دعاة تطبيق الشريعة .. ومعاناة الشعوب
من فقه الأحكام ............إلى فقه الحلول
- ما ينبغي أن يتنبه إليه دعاة تطبيق الشريعة الإسلامية أن مشاكلنا تحتاج إلى حلول عملية وبدائل مشروعة أكثر من حاجتها إلى أحكام فقهية وفتاوى شرعية.
- كثيرون هم الذين يرتقون منابر الفتوى ليجيبوا عن حكم الشرع فيما يعرض للناس من مشاكل الحياة ولكن أين هم الذين يبحثون عن الحلول المشروعة والمناسبة لهذه المشكلات؟ .
- وكثيرون هم الذين يرتقون منابر الدعوة ليحذروا الناس المسلوبة حقوقهم عقوبة ارتياد أبواب الحرام ولكن أين الذين يقدمون البدائل المشروعة ليساعدوا الناس على ارتياد أبواب الحلال ؟.
- ليس من الصعب أن تتعرف على الأحكام الشرعية في زمان توافرت فيه تقنية المعلومات ولكن الصعب أن تبحث في واقع الناس وتتلمس همومهم وتتعرف ظروف حياتهم وطبيعة مشاكلهم وأسبابها ومفاسدها ثم تعمل جاهدا على أن تقدم لهم من كنوز الشريعة ما يحقق مصالحهم، ويرفع الضرر عنهم .
- إن الذي يقرأ القرآن يدرك جليا أن محمدا(ص) جاء ليدل الناس على المعروف قبل أن ينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات قبل أن يحرم عليهم الخبائث حتى لايوقعهم في الحرج ويقيدهم بالآصار والأغلال التي كانت على من قبلهم قال تعالى: { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ }[الأعراف:157] .
- بل إن القرآن أتاح للمسلمين أن يتجاوزوا الخطوط الحمراء إذا لم يتح لهم إيجاد أو استخدام البدائل المشروعة وكان في ذلك تحقيقا لمصالح الخلق، ومقاصد الشرع، ورفعا للضرر عنهم .
- وأكبر مثال على ذلك ما لو تعرض المسلمون إلى مجاعة وأغلقت في وجوههم كل وسائل العيش المشروعة مما قد يعرضهم إلى الهلاك فإن الله يقول لهم { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:173] ، وهذا ما يعرف عند الأصوليين بفقه الضرورة.
- كما أن الرسول (ص) كان حكيما في التصرف إزاء الأفعال الخاطئة أوالمشاكل الواقعة التي تعرض له أو تعرض عليه في مجتمع المدينة ، فقد كان يضع الحلول قبل أن يبين الأحكام ويقدم البدائل قبل أن يصدر الفتاوى ويدل الناس على الوجه المشروع قبل أن يحذرهم من التصرف الممنوع.
- وأكبر مثال على ذلك قصة الأنصاري الذي جاء يتسول فقال له رسول الله (ص) ( في بيتك شيء) .. قال الرجل (حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقدح نشرب فيه الماء) .. فباعهما النبي (ص) بدرهمين وقال للأنصاري (اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به .. ثم قال له (اذهب فاحتطب ولا أراك خمسة عشر يوما فجعل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم ) .. فقال له رسول الله(ص): (هذا خير لك من أن تجيء والمسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو دم موجع).
- ولو أن النبي (ص) بدأ ببيان حرمة اتخاذ التسول وسيلة لكسب الرزق قبل أن يقدم للرجل بديلا آخر لإطعام أولاده وقضاء حاجته لما رأينا من الأنصاري استجابة لفتوى النبي (ص) ولربما تحول التسول من حالة فردية إلى ظاهرة اجتماعية مستفحلة في دولة المدينة يشق علاجها.
- إن إصدار الفتوى بالتحريم والمنع دون تقديم البدائل والحلول المشروعة تضييق على الناس، وتضييع لمصالحهم، وإفساد لحياتهم، كما أنه جهل بدور الدين في الحياة، وهدم لمقاصد الشرع الذي جاء لتحقيق المصالح ودرء المفاسد.
- مثال ذلك ما نسمعه اليوم من بعض الدعاة والعلماء من القول بأن الديمقراطية بدعة غربية، والدولة المدنية مناقض للدولة الإسلامية ، وتحديد ولاية الحاكم أمر غير مشروع لمخالفته لنهج السلف، ومنافسة الحاكم في انتخابات نزيهة خروج على طاعته حتى ولو كانت الشعوب الإسلامية تعاني كل أنواع التخلف الفكري والاقتصادي والصحي والحضاري ثمرة لاستبداد الأنظمة الفاسدة، وحتى لو لم يتح للشعوب إلا هذه الحلول لمقارعة الاستبداد.
- و لكن بعض المشايخ التقليديين يأبون ذلك ما لم يظهر الظالم كفرا بواحا، فهنيئا للمستبدين بالإسلام وعظم الله أجر المسحوقين ورزقهم الصبر والسلوان ومنَ عليهم برضا ولاة الأمر عنهم.
ساحة النقاش