authentication required

 

          وسائل فرعون في إجهاض ثورة بني إسرائيل

 

أما الزمان فهو ما قبل الميلاد ، وأما المكان فهي أرض مصر ، وأما النظام فهو نظام فرعون ، وأما الحديث فهو حديث الثورة ، وأما المناسبة فهي ربيع الثورات العربية ، وأما الغرض فهو تعريف الثوار بوسائل الأنظمة وأساليبهم في إجهاض الثورات والقضاء عليها وذلك من خلال دراسة نموذج موسى عليه السلام أبو الثوار وإمام الثائرين في إعلانه الثورة والخروج بقومه على فرعون أبي الطغيان وإمام المستبدين وسيد الظالمين وملهمهم ، وكان خروج موسى بقومه تعبيرا سلميا عن رفضه  لسياسة فرعون بعد سنوات من القهر والفساد والظلم التي مارسها ذلك القوي الظالم في حق ذلك الشعب الضعيف ، وللذكرى نقول للمدافعين أو الجاهلين بسياسة فرعون ، أليس فرعون قد علا في الأرض وأفسد فيها وجعل شعبه فريقين فريق يعمل وهم بني إسرائيل وفريق يأكل وهم قومه والمقربين منه ، فريق يكدح وفريق يربح ، فريق يزرع وفريق يحصد ، ثم زاد على ذلك فلوث يديه بدماء الأبرياء من بني إسرائيل بقتل الذكور من الرضع خشية أن يتكاثر عددهم فيكونوا خطرا عليه وعلى قومه كما يظن أو كما أشير عليه قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } القصص4 ، أليس فرعون هو من كان يرى نفسه مالكا لاحاكما فمصر ومن فيها وما فيها وما بها وما عليها جميعها أملاكه ، البشر والبقر على السواء قال تعالى:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ }الزخرف51 ، أليس فرعون من كان ينفق أموال مصر وخيراتها في بناء القصور لينعم بها في حياته وفي بناء القبور لينعم بها بعد موته قال تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ{10} الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ{11} فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ{12} فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ{13}) الفجر ، والمقصود بالأوتاد الأهرامات التي كان يبنيها الفراعنة ويملئونها بألوان الأطعمة والأشربة والأموال اعتقادا منهم أن الحياة ستعود إليهم فيأكلون ويشربون ويستمتعون فترى عينيك في قبورهم وبعد موتهم ما يتمنى بنو إسرائيل القليل القليل منه في حياتهم والطغيان جنون ، أليس فرعون من كان يقرر مصير شعبه منفردا دون الرجوع إليهم فرأيه صواب لاخطأ فيه وكلامه حق لاباطل فيه ومن كان كذلك فلا يناقش في أمره ولا يراجع في رأيه اسمع له قائلا في غرور { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }غافر29 ، أليس فرعون من كان يمنع الناس من الإيمان أو التعبير عن قناعتهم إلا بإذن مسبق منه ألم يقل للسحرة عندما أعلنوا إيمانهم (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ{123}) الأعراف ، وأخيرا بلغ به الغرور مداه فزعم أنه الإله فقد رأى نفسه متصرفا في الأرزاق يعطي هذا ويمنع ذاك ، ومتصرفا في الأرواح يقتل من يشاء ويعفو عمن يشاء ، ورأى ذكره يملاء القلوب فزعا وخوفا وكل الناس من شعبه  يتمنى رضاه ويتقرب إليه وكلها أوصاف لاتكون إلا للإله فتجرأ أن يقول {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى }النازعات24 ، ويقول { يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}القصص38 ، ولذلك فلا غرابة بعد كل ممارسات النظام الفرعوني أن يصدر الإعلان بل القرار الإلهي بزوال ملك فرعون وإعادة الأمر إلى نصابه بنصرة المستضعفين وجعلهم مصدر السلطة واستخلافهم في الأرض وجعلهم الوارثين لملك فرعون  قال تعالى {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } القصص5.

إلا أن فرعون لم يسلم لشعبه ولإرادة الله بل حاول بكل مالديه من قوة إجهاض الثورة  متحديا إرادة الله وإرادة الشعب ، وكانت محاولاته متعددة الأساليب تمثلت في استهداف رموز وقيادات الثورة ، وتضليل الرأي العام ، واستخدام المال العام والوظيفة العامة في شراء المؤيدين وكسب الأنصار ، واستهداف المنشقين عن النظام ، واتهام المعارضين له بتضليل الناس ونشر الفساد في البلاد ، وقمع الخارجين سلميا على النظام ، وممارسة العقاب الجماعي ، واللجوء إلى التهدئة عند الشعور بالضعف ثم نقضها ، والتهوين والتقليل من شأن المعارضين له والخارجين عليه ، واستخدام كل أنواع القوة والترهيب وعلى رأسها القوة العسكرية ، وسنستعرض هذه الوسائل من خلال قصة موسى في القرآن .

أولها: استهداف رموز وقيادات الثورة

من المعلوم أن الثورات تبدأ من النخبة ثم تنتقل إلى عامة الناس سواء أكانت هذه النخبة سياسية أو فكرية وعليه فإن هذه النخب غالبا ما تكون قيادات للثورة أو رموزا لها في أقل الأحوال وهو ما يجعلها في مقدمة أهداف النظام القمعي ، وفي النظام الفرعوني كان موسى عليه السلام رأس الثورة فمنه بدأت قبل أن تجد لها أنصارا من بني إسرائيل ، وخشية من انتقالها إلى قومه كان لا بد من القضاء على موسى عليه السلام تحت أي ذريعة ، حتى جاءت حادثة البلطجي المتنفذ من قوم فرعون حين اعتدى على أحد الضعفاء من بني إسرائيل فلم يجد الرجل أمامه إلا الاستغاثة بموسى عليه السلام قال تعالى ({وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ{15}) القصص ، إلا أن موسى أحس أنه استعجل التغيير باستخدام العنف وعلم أن هذا من عمل الشيطان فلام نفسه وتاب إلى الله ({قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{16}) القصص ، غير أن هذه التوبة لم تدم طويلا إذ سرعان ما تكرر المشهد باعتداء أخر من أحد البلاطجة المتنفذين على ذات الرجل من قوم موسى مما يدلك على أن حوادث الاعتداء على البسطاء والمستضعفين كانت من المشاهد المتكررة التي يراها الناس كل يوم ولم تكن حوادث فردية أوطارئة ، هذا الاعتداء المتكرر والسافر جعل موسى في حالة غضب من هؤلاء البلاطجة فبادر لنصرة الرجل وكان من أمرهم ماذكره المولى عزوجل ({فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ{18} فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ{19}) القصص، ومن البجاحة في دولة فرعون أن يصف المعتدي على حقوق الضعفاء موسى بالجبار لأنه أراد نصرة المظلوم من الظالم ، ولم يلبث الخبر أن وصل إلى فرعون فلم يعقد محاكمة عادلة لموسى خشية أن يفتح ملف الانتهاكات المتواصلة من أشياع فرعون على المواطنين البسطاء من قوم موسى ويبدأ السؤال من وراء هؤلاء البلاطجة؟ من يدفعهم ؟ ومن يحميهم؟ ومن المستفيد من وجودهم؟ وهل لهم صلة بالقصر الفرعوني؟ وووووو؟ كما أن  في هذه الواقعة الذريعة المناسبة للقضاء على موسى رأس الثورة ، وبدأ الملاء يخططون لقتل موسى وكاد يقع المحذور وتنتهي الثورة لولا رعاية الله والمخلصين من أنصار الثورة قال تعالى: {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }القصص20 ، ولم يكن من حل إلا أن يرحل موسى ناصر المظلومين ورجل العلم والحكمة وعدو الظلم والظالمين ويبقى فيها فرعون رجل الفساد وقاتل الأبرياء.

 رحل موسى بعد أن فقد الأمان وخرج يطلبه بعيدا عن أرضه وقومه ليجده في مدين التي استوطنها عشر سنين يسوق أغنام الناس ليطعمها وفرعون في بلده يسوق أمته وشعبه ألوان العذاب ولا نملك هنا إلا أن نقول (لك الله يا مصر .. لك الله يا مصر) ثم هل لنا أن نسأل من الأولى أن نقول له (إرحل – إرحل – إرحل) موسى أم فرعون ؟.

ثانيها: تضليل للرأي العام

وعاد موسى بعد غربة طويلة بعيدا عن بلده ليستأنف النضال لتحرير بني إسرائيل بأمر من الله ومعيته وبرفقة أخيه هارون الناطق باسم الثورة لفصاحته ({وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{10} قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ{11} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ{12} وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ{13} وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ{14} قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ{15} فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ{16} أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ{17}) الشعراء ، ورأى فرعون في عودة موسى وطلبه السماح لبني إسرائيل بالرحيل عن مصر إلى أرض أخرى يعيشون فيها بحرية وكرامة تحديا سافرا له ، وبدأ بتزييف الحقائق فادعى أن الآيات التي جاء بها موسى سحر وليست  حق والغاية منها إخراجه وأنصاره من مصر والرحيل عنها وليس الرحيل ببني إسرائيل، واستمر التضليل فأعلن أنه سيواجه التحدي بالتحدي والسحر بالسحر وطلب تحديد موعد للقاء فقال:({أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى{57} فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَاناً سُوًى{58}) طه ، وتم تحديد الموعد بيوم عيد يجتمع فيه الناس كما يجتمع الثوار في زماننا في أيام الجمع عيد رأس الأسبوع ليبينوا رفضهم للأنظمة الفاسدة ، وجمع فرعون السحرة ليقلب الحقائق ويضلل الناس {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ }الشعراء38 ، وجمع الزبانية الناس (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ{39} الشعراء) والمراد من اجتماع الناس إتباع السحرة ولو كان الحق مع موسى( لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ{40} الشعراء) ولعل هؤلاء الناس من أصحاب الدفع المسبق .

 

 

ثالثها: استخدام المال العام والوظيفة العامة في شراء المؤيدين وكسب الأنصار

وجاء أمهر السحرة من كل أنحاء مصر (قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ{36} يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ{37}الشعراء) وقبل أن يبدأ السحرة بتضليل الناس تأييدا لفرعون طلبوا منه ثمنا لعملهم فاجتماعهم من أنحاء البلاد وقطعهم للمسافات الطويلة ووقوفهم في ذلك الحشد العظيم  وقيامهم بتضليل الآلاف ليس إيمانا منهم بشرعية فرعون بل طمعا فيما يعطيهم من أجر وهذا ما كان يعلمه فرعون بيقين مهما راوغ  أو أنكر وهو ما جعله لا يوافق على طلبهم فحسب بل زادهم ما هو أعظم من المال وهو الوعد بجعلهم من المقربين ومن أنواع التقريب منح المناصب كل ذلك ليكسب ولاءهم قال تعالى:(فلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ{41} قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ{42}) الشعراء.

رابعها: استهداف المنشقين عن النظام

بعد الوعود والإغراءات التي قدمها لهم فرعون أخذ السحرة كالببغاوات يرددوا مقالة فرعون ({قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى{63} فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى{64}) طه ، وبدأ السحرة في حماس بممارسة عملية التضليل للناس وجاءوا بما يحير الألباب ويضلل العقول ويجعل الحق باطلا والباطل حقا قال تعالى {قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }الأعراف116، وبلغ تأثير سحرهم إلى موقد الثورة وصاحب العلم والحكمة  المؤيد بالآيات موسى عليه السلام لولا أن ثبته الله قال تعالى ({فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى{67} قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى{68} وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{69}) طه ، وواجه موسى تضليلهم بالحقائق ، وسحرهم بالآيات (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ{45}) الشعراء ، فكانت نتيجة التحدي {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأعراف118، ومع ظهور الحق وزوال الباطل أعلن السحرة انشقاقهم عن النظام الفرعوني وانضمامهم لموسى وهارون وصار خصوم الثورة بالأمس أنصارها اليوم قال تعالى: ({فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ{119} وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ{120} قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ{121} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ{122})الشعراء ، إلا أن رأس النظام فرعون أتهم المنشقين عليه بالتآمر مع الثوار وصار يتوعدهم بالصلب والقتل بعد أن كان يعدهم بالتقريب والأجر وصار أنصاره خصومه ، وأتباعه أعداءه لمجرد أن أعلنوا عن إيمانهم وقناعتهم بالحق الذي رأوه ({قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ{123} لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ{124} قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ{125}) الأعراف ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

خامسها: اتهام المعارضين له بتضليل الناس ونشر الفساد في البلاد

بلغت الوقاحة بفرعون أن يتهم قادة الثورة ورموزها بما يمارسه من تضليل وإفساد ويحرض الناس عليهم ويطلب منهم أن يؤيدوه في عزمه على تصفية هؤلاء القادة {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }غافر26 ، وصدق العرب حين قالوا (رمتني بدائها وانسلت) ولولا خشيته من تعاطف الناس مع الثورة وهي ما زالت في المهد ومن زيادة المؤيدين لها من بني إسرائيل لسارع إلى قتله.

سادسها: قمع الخارجين سلميا على النظام وممارسة العقاب الجماعي

بالرغم من أن التأييد لموسى عليه السلام في بداية الثورة لم يشمل جميع أبناء قومه من بني إسرائيل كما قال تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ }يونس83 ، إلا أن ذلك لم يمنع فرعون ونظامه من استهداف ومعاقبة بني إسرائيل جميعا دون تفريق بين المؤيدين والصامتين بل طال العقاب حتى الأطفال قال تعالى: (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ{127}) الأعراف ، كل ذلك من أجل أن تكثر الشكوى من الثورة ويرون فيه سبب شقاءهم وعنتهم وقد كان ذلك لولا الجهود التي بذلها موسى والمخلصون للثورة في الثبات على نضالهم ضد النظام الفرعوني قال تعالى: ({قالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ{129}) الأعراف ، وتستمر الثورة .

 

ثامنها: اللجوء إلى التهدئة وتقديم الوعود عند الشعور بالضعف ثم نقضها

لا تستغرب من النظام الذي يمارس كل ألوان الفساد والقتل أن يلجأ إلى المراوغة ونقض العهود في حال الشعور بالضعف والعجز أمام أنصار الثورة ، فكلما تنزلت الآيات الإلهية المؤيدة للثوار والمزلزلة لنظام فرعون طالب النظام بالتهدئة وأعلن أنه سيلبي مطالب الثوار من بني إسرائيل وما إن تذهب الغمة ويستعيد النظام قوته حتى يعود النظام إلى غروره ويخلف الوعود وينكث العهود قال تعالى:( {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ{133} وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ{134} فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ{135}) الأعراف.

تاسعها: التهوين والتقليل من شأن المعارضين له والخارجين عليه

ما أشد غرور الفراعنة الذين يحضون بالمديح الكاذب زمنا طويلا من قبل المنافقين المحيطين بهم حتى يصير أحدهم لا يرى في المخالفين له إلا مجموعة من الجرذان والتافهين والخونة والحقراء والعملاء الذين يستحقون السحق والدوس بالأقدام والضرب بالأحذية ، فهاهو فرعون يتهم الخارجين عليه من شعبه من الثوار وقادتهم بالجنون أحيانا وبالشرذمة أحيانا وبالحقارة  أحيانا وبالعي وعدم القدرة على الكلام أحيانا أخرى ، فموسى الذي آتاه الله العلم والحكمة وناصر المظلومين يوصف بأنه مجنون {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ }الشعراء27 ، كما يقول فرعون عن موسى بأنه حقير ولايحسن الكلام {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ }الزخرف52 ، ولا يرى فرعون في الآلاف الثائرين عليه إلا طائفة حقيرة لا وزن لها  َقال تعالى: ({فأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ{53} إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ{54} وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ{55} وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ{56}) الشعراء ، ونحن نسأل الفندم فرعون لو كان يحسن الإبانة إن كان الثائرين شرذمة فلماذا يرسل إلى كل الأقاليم لحشد الألوية والمعسكرات؟! ولماذا كل هذا الغيظ الذي يملاء قلبه كما يصف؟ ! ولماذا يدعو الجميع للحذر منهم؟! ..هل يستطيع الشريف العاقل الفصيح فرعون أن يجيب ؟! ألا لعنة الله على الظالمين.

عاشرها: استخدام كل أنواع القوة والترهيب وعلى رأسها القوة العسكرية

لم يتوانى النظام الفرعوني عن استخدام كل ألوان القوة في قمع الثوار ابتدأ بالتهديد بالسجن وانتهاء بحشد القوة العسكرية رغبة في الحسم وإنهاء الثورة ، فهاهو فرعون يتهدد موسى بالسجن {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ }الشعراء29، ثم يتطور الأمر إلى التهديد بالقتل {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }غافر26 ، ثم ينتقل الأمر من استهداف الثوار إلى العقاب الجماعي لقوم موسى {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }الأعراف127 ، وأخيرا حشد فرعون كل قواه العسكرية للحسم بالإبادة الجماعية (فأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ{53} إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ{54} وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ{55} وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ{56}) الشعراء ، فإما أن يحكمهم أو يقتلهم والله المستعان.

تباين موقف الناس من هذه الوسائل الفرعونية

لا يمكن لأي ثورة مهما كانت شرعية مطالبها أن تحظى بالإجماع مادام أن هناك من تربطه مصالح غير مشروعة بالنظام القائم ومادام أن هناك فئة من الناس تعيش ضحية للخوف والجهل ، ففي ثورة بني إسرائيل انقسم الناس إلى فئات متعددة ، أما الفئة الأولى فهم المؤيد للنظام وهم قسمان القسم الأول المحرض له على بني إسرائيل خشية من ذهاب مصالحهم بذهاب الطاغية وزوال نفوذهم بزوال ملكه وهؤلاء هم الملأ من قومه قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }الأعراف127، وعلى رأس هؤلاء المحرضين هامان الذي كان كثيرا ما يستعين به فرعون في تنفيذ المهام الصعبة والأكثر إيلاما للثورة قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ }القصص38 ، والقسم الثاني من المؤيدين للنظام بل أشدهم على الثورة جنود فرعون فهم يده التي يبطش بها ورجله التي يدوس بها بني إسرائيل ويسفك بهم دماء الأطفال الأبرياء دون رحمة تنفيذا لأمر فرعون وإن كان بعض هؤلاء الجنود مهتد فكثير منهم فاسقون قال تعالى: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ }القصص39 ، وأما الفئة الثانية فهم المؤيدين للثورة والثوار وكانوا قسمين أيضا القسم الأول الصامدون من بني إسرائيل ومن المنشقين عن النظام وكان منهم السحرة الذين ثبتوا رغم التهديد بالتصفية من قبل فرعون وكان جوابهم (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{72} إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{73} إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى{74} وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى{75}) طه ، وكان منهم زوجة فرعون التي نالت ألوان من العذاب فكان ردها {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }التحريم11، ومنهم مؤمن آل فرعون الذي خرج عن صمته ووقف مدافعا عن ثورة موسى بالرغم من المخاطر التي يمكن أن تصيبه قال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }غافر28، وبهؤلاء الصامدون طال عمر الثورة وحققت أهدافها، وأما القسم الآخر من هذه الفئة فهم كثير من بني إسرائيل الذين طال بهم أمد الثورة ولم ينالهم منها إلا مزيدا من الأذى الذي كان ينالهم قبل الثورة والذي توعدهم به فرعون فكثرت شكواهم واستبطئوا النصر ويئسوا من نجاح ثورتهم وعجزوا أن يصبروا على أذى ذاقوا أضعافه في ظل حكم فرعون عقودا طويلة قال تعالى:{قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }الأعراف129، وهؤلاء الذين كان لايفتأ موسى يأمرهم بالصبر والاستعانة بالله ويذكرهم بجميل عاقبة التقوى {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }الأعراف128.

انتصار الثورة وسقوط النظام الفرعوني

بقدر ماكان خيار الثورة مصدر معاناة لبني إسرائيل كان مصدر معاناة للنظام فقد بدأ يتهاوى ويفقد الكثير من قوته قال تعالى{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }الأعراف130 ، كما فقد الكثير من أنصاره من خارج  ومن داخل القصر وعلى رأسهم السحرة  بل ومن داخل الأسرة الحاكمة قال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }غافر28، بل وصل الأمر إلى داخل غرفة فرعون وإلى اقرب الناس إليه قال تعالى : {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }التحريم11، وجاءت لحظة النهاية أو الحسم التي كان الطرفان يبحث عنها لإنهاء المعاناة التي لحقتهم والتي جعلت موسى يدعو فيقول (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ{88}) يونس ، وجاءت الإجابة من الله َ(قالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ{89}) يونس ، وتسارعت الأحداث وجاءت  لحظة الحسم  بأمر من الله  حيث أمر موسى أن يحشد قومه للخروج بهم من مصر قال تعالى:{فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ }الدخان23، وفي مقابل هذا الحشد السلمي حشد فرعون كل قواه العسكرية للمواجهة وكادت تقع مجزرة لولا أن تدخلت قوة الله وكانت نهاية فرعون ونظامه وجنوده (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ{61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ{62} فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ{63} وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ{64} وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ{65} ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ{66} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ{67} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{68}) الشعراء ، وفي لحظة الهلاك أعلن فرعون أنه على نهج من أراد قتلهم من الثوار من بني إسرائيل قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }يونس90 ، إلا أن فرعون لم يحض بأي تعاطف قال تعالى: (فمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ{29}) الدخان ، فوقت الاستجابة قد فات أوانه بعد أن راوغ الطاغية طويلا ونكث عهوده لمرات عديدة وجاءه الرد على طلبه حاسما {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }يونس91 ، وبهذه النهاية فشلت كل وسائل الطاغية في إجهاض الثورة وكانت النهاية أن انتقم الله للمكلومين ودمر الطغاة وأشياعهم وبنيانهم وانتصرت الثورة ونال الثوار مطالبهم وتحقق وعد الله لهم جزاء صبرهم وثمرة نضالهم قال تعالى:(فانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ{136} وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ{137}) الأعراف ، وتحقق وعد موسى لقومه: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }الأعراف128 ، وصدقت نبوءة الشابي حين قال للطغاة يحذرهم وينذرهم :

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ

حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياة

سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ

وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ

وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ

وتبذرُ شوكَ الأسى في رُباهُ

رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ

وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ

ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام

وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ

حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ

ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ

تأملْ! هنالِكَ.. أنّى حَصَدْتَ

رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ

ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ

وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ

سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء

ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ

 

وفي لحظة النهاية ونحن نقف أمام مشهد الغرق غرق النظام في سوء أعماله  وقد ذهبت قوته وترك الدنيا وراء ظهره ينعم بها المستضعفين الذين حرموا منها زمنا طويلا وهي أمام أعينهم لا ننس في هذه اللحظة أن نقرأ  قوله تعالى: (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{25} وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ{26} وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ{27} كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ{28}) الدخان. فهل يعتبر الطغاة ؟ بل هم غافلون قال تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }يونس92.

 

 

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 459 مشاهدة
نشرت فى 21 نوفمبر 2012 بواسطة nadder

ساحة النقاش

نادرمحمدالعريقي

nadder
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,141