<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]--><!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]--><!--<!--

 

 

الخطبة الأولى :الجامعة الرمضانية (3)

(مناسبة للجمعة الثانية من شهر رمضان المبارك)         

الحمد لله الداعي إلى بابه، الموفق من شاء إلى صوابه، أنعم بإنزال كتابه، يشتمل على محكم ومتشابه،  فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه وأما الراسخون  في العلم فيقولون آمنا به.أحمده على الهدى وتيسير أسبابه، وأشهد ألا إله إلا الله شهادة أرجو بها النجاة من عقابه.وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أحرص الناس على ثوابه، وصلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر أفضل أصحابه، وعلى عمر الذي أعز الله به الدين واستقامت الدنيا به، وعلى عثمان شهيد داره ومحرابه، وعلى علي المشهور بحل المشكل من العلوم وكشف نقابه، وعلى آله وصحبه ومن كان أولى به.اللهم خذ بأيدينا إلى طاعتك واصرف عنا غوائل الجهل وغبرات الضلالة، وأجرنا من القول بغير عمل، ومن التكلف لما لا نحسن ومن العجب بما نحسن أما بعد :- فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله سبحانه، إذ بها تشرف النفس، ويثقل الميزان،ويعلو القدر، ويعظم الجاه، ويحصل القرب من الباري جلّ شأنه، فما خاب من اكتنفها، ولا أفلح من جفاها، ولا جَرَم عباد الله، فإن العاقبة للتقوى،)فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(المائدة:100.

أخي المسلم : اغتنم ليالي النفحات ،وبادر فاستنشق النسمات ، فقد والله أزف أوانها ، وعما قليل سيفتح ديوانها ، فكن أول المسجلين فيه ، فإن عجزت أن تكون من التالين ، ولم توفق لتكون من القانتين ، وتهاونت أن تكون مع الراكعين الساجدين  ولم تر يدك ممدودة تناجي أكرم الأكرمين ، وتدعوه مع المتضرعين ، فينبغي لك أن تكثر العويل على نفسك التي فرطت في جنب الله ، فكانت من الخاسرين ، اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات  وتعويض ما فات ، واجعلنا في مستقبل أيامنا خيرا منا فيما مضى ، وأسعدنا في كل  ما هو آت .

إخوتي في الله  :- كنا وإياكم في الجمعة الماضية  في رحاب الجامعة الرمضانية حيث تجولنا في أربع كليات من كلياتها وذلك في اليوم الثاني من هذا الشهر المبارك 0 فلئن كان المسلم يعبد ربه جل وعلا في سائر شهوره وأيامه إلا أنه يأخذ في جامعة رمضان دورةً عباديةً يزيد فيها من جُرُعَات الطاعة ونَكَهاتِ الإيمان والإخلاص، حتى يقوى على ما تبقى من الشهور، ويجعل هذه الفرصة مُنطَلَقًا إلى فعل الخيرات، تقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله r (يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره). أخرجه مسلم.واستلهمنا منها الدروس والمعاني السامية 0واليوم نواصل جولتنا في بعض كليات الجامعة الرمضانية ،وننتقل أيها الإخوة هذا اليوم إلى جامعة رمضان الإيمانية ونقف أمام بعض كلياتها 0نفعنا الله وإياكم بما نسمع ونقول وجعلنا الله من )يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ( الزمر: 18

الكلية الخامسة مكتوب عليها كلية القرآن الكريم:إن المناسبةُ بين هذا الشّهرِ والقرآنِ عظيمَة، فقد أنزلَ الله فيه القرآنَ رحمةً للناس،)شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (البقرة:185

لقد خص الله جل شأنه شهر رمضان من بين سائر الشهور بإنزال القرآن الكريم فيه، وخصه كذلك بوجوب الصيام شكراً لله على نعمة القرآن،  ففي ليلة السابع عشر من رمضان والنبي rفي الأربعين من عمره أذن الله عز وجل للنور أن يتنزل، فإذا جبريل عليه السلام آخذ بالنبي rيقول له:اقرأ! فقال النبي r:(ما أنا بقارئ،قال:فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال:اقرأ، قلت:ما أنا بقارئ،فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال:اقرأ،فقلت:ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال)اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ( العلق:1-3 فرجع بها رسول الله r يرجف فؤاده) رواه البخاري0 وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي الرؤوف الرحيم في هذا الشهر العظيم. وهكذا شهدت أيامه المباركة اتصال الأرض بالسماء، وتنزل الوحي بالنور والضياء، فأشرقت الأرض بنور ربها وانقشعت ظلمات الجاهلية الجهلاء. ومن قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولاً آخر، إنه نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وكان ذلك في ليلة القدر )إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ(. )إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ(. قال ابن عباس: (أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة) رواه النسائي والحاكم. وقال ابن جرير: نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد rعلى ما أراد الله إنزاله إليه 0فشهر رمضان شهر القرآن، ومن أفضل ما تعمر به الأوقات في هذا الشهر الاهتمام بالقرآن حفظا وتلاوة وتدبرا وعملا، هذا ما نراه ولله الحمد في الخيّرين من الناس في الإقبال على القرآن في هذا الشهر، ولقد كان اهتمام سلف الأمة بالقرآن في رمضان كبير، انظروا مثلا إلى قدوتنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه الذي يروي عنه ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين فيقول: (كان رسول الله rأجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة). رواه البخاري ومسلم  فدلنا هذا الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك ودلنا أيضا على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في رمضان.  ويتبين لنا من خلال الحديث أيضا أن مدارسة جبريل عليه السلام له r كانت ليلا دلالة على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في رمضان ليلا، فالليل تنقطع فيه الشواغل ويجمع فيه الهم ويتواطؤ فيه القلب واللسان على التدبر يقول تعالى: )إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً( المزمل:6 خلافا لما يفهمه كثير من الناس من المداومة على القرآن في نهار رمضان وترك تلاوته ليلا ، وكان بعض السلف يختمون في قيام رمضان في كل ثلاث ليال وبعضهم في كل سبع منهم قتادة وبعضهم في كل عشر.وقال ابن رجب رحمه الله:"وكان السلف رضوان الله عليهم يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان. وكان الزهري إذا دخل رمضان قال:فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام " قال ابن عبد الحكم"كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراء القرآن وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في رمضان فإذا طلعت الشمس نامت"أهـ كلامه رحمه الله. وروى أحمد في مسنده بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي r (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان) رواه أحمد. فأكثروا رحمكم الله من تلاوةِ القرآن في هذا الشهرِ المبارك، فإنّه شهرُ القرآن، وفي الحديث: (من قرأَ حرفًا من القرآنِ فله بكلِّ حرفٍ عشرُ حسنات، لا أقول:  )أَلَمْ  (حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.

أيها الإخوة المسلمون: والمسافة بعيدة بين قراءة القرآن وتدبره والعمل به وهجره ومخالفته وعدم الاكتراث به والفرق كبير بين من يقرأون القرآن ويعملون به ومن يهجرون القرآن ويلغون فيه وحين اشتكى المصطفى rإلى ربه من الذين يهجرون القرآن أوحى الله إليه أن من قبلك من المرسلين جعلنا لهم أعداء )وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً*وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (الفرقان:-30-31

وإذا كان هجر القرآن صفة مذمومة والذين يهجرون القرآن فئة معلومة فاتقوا الله معاشر المسلمين في القرآن الكريم واحذروا هجره 0

إخوة الإسلام: يكاد القرآن يهجر عند بعض المسلمين فيقل قراءته في المساجد إلا في رمضان وأقل من ذلك قراءة القرآن في البيوت وتخصيص حلق نافعة تجتمع عليها الأسرة وتكون مائدتها القرآن وربما فهم البعض أنه يكفيهم من القرآن أن تتلى آياته في المناسبات والاحتفالات وأن يستفتح به في البرامج والإذاعات والحق أن تقديمه يعني عدم التقدم عليه والوقوف عند حدوده وأحكامه وينبغي أن يفهم أن تقديمه رمز لإعلاء شأنه وعدم مخالفته وأنه الحاكم الحق والفيصل بين الخلق )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً( النساء:59 وهل رد الأمر إلى الله والرسول إلا رد لما ورد في القرآن إما جملة وإما تفصيلا0

   ومن صور هجر القرآن عدم العمل به وربما وجدت قارئا مكثرا من قراءة القرآن لكنك لو فتشت في حاله لوجدته في واد والقرآن في واد آخر وقد قيل كم من قارىء للقرآن والقرآن يلعنه نعم ومصداق ذلك أن هناك من يقرأ )أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(  -وهو يظلم- )لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ( وهو يكذب ويقرأ الوعيد الشديد في أكل الربا وهو واقع فيه ويسمع آيات الله تتلى في تحريم شرب الخمر والزنا أو غيرهما من الفواحش وكأن هذه الآيات لا تعنيه ما هكذا تكون قراءة القرآن يا عباد الله وما نزل القرآن من أجل أن يتسلى به أو يترنم بآياته فحسب 0

 ومن صور هجر القرآن عدم الاهتمام به فلا يعلمه بنفسه ولا يتعلمه من غيره فضلا عن أن يعلمه لمن يحتاج إليه والنبي r يقول (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري 0 والقرآنُ غذاءُ القلوبِ والأرواح كما أنّ الطعامَ والشراب غذاء الأبدان، فإذا صام المسلم عن غذاءِ البدَن صفَت الروح وضعُفت النفسُ الأمّارة بالسّوء وتغذَّت الروحُ بالقرآن العظيم، فأحِلّوا حلالَه، وحرّموا حرامَه، وآمنوا به، وتدبَّروا آياته، وتفقَّهوا في أحكامه؛ لتكونوا من أهلِ القرآن الذين هم أهلُ الله وخاصّتُه، فمن عمِلَ بالقرآن فهو من أهلِه وإن لم يكن حافظًا لحروفه كلِّها، ومن لم يعمَل بالقرآنِ فليس من أهله وإن كان حافظًا للقرآن0 فيإخوتي الصائمون إن خير ما نستغل به شهر الصوم قراءة القرآن وتدبره فيا من أهمل القرآن طول عمره، جاءك رمضان فرصة لك في العودة إلى كتاب الله فكيف ترجوا ممن أهملته الشفاعة .ثم اعلموا رحمكم الله إن تلاوة كتاب الله عبادة من أجل العبادات، إذ كل حرف يقرأه المسلم بعشر حسنات، ولكن ليست تلاوة القرآن غاية، وإنما هي وسيلة إلى فهم القرآن وتدبر آياته ثم العمل به وتبليغه، وتلك هي الغاية المطلوبة من قراءة القرآن، ذلك أن القرآن رسالة الله إلى الناس كافة، وإلى المسلمين خاصة، والقاعدة المعروفة في الرسائل هو قراءتها للتوصل إلى فهم ما فيها وما يطلب صاحبها من المرسل إليه. وعليك أيها المسلم أن تذكر إذا جاءتك رسالة من محبوب كريم كم يكون فرحك بها، وإذا جاءتك رسالة من حاكم أو رئيس كم يكون تقديرك لها حيث تقرؤها بإمعان لتنفذ كل ما جاء فيها من أمر ونهي هذا إذا كانت الرسالة من بشر مثلك، فكيف برسالة خالقك وخالق المخلوقات كلها وملك الملوك وإله العالمين يخاطبك في رسالته في كل وقت وحين: يا أيها الإنسان، يا بني آدم، يا أيها الناس، يا أيها الذين آمنوا، سواء كنت قارئاً أو مستمعاً، وهذه النداءات كلها تشتمل على أوامر ونواهي، فهل أديت الأوامر واجتنبت النواهي كما أمرك ربك في رسالته، وأنت تشهد دائماً أنك توصلت بها وآمنت بها وصادقت عليها بقولك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله r.

أيها المسلمون : لما كان القرآن مسيطرا في رمضان ، مهيمنا عليه ، كان الصيام ورمضان صقلا لأخلاق المسلم ، كي يكف نفسه عن رذائل الأخلاق ، غيبة ونميمة ، وزورا وبهتانا ، يتعلم فيه أن يأكل الحلال ، وأن يجتنب الظلم والعدوان ، بل تحفزه لكي يسمو بأخلاقه فوق ذلك كله ، تسمو للعفو والصفح والغفران ، فيقابل من أساء إليه بكظم غيظه ، والتجاوز عنه والإحسان إليه . كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ،أن رسول الله أن رسول الله rقال:(وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ، ولا يفسق ، ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم ). أخرجاه  وعند البخاري من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله r: (من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه .)وعند الدارمي بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r:( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر) . وتصديق ذلك في حياتنا بين ظاهر ، فكم من صائم نهارا عن أكل وشراب ، مرخ عنان عينيه يرقب الشاشات ، ويتابع الأفلام والمسلسلات ، مطلق لسانه في غيبة ، ونميمة ، وتشاتم وسِباب ، جامع سوء الخلق من أطرافه ، مفسد صومه معنويا ، ملغ آثاره خلقيا ، وبعيد عن ثمراته تربويا ، فهو مفطر على الحقيقة ، وإن كان صومه صحيحا فقهيا فالصيام مرتبط بالقرآن ،والقرآن متمم لمكارم الأخلاق، مرب للنفوس على الزكاء والطهارة الحسية والمعنوية . فكأن الصيام يقول للمسلم اقرأ: )وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً (اقرأ:)لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ(اقرأ:)وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(اقرأ: )وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ(،اقرأ : )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(. وقف مليا واقرأ : )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم( فمن تأدب بالقرآن حسن خلقه ، ومن حسن خلقه كان من أكمل المؤمنين إيمانا 0نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل القران وخاصته0 اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين يعظمونه حق التعظيم فيؤمنون بمتشابهه ويعملون بمحكمه ويحلون حلاله ويحرمون حرامه ويحكمونه في جميع أمورهم إنه سميع مجيب اللهم أجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء همومنا وأحزاننا، اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا أرحم الراحمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً*وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (الإسراء: 9-10  نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيد الأولين والآخرين وأجارني وإياكم من عذابه المهين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين آمين.                   

الخطبة الثانية :الجامعة الرمضانية (3)

 

الحمد لله الذي جعل الصّيامَ جُنّة وسببًا موصِلاً إلى الجنّة، أحمده سبحانه وأشكره هدى ويسّر فضلاً مِنه ومِنَّة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، دلّنا على أوضحِ طريقٍ وأقوم سُنّة، صلّى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد اتقوا الله جل وعلا حق تقاته أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ، فإن تقوى الله ستر من النار ، وسبب لدخول الجنة ، وبالتقوى تزاح الهموم ، وكل ضيق يبتلى به المتقي فعند الله منه المخرج  0                                                                                              الكلية السادسة مكتوب عليها كلية التراويح: فشهر رمضان شهر التراويح شهر التهجد والمصابيح عجباً لأوقاته ما أشرفها، ولساعاته التي كالجواهر ما أظرفها، طوبى لعبد صام نهاره، وقام أسحاره. إليك يا أخي الحبيب بعض فوائد صلاة التراويح: منها أن قيام رمضان من الإيمان ومغفرة لسالف الذنوب، قال رسول الله r: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.

ومن فوائد التراويح أن مصليها يستحق اسم الصديقين والشهداء، وهذا من فيض الكريم سبحانه وتعالى. جاء رجل إلى النبي rفقال: يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته فمِمّن أنا؟ قال: (من الصديقين والشهداء) رواه البزار وابن خزيمة وهو صحيح. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا دخل أول ليلة من رمضان يصلي المغرب ثم يقول: "أما بعد، فإن هذا الشهر كتب عليكم صيامه ولم يكتب عليكم قيامه فمن استطاع منكم أن يقوم فليقم، فإنها نوافل الخير التي قال الله".

ومن فوائد وبركات صلاة التراويح أن من قام مع إمامه كتب له قيام ليلة. عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله rقال: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام الليلة). تصلي مع الإمام حتى ينصرف وتتصبر هذه الدقائق يكتب لك قيام ليلة كاملة. فاتق الله يا عبدالله في عمرك الذي مضى أكثره وأقبل على صلاة التراويح يُقبل الله عليك وانظر إلى سلفك من الصحابة، عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة، قال وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر خشية أن يفوتنا الفلاح – أي السحور.

 وما صلاح الأجساد إلا بانتصابها لربها، في القيام والتراويح، وهو شفاء من أمراض الأجساد والقلوب ورفعة للدرجات عند علام الغيوب وهذا طريق الصالحين من قبلنا. قال رسول الله r (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم، وتكفير السيئات، ومطردة للداء عن الجسد) حديث صحيح رواه الترمذي وغيره. وقد كان صحابة رسول الله rيربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها من طول القيام في التراويح.  فرحم الله رجلاً قدم لآخرته، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، وقدم مهره، فإنما مهر الحور الحسان طول التهجد بالقرآن، ولا تكن يا أخي ممن يعظم الخِطبة ويسهى المهر.  بادر يا أخي فإنه مبادر بك. كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: "صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير". اللهم اجعلنا ممن  صام رمضان وقامه صبرا واحتسابا ،وأرزقنا اللهم فيه الجد والاجتهاد ، والقوة والنشاط ، وأعذنا فيه من السآمة والفترة ،والكسل والنعاس،ووفقنا  اللهم فيه لليلة القدر ،واجعلها خيرا لنا من ألف شهر ولنا معكم أيها الإخوة المؤمنون لقاء إن شاء الله في الجمعة القادمة في رحاب الجامعة الرمضانية0هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمرتم بالصلاة عليه فقال عز من قائلا عليما )إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( اللهم صل وسلم على عبدك و رسولك محمد و على آله وصحبه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك و خاصتك اللهم شَفِّع فينا القرآن اللهم ارفعنا بالقرآن اللهم أحينا على الإسلام و الإيمان و القرآن و توفنا على الإسلام والإيمان و القرآن اللهم اجعلنا ممن يأخذ بيده القرآن إلى رضوانك والجنة، ونعوذ بك أن يكون القرآن خصماً علينا يوم الوقوف بين يديك ،اللهم اجعلنا ممن يقيم حدوده، ويعمل بأوامره ويتلوه على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم اجعلنا لكتابك من التالين، ولك به من العاملين، و إلى لذيذ خطابه مستمعين، وبما فيه من الحكم معتبرين،اللهم انفعنا بما فرجت به من الآيات، وكفر عنا به السيئات، وارفع لنا به الدرجات ،وهون علينا به السكرات عند الممات ،اللهم و أوجب لنا به الشرف و المزيد ،وألحقنا بكل بر سعيد، ووفقنا جميعاً للعمل الصالح الرشيد، اللهم واجعلنا من المنفقين المبتغين جنة عدن بحورها العين، اللهم تقبل منا صيامنا و قيامنا و سائر عملنا، اللهم لا تصرف هذا الجمع إلا بذنب مغفور، و عمل مقبول و تجارة لن تبور، اللهم لا ترُدَّ هذا الجمع خائبين، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، و تب علينا إنك أنت التواب الرحيم )رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( وأدخلنا الجنة مع الأبرار، يا عزيز يا غفار  

  عباد الله: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ( فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون0

 

nassimbishra

اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله

  • Currently 33/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 210 مشاهدة
نشرت فى 1 أغسطس 2011 بواسطة nassimbishra

ساحة النقاش

نسيم الظواهرى بشارة

nassimbishra
موقع تعليمى إسلامى ، نهدف منه أن نساعد أبناءنا الطلاب فى كافة المراحل التعليمية ، وكذلك زملائى الأعزاء من المعلمين والمعلمات ، وموقع إسلامى لتقديم ما يساعد إخواننا الخطباء بالخطب المنبرية ، والثقافة الإسلامية العامة للمسلمين ، ونسال الله سبحانه وتعالى الإخلاص فى القول والعمل ، ونسألكم الدعاء »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

1,069,853

ملحمة التحرير