إن الطفلَ يمتلكُ قدرةً كبيرة على اكتساب المهارات والعادات واللغة كذلك، وتقوى هذه القدرة الاكتسابية يومًا بعد يومٍ في سن الصِّغر، ومعرفة خصائص كل مرحلة من مراحل النمو التي يمر بها الطفل لها أثر كبير في إدراكنا لكيفية التعامل معه، من خلال اختيار المنطلقات اللغوية لتعليمهم الفصحى - وهي المقصد من حديثنا هذا -، والتعامل بحكمة من خلال مستويات تعليمية تربوية.
فالطفل يبدأ بالمحاكاة ثم بالتكلم، ثم بعد ذلك يستطيع فهم معنى بعض تلك الكلمات، وهذا في سنِّ الثالثة، وبعد ذلك يستطيع وصفَ الأشياء، وتصنيفَها بحسب اللون، واستعمالَ بعضِ الكلمات مثل : ناعم، خشن.
وينطق نسبةً كبيرةً من كلماته نطقًا صحيحًا.
ويدركُ مفهوم المكان بدقة، فيعرف القريب والبعيد، فيقول : هنا، هناك، هذه، قريب، بعيد .
ويدركُ مفهوم الزمن، وقد تقترن معرفةُ وقت النهار لديه بطعام الفَطور، ومعرفةُ وقت الليل بالنوم.
أمَّا خيالُهُ فيتصفُ بالمبالغةِ والغزارة والابتكار وعدم التقيّد بالواقع المحسوس.
المداخل المناسبة لتعليم الطفل :
ولذلك فإن حُسْنَ اختيارِ المداخلِ التعليميةِ للطفلِ، مثلُ استعمالِ المحادثة في الحياة العامة، أو حكايةِ القصصِ مختلفةِ الأشكالِ له، أو استعمالِ الصورِ والبطاقاتِ، والتسجيلاتِ المرئيةِ والمسموعةِ، والإكثارِ من تلاوةِ القرآنِ الكريمِ، وسَماعِ الأناشيدِ وتكرارِها … إلخ ، كل ذلك له دور فعَّالٌ في اكتسابِهِ اللغةِ في المواقفِ الحياتيةِ المختلفةِ.
وهذا يكون من خلال الحكمة في التدرج بالمستويات التعليمية للغة الفصحى، فيستخدم المعلمون - مثلاً - في تعليمهم اللغةَ الفصيحة التي تستمدُّ أساليبها وبناها ومفرداتها من واقع الأطفال، وتكونُ قريبةً من اللغة المحكية، ويراعون في تراكيبها القصر، ولا سيما في مواقف السرد والحوار.
وعندئذ يحاكي الأطفالُ المعلمون، فيكتسبون من أدائهم بعضَ الأنماطِ الفصيحةِ من خلالِ المحادثةِ المُوَجَّهَةِ.
ولا أعني أن يتحدث المعلمون بالعامية، بل يتحدثون بالفصحى البسيطة، فبدل أن يقول المعلم في حكايةِ قصةٍ ما : « امتطى خالدٌ صهوةَ جواده » تقول : ركبَ خالدٌ على الحصانِ.
وفي مستوى ثانٍ يتابع المعلمون هدفهم في نقل الأطفال من التعبير باللغة الفصحى القريبة من المحكية إلى لغةٍ أبلغَ بقليل، ويكون ذلك بالارتقاء بمستوى المداخل والوسائط اللغوية، والمفردات الجديدة في كل درس.
وفي مستوى ثالثٍ ترقى لغة الطفل الفصحى، ويتعمق المعلمون قليلاً في الخبرات اللغوية التي يقدمونها للطلاب بحكم ارتقاءِ محتوى التعليمِ، واتِّساعِ أغراضِهِ.
والتعليم بطريقة التلقين هو خيرُ سبيلٍ، فالطفلُ لا يدرك وصفَ اللغة ، ولا يَعْرِفُ إِعْرابَ الكلماتِ ، ولذلك فإذا نطق عبارةً ما نطقًا خاطئًا فعلى المعلم أن يعيد العبارةَ بنطقٍ سليمٍ، وعندها يُرَدِّدُ الطفل هذه العبارةَ، وسيقلدُه الأطفالُ بها، ويقيسون عليها. وهذا القياس هو ( الإبداع ) الذي يتميَّز الطفل الذي يتلقى اللغة تلقيًا صحيحًا منذ نعومة الأظفار.
وفي مرحلةٍ أخرى يمكن للمعلم التصحيحُ للطفل، فيقول له : قل كذا..، ولا تقل كذا.. وفي مرحلةٍ ثالثة، إذا نطق الطفل العبارة بالعامية فعلى المعلم أن يقول له : لا أفهم ما تقول. عند ذلك سوف ينطق الطفل الكلمةَ بالفصحى الصحيحةِ.
وتسمى هذه المرحلةُ مرحلةَ الاختبارِ.
وهذا فيه دلالة على أنَّ المعلمَ يجب عليه أن يُقْنِعَ الأطفالَ إقناعًا تامًّا أنه لا يفهم إلا الفصحى، وبذلك يبذلون كلَّ طاقاتهم للتحدث بهذه اللغة الجميلة.
وقياسُ نجاح المعلم في تعليم اللغة يكون بارتفاع نسبة الفصيح في لغة الطفل، وطغيانه على المحكيّ، وانطلاقه في التعبير السليم بثقة، ويدخل في السلامة اللغوية سلامةُ لفظِهِ للكلماتِ،
وحسنُ تركيبِهِ للجُمَلِ بحدود إمكاناته
منقول
ساحة النقاش