إن موضوع الاكتساب اللغوي عند الطفل الذي يدرسه هذا المقال موضوع قديم جدًّا , اهتم به العلماء العرب والغربيون وله من الأهمية ما يجعلنا نختاره موضوعاً في مؤتمركم هذا , ومن وجوه هذه الأهمية أنه يساعدنا على تلافي ومعالجة ما قد يحدث من خلل في هذه العملية الدقيقة , وهي الاكتساب اللغوي عند الأطفال بوجه عام , وعند متعلمي لغة من اللغات لغير أبنائها .
معنى الفطرة اللغوية :
يقصد بالفطرة اللغوية تلك الملكة التي منحها الله للإنسان فاستطاع عن طريقها انتاج وتوليد اللغة ،حيث حاول تشومسكي أن يفسر عملية اكتساب اللغة عند الطفل من خلال ما أسماه (( تحليل المعلومات )) , ويقصد بذلك أن ذهن الطفل يقوم باختزال المعلومات وتحليلها والقياس عليها , ومن ثم يستطيع من خلال سماعه لعدد محدود من الجمل توليد ما لا يحصى منها , وهذه المقدرة التي حباها الله للإنسان دون سائر الحيوان لا يختص بها جنس دون جنس, ولا أقوام دون آخرين, ومن ثم فإنها تأخذ طابع العالمية.
ويمكن تلخيص عملية اكتساب وتوليد الطفل للغة من خلال ما أورده ابن خلدون وذلك على النحو التالي :
أولاً : يسمع الطفل مجموعة متجددة من تراكيب اللغة .
ثانياً : يحاول أن يتكلم على نحو إبداعي .
ثالثاً : يمارس هذا التكلم .
رابعاً : تتكرر عملية الممارسة والتكرار , فيؤدي ذلك بالتالي إلى ملكة اكتساب اللغة وتوليد أنماطها المختلفة .
وهكذا يتضح لنا كيفية مقدرة الطفل على توليد لغة بيئته التي يترعرع فيها بالاسـتناد إلى مقدراته الفطريـة , وأن ابن خلدون قد مهد الطريق أمام المفاهـيم اللغوية التي أكدتها الدراسات اللغويـة النفسية الحديثة من خلال آراء تشومسكي.
والحقيقة التي لا مراء فيها أن للأسرة في المدينة والقرية والحاضرة والبادية دوراً كبيراً في عملية إسماع الطفل بصفة متكررة لألفاظ وعبارات اللغة , بيد أن هذا لم يكن ليعطي أثره الفعال دون أن يكون لدى الطفل الملكة اللسانية أو الكفاية اللغوية , التي تساعده على فهم وتوليد جمل شبيهة أولاً , ثم متجددة ثانياً .
ساحة النقاش