
الوقائي: قبل حدوث الطلاق بالتوعية والتوجيه والاستشارة والتأهيل، والعلاجي: بعد وقوع الطلاق من خلال تجاوز الأزمة النفسية وبناء الذات، مشيراً إلى دور الجمعية في تقديم برنامج متكامل لتأهيل المطلقات نفسياً وحرفياً لتجاوز الأزمة، وبناء النفس وإكساب المهارة الحرفية، حتى تتمكن المرأة من الاعتماد على نفسها من خلال حرفة مناسبة ترفع مكانتها وتلبي احتياجاتها·
ساحة النقاش