بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، يقول رب العزة في كتابه المبين (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [ النحل: 89]. لقد وقفت عند هذه الآية الكريمة ملياً أتفكر في كل كلمة من كلماتها وكل حرف من حروفها خاشعة أمام عظمة كتاب الله تعالى وعظمة دلالات آياته.
فها هو العلم يكشف لنا يوماً بعد يوم أن كتاب الله يضم فعلاً حقائق كل الأمور واضحة جلية في وصف دقيق ومبهر ومباشر. وموضوع بحثنا اليوم - الأدوار والوظائف الخاصة بالشجرة، ماذا قال القرآن الكريم عن هذه الوظائف ؟ وماذا اكتشف العلم حديثا ؟
ماذا يقول القرآن الكريم عن وظائف الشجرة
لقد ذكر القرآن الكريم عدة فوائد للشجرة.. نأكل ثمارها، نستعمل أغصانها وخشبها في التدفئة وفي عدة منافع حياتية أخرى. ولكن هل هناك فوائد أخرى للشجر ذكرها القرآن الكريم إضافة إلى كل ما نعرفه من وظائف ؟ فلنبقى مع هذه الآيات الكريمات ونرى.
وصف الشجرة بالأقلاميقول رب العزة في كتابه المبين (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [لقمان: 27].
جاء في تفسير هذه الآية: وَلَوْ أَنَّ جَمِيع أَشْجَار الْأَرْض جُعِلَتْ أَقْلَامًا وَجُعِلَ الْبَحْر مِدَادًا وَأَمَدَّهُ سَبْعَة أَبْحُر مَعَهُ فَكُتِبَتْ بِهَا كَلِمَات اللَّه الدَّالَّة عَلَى عَظَمَته وَصِفَاته وَجَلَاله لَتَكَسَّرَتْ الْأَقْلَام وَنَفِدَ مَاء الْبَحْر وَلَوْ جَاءَ أَمْثَلها
ففي الآية الكريمة وصف الله عز وجل الشجرة بالقلم ومدادها الماء، ونحن نعلم أن الشجرة لكي تنمو تحتاج إلى الماء، فهل بنموها هذا وباستعانتها بالماء كمداد تباشر مهمة الكتابة كوظيفة أخرى تضاف إلى وظائفها العادية والمعهودة فيها؟ أظن ذلك وهذا ما سنراه عبر آيات أخرى تحمل من الإشارات والدلالات الكثير لهذه الوظيفة الجديدة للشجرة...فتابعوا معنا.
وصف الشجرة بالكلمةالهَا مَدَدًا.
يقول رب العزة في كتابه المبين
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ* يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: 24- 27].
لقد شبّه َالله عز وجل في هذه الآيات الكلام بالشجر، فالكلمة الطيبة شجرة طيبة، والكلمة الخبيثة شجرة خبيثة.
الشجرة شاهدة على تاريخ البشرية
في بحثي عن بعض الآيات التي وردت فيها كلمة الشجرة وجدت حقيقة مدهشة وفي غاية الأهمية، فكلمة الشجرة جاءت في الكثير من الآيات مقرونة بأحداث غاية في الأهمية وكل هذه الأحداث غيرت مصير البشرية تغييرا كاملا.
سيدنا آدم والشجرة
عند نزول آدم وحواء من الجنة وبدء الحياة البشرية على وجه الأرض، يقول رب العزة في كتابه المبين (وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْتَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [الأعراف: 19- 24].
قصة نوح وصنع الفلك من خشب الشجر وبداية فجر جديد آخر
يقول تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ* وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [هود: 36-39].
ففي هذه الآيات لم تذكر كلمة الشجرة مباشرة وإنما ذكرت كلمة الفلك، والفلك يعتمد في صناعته على خشب الشجر.
ولادة عيسى ابن مريم عليه السلام تحت الشجرة
يقول رب العزة في كتابه المبين (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) [مريم: 23-24].
ها قد جاء ذكر الشجرة في هذا الحدث الهام أيضا - ولادة عيسى ابن مريم – فلقد جاء المخاض سيدتنا مريم العذراء تحت جدع النخلة... وكانت ميلاد صفحة جديدة من النور والهداية لليهود والنصارى
موسى عليه السلام تلقى كلماته ربه عند الشجرة من البقعة المباركةيقول رب العزة في كتابه المبين: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [القصص: 30].
ها قد جاء ذكر الشجرة أيضاً في هذا الحدث الغاية في الأهمية، حيث تلقى موسى عليه السلام كلمات ربه لحمل رسالة النور والهداية لبني إسرائيل، وإنقاذهم من ظلم الطاغية فرعون وملكه.
فما كل هذه الإشارات الدلالات والعلاقات المدهشة لذكر الشجرة في كل هذه الوقائع والأحداث الهامة، ما هو سر هذه العلاقات والدلالات ؟ فلنكمل بحثنا لنرى..
الشجرة شاهدة حاضرة على بيعة الرضوان
يقول رب العزة في كتابه المبين (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18].
جاء في تفسير هذه الآية: حادثة بيعة الرضوان عند صلح الحديبية ومَا أَجْرَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أيدي المسلمين مِنْ الصُّلْح بَيْنهمْ وَبَيْن أَعْدَائِهِمْ وَمَا حَصَلَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَيْر الْعَامّ وَالْمُسْتَمِرّ الْمُتَّصِل بِفَتْحِ خَيْبَر وَفَتْح مَكَّة ثُمَّ فَتْح سَائِر الْبِلَاد وَالْأَقَالِيم عَلَيْهِمْ وَمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْعِزّ وَالنَّصْر وَالرِّفْعَة فِي الدُّنْيَا والاخرة
فسبحان الله! لقد جاء ذكر الشجرة أيضا في هذا الحدث الذي يعتبر من الأحداث الهامة في تاريخ البشرية، وما تمخض عنه من سكينة وعزة ونصر وفتح كبير للمؤمنين.
ونلخص الآن ما ذكرناه من دلالات وحقائق مهمة مرتبطة من ذكر الشجرة في القرآن الكريم، لنخرج بحقيقة علمية مذهلة لم يكتشفها العلم إلا مؤخرا.
فالشجرة وصفت وصفا دقيقا بالقلم والقلم هو الذي يكتب ويؤرخ، ووصفت أيضا بالكلمة، فماذا تقول لنا الشجرة وهل فعلا الشجرة تحكي وتتكلم. والشجرة جاء ذكرها مرتبطا بأهم الأحداث في تاريخ البشرية، وهذه إشارات واضحة لدور الشجرة في التأريخ... فكل هذه الحقائق توضح أن للشجرة وظيفة هامة جدا متعلقة بعلم التأريخ العلمي لطريقة تطور الحياة الكونية على الأرض.
الشجرة والعلم الحديث
هناك علم يتحدث عن أهمية الأشجار في معرفة الزمن الماضي، وهو علم يطلق عليه باللغة الفرنسية la dendrochronologieوهو علم حديث جدا مقارنة مع باقي العلوم، أسس قواعده العالم Andrew Ellicott Douglass في سنة 1930 م.
فعند تصفحي في بعض المواقع العلمية، لفت انتباهي مقال رائع يحمل عنوان " الأشجار تتكلم "، ففي مقدمة هذا المقال العلمي يتم الحديث عن دور الشجر في قراءة التاريخ، قراءة الماضي من خلال حلقات الشجرة ( ]
نشرت فى 2 مارس 2013
بواسطة nassimbishra
نسيم الظواهرى بشارة
موقع تعليمى إسلامى ، نهدف منه أن نساعد أبناءنا الطلاب فى كافة المراحل التعليمية ، وكذلك زملائى الأعزاء من المعلمين والمعلمات ، وموقع إسلامى لتقديم ما يساعد إخواننا الخطباء بالخطب المنبرية ، والثقافة الإسلامية العامة للمسلمين ، ونسال الله سبحانه وتعالى الإخلاص فى القول والعمل ، ونسألكم الدعاء »
تسجيل الدخول
ابحث
عدد زيارات الموقع
1,068,828
ساحة النقاش