اصبحت مسألة انتاج الوقود الحيوي او النظيف او مايدعى بالوقود صديق البيئة من اهم ما يشغل مراكز البحوث الخاصة بتطوير وتنويع مصادر الطاقة، في ضوء تصاعد الحاجة الى التصدي لمخلفات الوقود الاعتيادي كونها تتسبب في المزيد من تاثيرات الاحتباس الحراري وتغيرات المناخ، فهل سيكون مجديا، وذا فعالية من حيث التكلفة في يوم من الأيام في المستقبل القريب، إنتاج وقود للطائرات النفاثة من الطحالب مثلا!؟
وبينما اكتشف مزارع مكسيكي ان الاشجار التي طالما استعملها كسياج لحماية محاصيله المدارية يمكن ان تستعمل في انتاج وقود للطائرات، أعلن فريق من الباحثين الألمان عن سعيهم لاستخلاص الايثانول مستقبلا من المخلفات النباتية باستخدام أنواع من الخميرة المعدلة وراثيا، ما يُشكل نقلة نوعية في إنتاج الوقود الحيوي.
إنتاج النفط من الطحالب!
وأثارت وزارة الدفاع الامريكية مؤخرا، احتمال جدوى انتاج الوقود من الطحالب وغيرها، وطرحته على قطاع الصناعة الخاص ورصدت مخصصات مالية للتوصل إلى الإجابة.
والدافع وراء هذا السؤال هو سلاح الطيران الأميركي الذي ينفق 6 بلايين (6,000 مليون) دولار سنويا على الوقود السائل الخاص بالطائرات. وقد جرب سلاح الطيران مزيج وقود مكون بنسبة 50 بالمئة من الوقود العادي و50 بالمئة من الوقود المصطنع في الطائرات القاذفة من طراز بي-52 وطائرات الشحن والنقل من طراز سي-17. بحسب موقع امريكا دوت غوف.
لكن سلاح الطيران يعلق آمالا على نجاح التجارب على الوقود العضوي لأنه سيؤدي إلى وسيلة مجدية اقتصاديا لتسيير الطائرات التي تلتهم وتحرق 2.4 بليون لتر من النفط سنويا.
فكرة استخدام الطحالب لاستخراج وقود تحلّق به الطائرات العسكرية ليست جديدة. فقد ظلت وزارة الطاقة تدرس هذه الفكرة وتقلبها على مدى 20 سنة. ودرست الدوائر العسكرية في غضون ذلك فكرة استخدام الوقود البيولوجي المستخرج من فول الصويا وزيت الكانولا المكون من زيوت مستخرجة من عدة نباتات، ومن نبات القوفيّة المزهر، ومن نبات الكاميلينا الذي يعرف أيضا باسم الكتّان البري. غير أن زيت المستخرج من الطحالب ظل الزيت الأكثر كفاءة وأكثر جدوى من حيث الكمية المنتجة منه.
وحسبما جاء في تقرير لمركز كولورادو أوكهافن للدراسات الزراعية فإن فدانا واحدا (نحو 0.4) هكتار) من الذرة يمكن أن ينتج 57 لترا من الزيت، و182 لترا إذا كان مزروعا بفول الصويا، و315 لترا بالقرطم، و391 لترا بعباد الشمس، و483 لترا بالكتان، و2،413 لترا بالنخيل، و7,030 لترا بالطحالب الدقيقة.
وينجم عن التحوّل إلى استخراج الوقود من الطحالب بدلا من الذرة وفول الصويا توفّرهما كمواد غذائية للاستهلاك البشري والحيواني، وهو اعتبار له أهمية خاصة في ضوء ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
تحقق عمليات تحويل الطحالب الدقيقة إلى وقود نجاحا، لكن الدراسات والأبحاث التي أجريت خلصت في أواسط التسعينات إلى أن التكاليف عالية بحيث لا يمكنها أن تنافس إنتاج الديزل.
أما الآن، وفي غمرة ارتفاع أسعار الوقود (حيث تقدر تكلفة البرميل الواحد من الوقود في مناطق الحرب والصراع بنحو 400 دولار) فينتاب القلق المسؤولين عن تأمين الطاقة من احتمال عدم ضمان استمرار إمدادات الديزل. كما أنهم مدركون أيضا لمدى الضرر الذي يسببه استهلاك الوقود الأحفوري (النفطي) للبيئة والمناخ العالمي.
ومؤخرا، منحت وكالة مشروعات الأبحاث المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع ، وهي جناح الأبحاث في القوات المسلحة، عقدين منفصلين لمدة ثلاث سنوات لكل من شركة جنرال أتوميكس، وشركة التطبيقات العلمية الدولية في كاليفورنيا. بهدف التوصل لاستخراج وقود من الطحالب كبديل لوقود الدفع النفاث المستخرج من النفط ويستخدمه سلاح الطيران لتسيير طائراته. وإذا تم التوصل إلى إنتاج وقود بديل غير مكلف للطائرات فيمكن النظر في استخدامه لتسيير المركبات العسكرية أيضا.
ويتمثل التحدي في إنتاج مثل هذا الوقود في تخفيض تكلفة استخلاص الزيت من الطحالب إلى العشر، أي من 30 دولارا لكل 8 لترات إلى أقل من 3 دولارات.
وتعكف شركة جنرال أتوميكس حاليا على إنشاء مشروع تجريبي تبلغ مساحته 1.6 هكتار. وصرح مدير برنامج الوقود البيولوجي في الشركة ديفيد هيزلبيك بأن أكبر تحد تواجهه الشركة هو تخفيض التكلفة إلى نسبة تقل حتى عن العُشر.
وصرح جان ووكر المتحدث باسم وكالة مشروعات الأبحاث المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع، لموقع أميركا دوت غوف بأن من مميزات الطحالب النافعة سهولة نموها في أماكن متنوعة. وكل ما تحتاجه هو الضوء وثاني أكسيد الكربون وأي نوع يتوفر من الماء. فهي تنمو في المياه المالحة والمياه قليلة الملوحة ومياه الصرف وتكون قادرة في جميع الأحوال على التكاثر بسرعة.
ومما يذكر أن طحالب المياه الشديدة الملوحة قادرة على النمو والتكاثر حتى في الظروف الصحراوية الجافة والرياح الشديدة.
ثم إن الطحالب قد تكون لها فوائد اقتصادية أخرى من خلال خلق فرص العمل، إضافة إلى دورها في إمكانية تخفيض تكاليف الوقود. وتقوم شركة جنرال أتوميكس ببناء منشأة لزراعة الطحالب الدقيقة في ولاية تكساس. والشركة وظفت بالفعل 40 شخصا من الخبراء والمختصين في أبحاث الطحالب.
وطبقا لما يقوله المؤيدون لفكرة استخراج الوقود من الطحالب فإنه إذا تحقق ما تعد به زراعة الطحالب واستخراج الوقود منها حسبما يعلّق عليها من آمال فستنشأ آلاف فرص عمل جديدة.
ويقول هيزلبيك إن الشركة تعتزم عند انتهاء التعاقد الحالي بناء منشآت للإنتاج على المستوى التجاري ستكون قادرة على مد المستهلكين العسكريين والمدنيين بالوقود.
وقد شكلت شركة الطبيقات العلمية الدولية فرقا من الأكاديميين والصناعيين للعمل في جورجيا وهاواي وتكساس بهدف تخفيض اعتماد القوات المسلحة على النفط الأجنبي.
يبدو أن صناعة الوقود من الطحالب آخذة في النمو. إذ تركز مؤسسة سافاير إنرجي في لايولا بكاليفورنيا جهدها على إنتاج "خام أخضر" (نباتي) لاستعماله كوقود. وتقول إنها أنتجت بنزينا من عيار 91 أوكتينا استخرجته من الطحالب. كذلك تدرس مؤسسة بوينغ لصناعة الطائرات أفضل وسيلة لأداء الوقود الطحلبي في التصاميم المعدّلة للمحركات النفاثة.
من ناحية أخرى يقيم المختبر القومي للطاقة المتجددة التابع لوزارة الطاقة شراكة مع شركة شيفرون للنفط هدفها معرفة ما إذا كانت الطحالب يمكن أن تصبح جاهزة لتوفير وقود قليل التكاليف للطائرات النفاثة.
شجيرات الياتروفا تعزز المساعي لانتاج وقود حيوي
طوال حياته اتخذ المزارع المكسيكي المسن جونزالو كارديناس شجيرات كثيفة برية تنمو في جنوب المكسيك لتكون سياجا منيعا حول اشجاره التي تثمر فاكهة مدارية.
والآن اتضح انه يمكن استخدام هذه الشجيرات في انتاج وقود للطائرات النفاثة وتطالب حكومة المكسيك المزارعين بزراعتها على مساحة حقول كاملة لتحويلها إلى وقود حيوي.
انها شجيرات الياتروفا السامة التي تنمو في المناطق شديدة الجفاف والتي تنعقد عليها الآمال كبديل للطاقة في المستقبل من خلال الزيوت المستخرجة منها والتي يمكن تحويلها الى وقود الديزل.
ولا تحتاج شجيرات الياتروفا التي يطلق عليه محليا اسم "بينون" اي عناية خاصة لتنمو وتعتبر حبوبها الغنية بالزيوت مادة مربحة لأن النبات السام لا ينافس المحاصيل الغذائية.
ويقول كارديناس (78 عاما) من قرية روزاريو ايزابا بجنوب المكسيك "تحيط شجيرات بينون بمزرعتي دائما فقط لأنها تسهم في ابعاد الناس عن ارضي."بحسب رويترز.
والموطن الاصلي لشجيرات الياتروفا في المكسيك وامريكا الوسطي ومن المحتمل ان يكون بحارة برتغاليون نقلوها الى الهند ومصر في اوائل القرن السادس عشر اقتناعا بان لها استخدامات طبية.
وفي الوقت الحالي تستزرع الشجيرات على مساحات واسعة في الهند لتتحول لمصدر للطاقة النظيفة تستخدم في تشغيل القطارات والحافلات وتسبب تلوثا أقل من النفط الخام. وتأمل المكسيك ان تحذو نفس الحذو.
وفي يناير كانون الثاني وقع الرئيسي فيليبي كالديرون اتفاقا مع رئيس كولومبيا لبناء مصنع تجريبي لوقود الديزل الحيوي يتكلف 14.5 مليون بيزو (936 الف دولار) بطاقة 12 الف لتر (3170 جالونا) من الوقود الحيوي يوميا.
وفي العام الماضي اقرت المكسيك قانونا للتشجيع على تطوير الوقود الحيوي بما لا يهدد الامن الغذائي ومنذ ذلك الحين حددت وزارة الزارعة نحو 6.4 مليون فدان يمكن استزراع الشجيرات عليها وتحقيق نتائج طيبة.
ويقول كارديناس وهو جالس وسط اشجار فاكهة نادرة "لو املك مساحة أكبر من الارض لزرعتها لانهم يقولون انه عمل مربح."
وقد يرتفع حجم الطلب على الوقود الصديق للبيئة بعدما وعد الرئيس الامريكي باراك اوباما باستثمار 150 مليار دولار في البنية التحتية للطاقة المتجددة على مدار عشرة اعوام.
وفي يناير قامت شركة طيران كونتيننتال ايرلاينز برحلة تجريبية لمدة ساعتين بطائرة ركاب بوينج 737 مستخدمة وقود ديزل حيوي يعتمد على مزيج من الياتروفا والطحالب اقتداء بشركات طيران يابانية ونيوزيلندية.
وقال ستيف لوت المتحدث باسم الرابطة الدولية للنقل الجوي (اياتا) "عمل مزيج الوقود الحيوي بكفاءة اكبر وحرقت اجمالا كمية وقود أقل مما يحرقها محرك تقليدي (يعمل بوقود الطائرات)."
وأضاف لوت ان صناعة الطيران سوف تستهلك 67 مليار جالون من الوقود هذا العام او ستة بالمئة من الاستهلاك العالمي للوقود وهو امر يثير قلق انصار البيئة فضلا عن تاثيره على ميزانيات شركات الطيران بصفة خاصة اثر ارتفاع أسعار الغاز في العام الماضي.
وتريد اياتا ان يمثل الوقود المتجدد نسبة عشرة بالمئة من استهلاك شركات الطيران الاعضاء بها بحلول عام 2017 . وسيكون التحدي رفع انتاج الوقود النظيف بمعدل كاف لتلبية الطلب المتزايد.
وتجري المكسيك تجارب لتحديد انواع شجيرات الياتروفا التي تنتج اكبر كميات من الزيوت باقل عناية ممكنة. وتجري مراقبة الانواع في مركز بحثي حكومي في روزاريو ايزابا قرب حدود المكسيك مع جواتيمالا.
وحين يتم العثور على السلالة التي تحقق اقصى فائدة ستوزع الحبوب على المزارعين المهتمين الذين تروقهم حقيقة ان الشجيرات تحتاج قدرا قليلا من العناية.
خميرة معدلة وراثيا لإنتاج الوقود الحيوي
وفي المانيا أعلن فريق من الباحثين الألمان من جامعة فرانكفورت عن سعيه لاستخلاص الايثانول مستقبلا من المخلفات النباتية باستخدام أنواع من الخميرة المعدلة وراثيا، ما يُشكل نقلة نوعية في إنتاج الوقود الحيوي.
يسعى فريق من الباحثين الألمان لاستخلاص الايثانول مستقبلا من المخلفات النباتية باستخدام أنواع من الخميرة المعدلة وراثياً. وأفادت جامعة فرانكفورت بأن الخميرة الجديدة، التي تم تطويرها وراثياً، لا تستطيع فقط تحليل سكر الجلوكوز الذي تحلله الخميرة الطبيعية بل تستطيع أيضا تحويل سكر الزيلوز المعروف أيضا بسكر الخشب، وهو ثاني أشهر أنواع السكر وجودا في النباتات، إلى الايثانول الذي يستخدم كوقود طبيعي.
واستطاع عالم الأحياء الألماني ايكهارد بولس بالتعاون مع زملائه إدخال تعديلات على الخميرة لاستخدامها في تحليل سكر البكتين، المعروف أيضا بسكر أرابينوز، غير أنه أكد أن نجاح فريقه في تحويل سكر الخشب إلى ايثانول يمثل تحولا واضحا على طريق استخلاص الايثانول من المخلفات النباتية، كما أفادت وكالة الأنباء الألمانية.
وتشير بيانات الجامعة إلى أن أهم ما يميز استخلاص الايثانول بالطريقة الجديدة هو عدم اضطرار المصنعين إلى الاعتماد في إنتاج الوقود الطبيعي على المواد الغذائية وحدها مثل الذرة أو الحبوب الأخرى، ما يعني أن إنتاج الوقود الحيوي لن يكون بالضرورة على حساب المواد الغذائية. وأشارت الجامعة إلى أن هذه الطريقة الجديدة في استخلاص الايثانول حصلت بالفعل على براءة اختراع خاصة، ومن المنتظر أن يبدأ استغلالها بشكل تجاري خلال الفترة المقبلة. ويعتبر وقود الايثانول صديقاً للبيئة مقارنة بالبنزين، لكنه ينتج حتى الآن من نباتات تدخل غالبا في غذاء الإنسان مثل الذرة وقصب السكر. بحسب دويتشه فيله + د ب أ .
وأدى الطلب المتزايد على الوقود الحيوي في أنحاء العالم إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية النباتية بشكل واضح، ما أثر بشكل كبير على معظم الدول الفقيرة في سعيها لسد الحاجة الغذائية لمواطنيها.
واستطاع عالم الأحياء الألماني ايكهارد بوليس الآن إدخال تعديل وراثي على خميرة البيرة المستخدمة في استخلاص الايثانول بحيث يكمن استخدامها في تخمير نوعين آخرين من السكر الموجود في النباتات وتحويلهما إلى ايثانول. فالبكتيريا الموجودة في الخميرة الحالية تستطيع فقط تحليل سكر الجلوكوز، الذي يوجد على سبيل المثال في حبوب الذرة. وكان يتم حتى الآن التخلص من نوعي السكر الآخرين الموجودين في النباتات وهما سكر الخشب وسكر البكتين أو الأرابينوز كمخلفات نباتية.
كما تصلح نباتات أخرى مثل الحشائش ومخلفات الخشب أو النباتات، التي تزرع خصيصا بغرض استخدامها في إنتاج الايثانول، لإنتاج هذا النوع من الوقود الحيوي كما أشار بوليس. وعلى الرغم من أن هذه الخمائر المعدلة وراثيا لا تستطيع استخلاص جميع السكر الموجود في هذه المخلفات بشكل كامل إلا أنها تجعل من الممكن زيادة كمية الايثانول المستخلص من نباتات الذرة على سبيل المثال بنسبة 30 بالمائة. وقام الباحثون بإضافة إنزيم بكتيري إلى خميرة البيرة لزيادة قدرتها على استخلاص السكر
المصدر: شبكه النبأ
نشرت فى 22 فبراير 2010
بواسطة newsourceforfeeding
عدد زيارات الموقع
344,092
ساحة النقاش