15 يناير 1918 هي ذكرى ميلاد ثاني رؤساء مصر، وصاحب أشهر تاريخ لزعيم عربي،إنه الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"
والذي تولى السلطة من سنة 1956، إلى وفاته 28 سبتمبر سنة 1970. وهو أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952، التي أطاحت بالملك فاروق (آخر حاكم من أسرة محمد علي)
وصل جمال عبد الناصر إلى الحكم عن طريق وضع محمد نجيب -الرئيس حينها- تحت الإقامة الجبرية، وذلك بعد رغبة الأخير في إرساء دعائم الديمقرطية وتنحية الجيش عن إدارة البلاد،
وقد تولى رئاسة الوزراء ثم رئاسة الجمهورية في 24 يونيو 1956.

كان "عبد الناصر" من أكثر الشخصيات التي صاحبها جدل كبير على مدار التاريخ، فما بين أناس رفعوه لمصاف الأنبياء ، وآخرون تكلموا عنه بوصفه أسوأ طغاة العرب في العصر الحديث، 
تبقى حقائق التاريخ لا يمكن إنكارها ،فما بين مصر في العهد الملكي ومصر بعد رحيل عبد الناصر ،يمكننا الحكم عليه بصدق وحياد.
فعلى الرغم من أن العهد الناصري قد جنّد كافة قدراته في تشويه العهد الملكي السابق، لكنه لم يستطع أن يزيف التاريخ،  فقد استلم "ناصر" مصر وهي في أزهى عصورها الاقتصادية والحضارية؛ فكان الجنيه المصري يعادل ثمانية جنيهات إسترليني،و الدولار يساوى 25 قرش أى ربع جنية مصرياً. وكان الأجانب يأتون إلى مصر ليعملوا فيها، وخاصة الطليان واليونانيين. وخط السكة الحديد المصرى كان رقم 2 على العالم بعد بريطانيا ، وكانت القاهرة تنافس على أفضل وأجمل مدن العالم. كانت مصر والسودان دولة واحدة ، وغزة تتبع مصر إداريا. وكان القطن المصري العالمي يُسمّى بالذهب الأبيض،وكانت مصر اكبر مصدر للقمح في العالم.  كانت ديون مصر "صفر" وكانت أنجلترا مديونه لمصر ، وكانت نسبة البطالة لا تتعدى2%.   إلا أن عبد الناصر وبعد 14 عاما في حكم مصر رحل عنها بعد أن تنازل طواعية عن السودان، كما فقدت مصر ثلث مساحتها بعد ضياع سيناء بالكامل وكذلك غزة، وإحتلالهم من قبل الصهاينة، في نكسة يونيو-حزيران ،وترك بلدا مفلسة مثقلة بالديون والهموم والخراب ومنتهكة حريتها وكرامة ابنائها،
لقد كان "عبد الناصر" أول من سن وأصل الديكتاتورية والاستبداد في مصر، حينما ألغى كافة الأحزاب المصرية، واستبدلها بالاتحاد الاشتراكي وحده،وشهدت الحقبة الناصرية أبشع صور التعذيب والتنكيل وتصفية المعارضة والمعارضين،ونظرًا للتعتيم والتكتم الشديد، فلا يُعرف بالتحديد كم كانت أعداد آلاف القتلى في هذه المجازر التاريخية.

كما أسس عبد الناصر لأبشع عصور الخداع والتضليل والتشويه للوعي المصري والعربي؛ وذلك بالشعارات الرنانة،والإعلام الفاسد المضلل،والخطب الجوفاء، بينما كان الواقع يسير تماما عكس ما يتم الترويج له، فإسرائيل التي ادعى كذبا انه سيرميها في البحر؛ هزمت خمس دول في حرب الست ساعات، واحتلت أراضيهم.
والمصري الذي قال له "ارفع راسك يا أخي، فقد مضى عهد الاستعمار" لم يستطع رفعها من السيف المسلط على رقبته، والحذاء العسكري الذي يدوس على جبهته. 
 وكانت كبرى جرائم "عبد الناصر" : تدخلاته الغير المبررة في الشئون الداخلية للشعوب والحكومات العربية، ومنها السعي لإسقاط الملكية في ليبيا وتصعيد طاغيتها الهالك معمر القذافي، والتدخل في شئون اليمن لتغيير حكمها باستخدام الجيش والعتاد المصري، مما كان له أكبر الاثر في هزيمة مصر من اليهود في عام 1967.
وأبرز ما في الحقبة الناصرية بخلاف تأميمه للحريات وانتهاكه للحقوق ، وإفقار الشعب وتخريب البلاد، كانت هي حربه على الدين الإسلامي
وفي ذلك يقول الإمام والمفكر الإسلامي الكبير الشيخ /محمد الغزالي ؛ فى كتابه "قذائف الحق": 

" الحق أني حائر في فهم جمال عبد الناصر ، لقد كنت كما يعلم الناس من جماعة الإخوان المسلمين ، و أقرر أنّ "جمال عبد الناصر" و كمال الدين حسين بايعا في ليلة واحدة على نصرة الإسلام و رفع لوائه ، و قد كنت قريبا من مشهد مثير وقف فيه جمال عبد الناصر أمام قبر حسن البنا يقول: "نحن على العهد و سنستأنف المسيرة.." كان ذلك عقب قيام الثورة بأشهر قلائل. لا أدري ما حدث بعد ذلك.. إنه تغير رهيب في فكر الرجل و سيرته جعله في كل نزاع بين الإسلام و طرف آخر ينضم إلى الطرف الآخر : - انضم إلى الهند في خصومتها المُرَّةِ ضد باكستان المسلمة - انضم إلى الحبشة في عدوانها الصارخ على أريتريا. - انضم إلى تنجانيقا و أغضى عن المذبحة الشنعاء التي أوقعتها بشعب زنجبار المسلم ، و رحب أحرّ ترحيب بنيريري الذي يتظاهر بالاشتراكية ، و هو قسيس كاثوليكي!! 
- انضم إلى القبارصة اليونان في نزاعهم مع القبارصة المسلمين ، و جعل الأزهر يستقبل " مكاريوس " عدو الكيان الإسلامي للأتراك. -كان أسدا هصورا في قتال اليمن ، و حملا وديعا في قتال اليهود حتى جعل اليهود - و هم أحقر مقاتلين في العالم - يزعمون أنهم لا يُقهرون في حرب!! 
"سريع إلى ابن العم يلطم خده ** و ليس إلى داعي النَّدَى بسريع!"  - و لقد ساند حزب "البعث العربي" الحاقد على الإسلام ، ورفض مساندة أي تجمع إسلامي ، و اخترع حكاية القومية العربية لتكون بديلا عن العقيدة الإسلامية..!! 

بينما في كتابه "التصور السياسي للحركة الإسلامية" يقول المفكر والكاتب الإسلامي الشيخ/ رفاعي سرور جمعة :

ابتداء من الحضانة التي كان أشهر شعاراتها: «يا رب احفظ بابا جمال».. ومرورا بالمرحلة الابتدائية ذات المناهج المشحونة بالأفكار الاشتراكية وشخص عبد الناصر.. والمرحلة المتوسطة التي تتواصل فيها المناهج الموجهة، وتكون فيه الرحلات الإجبارية إلى الهرم والسد العالي؛ لربط الشباب تاريخيا بالفراعنة بناة الهرم، وحاضرا بالزعيم باني السد.. وانتهاء بالجامعات التي فرغت فيها قاعات المحاضرات، بعد توزيع الطلبة على الرحلات والمؤتمرات والمعسكرات ومسيرات التأييد والبيعة مدى الحياة للزعيم الملهم..! كان الأستاذ الجامعي الملحد.. هو النموذج الاجتماعي لشباب مصر.. وكان الكتّاب الذين يكتبون القصص التي تتضمن القيم والمفاهيم والتقاليد المعادية للإسلام هم رموز الأمة..
ومن القصة إلى الفيلم، من أجل صناعة مجتمع كافر بكل أبعاد الكفر الصريح.. جميع الكتاب والمفكرين والصحفيين ملزمين بالهجوم على الإخوان كرمز للدعوة، وكان هذا الهجوم هو الإذن الرسمي بالدخول في أي مجال إعلامي.. كانت البراعة والعبقرية تقاس بمستوى هذا الهجوم المفروض.. وهكذا كان التعليم.. وهكذا كان الإعلام والثقافة.. كانت المؤسسات الدينية جميعها وبكل توجهاتها -وبلا استثناء- تجتمع وتتفق وتنطلق عندما تكون المهمة هي الإنكار وبشدة على الإخوان أو أي عمل من أعمالهم..
وفي المقابل كان التدين يعني التصوف، وكانت كل المحاولات السياسية لإثبات تدين القائمين على السلطة هي زيارة ضريح الحسين!
وكان الانتماء للدين لا يعني سوى أخذ العهد على شيخ من شيوخ الطرق الصوفية. وفي ذلك الوقت كان الشباب المواظب على الفرائض يبحثون له عن راقٍ، يتهامسون حوله: هل به مس؟ كان الشباب المواظب على الفرائض يصلي الفجر سرًّا دون أن ينتبه إليه أحد، بعد انتشار إشاعة تقول أن من يصلي الفجر يقبض عليه..
كان كافيا لفض أي تجمع.. أن تحاول شرح آية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} [المائدة: 44]..!
مجتمع له تنظيمه الداخلي «الاتحاد الاشتراكي العربي»، على رأسه لجنة مركزية كل عضو من أعضائها كتلة لحمية حاقدة على الإسلام.. تنظيم كرأس الإخطبوط الجاثم بجسده فوق قلب مصر.
مجتمع له زعيمه.. الذي اجتمعت فيه كل خصائص الزعامة القومية، صوت وصورة.. من يؤيده عالميًّا: الكتلة الشرقية، ودول عدم الانحياز علنًا، وأمريكا والغرب سرًّا.
مجتمع..له شعبه الذي كانت تتعلم فيه الأجيال النطق على حروف كلمة جمال، مرورًا بكل المواهب الشعبية التي جمعها جهاز إعلامي أقنع الشعب بأن هزيمة 1956 كانت انتصارًا، رغم ضياع قرية أم الرشراش سابقًا -إيلات حاليًا!-، وشرم الشيخ، وفقد القدرة على التحكم في مضيق تيران، وزرع القوات الدولية في سيناء للمرة الأولى..!!
حتى الفن: ابتداءً بالأراجوز.. وانتهاءً بالمسرح والسينما! ابتداءً بالمنولجست... وانتهاءً بأرقى القصائد التي جعلت السد معجزة عبد الناصر... معجزة ليس لها أنبياء.
ثم إثبات النبوة لصاحب المعجزة التي ليس لها أنبياء على لسان الشاعر الذي قال في عزاء جمال بعد موته: «قتلناك يا آخر الأنبياء!!».
مجتمع له زعيمه الذي أعلن قرار ضرب سوريا بعد حركة الانفصال وإنهاء الوحدة.. فصفق الناس تصفيقًا حادًّا ملتهبًا..! ثم قرر في نفس الخطاب عدم ضرب سوريا لأن الدم العربي لا يسفك بيد عربية.. فصفق الناس تصفيقًا، كان أيضًا حادًّا وملتهبًا..!
التصفيق على التناقض.. التصفيق على أي شيء.. التصفيق وحسب..!
وبعد أي خطاب تنزل المانشتات المكتوبة قبل الخطاب: صدى عالمي.. وزارات العالم الخارجية ومراكز البحوث العالمية تحلل الخطاب.. انخفاض سعر الدولار.. الجيش الإسرائيلي يرفع حالة الاستعداد القصوى"
إذا اردنا الحديث عن "جمال عبد الناصر" فبالطبع لن تكفينا العشرات من الكتب والمجلدات، من أجل توضيح الحقائق وتنشيط الوعي وإزالة الضلالات والأوهام التي زرعها إعلام عبد الناصر في العقل الجمعي للشعوب العربية، ولكننا نكتفي بذلك القدر من أقوال علماء ومفكرين عاصروا الحقبة الناصرية ووصفوها بتجرد وصدق.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1227 مشاهدة
نشرت فى 19 يناير 2015 بواسطة news2012

صحافة على الهواء

news2012
نتناول الموضوعات السياسية والعلمية والدينية والإجتماعية على الساحة الداخلية والخارجية وتأثيرها على المجتمع المصرى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

117,412