الرحلة إلى الكنوسة: المصطلح شهير جدا في اللغة الانجليزية ويشير إلى واقعة قديمة وهي أن هنري الرابع ملك المانيا حكم عليه بالحرمان الكنسي وهي عقوبة في المسيحية تعني نزع صفة المسيحية عن الشخص وقطع صلته بالكنيسة وتشبه الحكم بالردة في الاسلام ولا ترفع العقوبة الا بعد التوبة, ولا تكون التوبة إلا امام رجل الدين عندهم وبسبب خلاف قديم بين البابا جريجوري السابع وبين الامبراطور هنري الرابع اصدر جريجوري حكماً بحرمان هنري كنسياً وخشية من حدوث تمرد نتيجة لإصرار النبلاء على رفع العقوبة أولاً للاعتراف بهنري الرابع, اضطر هنري الرابع إلى ارتداء قميص من الشعر وكان زي الرهبان في ذلك الوقت والسير حافياً حتى وصل إلى الكنوسة وكانت مقر إقامة البابا جريجوري وعند وصوله رفض البابا دخوله, فبقي أمام باب الكنوسة حافياً لمدة ثلاثة أيام وتبادل الخطابات مع جريجوري حتى سمح له بالدخول وما إن دخل إلى الكنوسة حتى ركع امام البابا الذي عفى عنه والغى العقوبة ..   هذه القصة هي جذور كراهية الغربيين لسلطة الكنيسة التي كانت تعين ملوكاً وتعزلهم, ولما قامت الثورة الفرنسية نادت بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة, واطلقت شعارها الشهيرة ( اشنقوا اخر اقطاعي بامعاء اخر قسيس ) !   الكراهية العميقة لسلطة الكنيسة انتقلت مع الاحتلال الغربي للدول الاسلامية, فالمهزوم أحياناً يعتنق فكر المنتصر !   والحقيقة أن رسالة المسيحية لم تنزل بتشريع جديد, بل نزل الانجيل على سيدنا عيسى عليه السلام برسالة ( إصلاح روحاني ) لما فسد عند بني اسرائيل, ولم تحمل أي جديد فيما يخص التشريع أو الشريعة, فكانت الشريعة أو القانون الالهي الذي انزله الله على سيدنا موسى عليه السلام هو الذي يحكم حياة بني اسرائيل ولم ينزل الله قانوناً الهياً جديداً او شريعة سوى عند نزول القرآن الكريم على النبي عليه الصلاة والسلام, وبالتالي فإن دعوة بغبعانات العلمانية العرب بفصل الدين عن الدولة والمطالبة بما يسمونه بدولة ( مدنية ) يتم فيها الغاء علاقة الدين بالحكم والدولة وكل مظاهر الحياة هي محض تقليد والمسافة بينها وبين دعوة الثورة الفرنسية لفصل الدين عن الدولة واسعة, فالمسيحية لم تكن تقدم اطاراً تشريعياً من قوانين الهية بل تحكم بسلطة البابا وتعليماته التي تعتبر لديهم منطوقاً الهياً بصورة أو بأخرى, وبالتالي فما حدث في الغرب هو أن الديانة المسيحية بشكلها الذي قدمته الكنيسة تصادم بشكل كامل مع الحياة الطبيعية, ولا ننسى في هذا السياق أن الكنيسة حاكمت جاليليو لابحاثه العلمية حول حركة الأرض وحكمت عليه بالإقامة الجبرية, وقالت في حكمها بأنه يأتي بما يخالف الانجيل ولولا صداقته للبابا الكاثوليكي وقتها لتم اعدامه وظل جاليليو في منزله وقتها حتى مات بعد أن فقد بصره ولم تقدم الكنيسة الكاثوليكية اعتذاراً رسمياً لجاليليو الا بعد وفاته بما يزيد عن ثلاثة قرون سنة 1980 !!   الوضع في الاسلام مختلف, فالاسلام يقدم اطاراً تشريعياً كاملاً للحياة البشرية ويترك التفاصيل الاصغر للبشر لتنظيمها حسب الظروف, ويتداخل بشكل لا يمكن فصله في الحكم والحياة والمعاملات التجارية والاقتصاد والمعاهدات الدولية .... الخ وهو في نفس الوقت لا يتصادم مع العلم, فحركة البحث العلمي لم تتوقف لحظة الا بعدما اصاب الانهيار الاداري الدولة الاسلامية في أواخر عهد الخلافة العثمانية ..   بغبغانات العلمانية العرب استوردوا من الغرب مشكلة الكنيسة مع مؤسسات الحكم, واستعاروا حل مشكلة الكنيسة لتطبيقها في بلادنا, تقليداً لاوربا دون فهم فبئس العقول !   والأمر يشبه محاولة اصلاح سيارة ثقبت عجلاتها عن طريق طريق استبدال مساحات الزجاج الأمامي !   العلمانية في مصر مرت بعدة مراحل, وخرجت من كتابات المهزومين فكرياً وظهرت بأبشع صورها بعد انقلاب 1952 الذي قام به ضباط وصفهم ضابط المخابرات الامريكية كيرميت روزفلت في تقريره الذي قدمه للكونجرس عنهم عندما كان يوصي الحكومة الامريكية بالتعاون معهم بأنهم ( ضباط علمانيون يتفقون مع أمريكا في الرؤية ) كما ورد في كتاب لعبة الأمم لضابط المخابرات الأمريكي مايلز كوبلاند ..   العلمانية العربية والمصرية على وجه الخصوص تخوض الآن معركة وجود, يدعمها عسكر كامب ديفيد في مواجهة الشعب كله والذي تجذر الاسلام في مكوناته الجينية عبر 1400 سنة, وهي حرب خاسرة يقودها العسكر الآن يدعمهم العلمانيون الذين لا يتوقفون في كل مناسبة عن محاولة فرض ايديولوجيتهم المستوردة التي يكررونها كالبغبغانات وهي عدم قيام احزاب على اساس ديني وفصل الدين عن الدولة في الوقت الذي تتخلى فيه أوربا تدريجياً عن العلمانية وتكشف تدريجياً عن وجهها الحقيقي الديني الذي ظل طويلاً تحت قناع الدولة العلمانية, وما يحدث في دول العالم الاسلامي من هجمات على الديموقراطية تدعمها قوى غربية هو حقيقة تكشف عن نفسها بالتدريج, والعلمانيون في الحقيقة تحولوا من الاختباء خلف ستار خفيف من الايديولوجية السياسية, لمرحلة المكاشفة الكاملة وإبراز قبحهم الفكري والتعدي على هوية شعب عاش 14 قرن يمتزج الاسلام بدمه وجيناته, حتى وإن فسد بعضه, حتى خرجت إحداهن في التليفزيون الحكومي بتلقين من المخابرات والشؤون المعنوية, لتطالب صاحب الهاشتاج بتطبيق العلمانية وإن كانت العلمانية أيديولوجية فهي أيديولوجية ساقطة هي والوحل سواء لا يعتنقها سوى الساقطون ومن باعوا دينهم بدنيا لن ينالوها !

المصدر: الإعلامية " آيات عرابي "
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 204 مشاهدة
نشرت فى 1 يوليو 2014 بواسطة news2012

صحافة على الهواء

news2012
نتناول الموضوعات السياسية والعلمية والدينية والإجتماعية على الساحة الداخلية والخارجية وتأثيرها على المجتمع المصرى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

117,116