صبر
عَجِبتُ لصبرٍ في البِعادِ أُزاوِلُه
وشكرٍ لوجهِ الموتِ عنهُ أُعاجِلُه
ودنيا لها في الخافِقَينِ مَذَلَّةٌ
وإني بها راضٍ وقلبي أُشاغِلُه
وأعجبُ من هذا ابتهاجي بنُجعَتي
وأهربُ من جيشٍ تلوحُ أَوائِلُه
وأَطرَبُ من ضَربِ النَّكيرِ ولَحنِهِ
وأسكنُ في عُشٍّ تَحومُ بَلابِلُه
أَمُرُّ بعَينٍ لا أبالكَ وِردُها
تغورُ على ذِكرِ العيونِ مَناهِلُه
ولي هِمّةٌ كانت على الصّعبِ سهلُها
وبحري له من غُرَّةِ الموجِ ساحِلُه
أَمِيرُ بقَبرٍ والمحافلُ تُرتَجى
وأَنسُجُ فيها والبُنودُ غَوازِلُه
وإن نَزلَت في ساحةِ الدُّونِ هِمَّتي
بسَهوٍ لعادَت في العَلّيِّ تُنازِلُه
فلمّا أتاني ما أَنسِتُ بوَحشِهِ
تَغَيَّبَ عنّي مُذ هَوَيتُ نوافِلُه
وأَضرَمَ منّي ما استناخَ ببَردِهِ
وغَيّرَ لَوني حين مالَت سنابِلُه
فمالي فُجِعتُ القربَ أندُبُ غيرَهُ
وهل يستوي ظِلُّ الكتابِ وحامِلُه
ومَن لي معينٌ إن سرى العُمرُ بيننا
ومَن يمتطي الأزمانَ تَحنو كواهِلُه
فيا آمرًا بالسَّلمِ سَلِّم لنا الهوى
إذا شئتَ عبدًا تُستَحَبُّ سلاسلُه
وأَجزِل لنا الخيرَ الذي أنتَ أهلُهُ
فمَن لفقيرٍ إن تَناهَت وسائِلُه
فجودُكَ لا يَفنى وإن قلَّ صبرُنا
وفضلُكَ لا يَخفى وإن خافَ نائِلُه
مصطفى محمد كردي