ثانياً - دستور 1923:
منح تصريح 28 فبراير عام 1922 مصر استقلالها فاعترف بأنها دولة مستقلة ذات سيادة، وإن كان ذلك من ناحية الشكل،وفى نفس الوقت منحت البلاد حق إنشاء البرلمان فجاء فى خطاب اللنبى إلى السلطان فؤاد الملحق بالتصريح أما إنشاء برلمان يتمتع بحق الإشراف والرقابة على السياسة والإدارة فى حكومة مسئولة على الطريقة الدستورية فالأمر فيه يرجع إلى عظمتكم وإلى الشعب المصرى.

1 -
نشأة دستور 1923:
فى أول مارس 1922 عهد السلطان فؤاد إلى عبد الخالق ثروت باشا تأليف الوزارة واتخاذ الترتيبات اللازمة لوضع دستور البلاد، فجاء فى خطابه إليه ولما كان من أجل رغباتنا أن يكون للبلاد نظام دستورى يحقق التعاون بين الأمة والحكومة لذلك يكون أول ما تعنى به الوزارة إعداد مشروع ذلك النظام وبناء على هذا التكليف ألفت الوزارة لجنة للقيام بهذا العمل فى 3 أبريل عام 1922 عرفت بلجنة الثلاثين نسبة إلى عدد أعضائها وقد تم تشكيلها عن طريق التعيين ولم تكن لجنة منتخبة من الشعب، وضمت هذه اللجنة التى رأسها حسين رشدى باشا عددا من المفكرين وذوى الرأى ورجال القانون والعلماء ورجال الدين والسياسيين المعتدلين والأعيان والتجار والماليين، ولما كانت لجنة الدستور لجنة حكومية فقد رفض الوفد وعلى رأسه سعد باشا زغلول الاشتراك فيها وحجته فى ذلك أن وضع دستور للبلاد لابد وأن يجيئ على يد جمعية منتخبة حتى لا يكون منحة يسهل التلاعب بها وأطلق سعد زغلول على تلك اللجنة لجنة الأشقياء كما رفض الحزب الوطنى الاشتراك فيها، وعقدت اللجنة جلساتها فيها بين أبريل وأكتوبر عام 1922 وحفلت الجلسات بالمناقشات القانونية المستفيضة.ويذكر د.أحمد عبد الرحيم مصطفى فى كتابه تاريخ مصر السياسى من الاحتلال إلى المعاهدة، إن هذه المناقشات كانت تخفى وراءها صراعاً بين تيارين الأول ديموقراطى يضم تحت لوائه أنصار حكومة ثروت باشا، والثانى أوتوقراطى يضم تحت لوائه أنصار الملك فؤاد.
وبالرغم مما ثار من خلافات وما ظهر من انقسامات فقد استطاع حسين باشا رشدى رئيس اللجنة الذى كان على اتصال وثيق بثروت باشا رئيس الوزراء التوفيق بين هذين التيارين، فقد أبقى على سلطة الملك وفى نفس الوقت حافظ على مبدأ أن الأمة مصدر السلطات، وأتمت اللجنة عملها ورفعت مشروع الدستور وقانون الانتخاب إلى ثروت باشا فى 21 أكتوبر 1922، ولكن الملك كان لا يميل إلى إصدار الدستور لأنه رآه يحد من سلطته ويجعل مرجع الحكم إلى الشعب فاستقال ثروت باشا فى 29 نوفمبر 1922 وقبل الملك الاستقالة وعهد بتأليف الوزارة إلى محمد توفيق نسيم باشا الذى ادخل على الدستور تعديلات أخرى استهدفت زيادة سلطات الملك على حساب حقوق ممثلى الشعب، وقد استقالت وزارة نسيم باشا فى 5 يناير 1923 وكلف الملك عدلى باشا يكن بتشكيل الوزارة ولكن الوفد اعترض على هذا، وشهدت البلاد العديد من الإضرابات الأمر الذى دفع الملك إلى تكليف يحيى باشا إبراهيم بتشكيل الوزارة، وقد تعرض الدستور فى عهد هذه الوزارة إلى المزيد من المسخ والتشويه والتعديل ووقع عبء النضال فى هذه المرحلة على حزب الأحرار الدستوريين الذين احتجوا على هذه التعديلات وناشدوا يحيى باشا إبراهيم أن يصدر الدستور كما وضعته اللجنة إلا أن الملك اصدر الدستور بعد أن ادخل عليه التعديلات التى تحقق له غايته فى المزيد من السلطات، ويرى كل من د. على شلبى ومصطفى النحاس جبر فى كتابهما الانقلابات الدستورية فى مصر أن دستور 1923 صدر كمنحة من الملك، فقد صدر بمرسوم منه وضم مواد ومبادئ عامة جعلت مرد السلطة فى البلاد إلى الملك. وإن كان الدستور قد نص على أن الأمة مصدر السلطات فقد نص على أن السلطة التشريعية يتولاها الملك بالاشتراك مع مجلس الشيوخ والنواب، والسلطة التنفيذية يتولاها الملك فى حدود الدستور، وعلى كل حال فقد استطاع القصر من خلال التعديل الذى ادخله على مشروع الدستور أن ينقل السلطة الحقيقية من يد الأمة إلى يد القصر فاحتفظ الملك بكثير من الصلاحيات.، وعلى أية حال فقد اقتضى إصدار الدستور العمل على تطبيق مواده. أما قانون الانتخاب الذى صدر مع الدستور فقد جعل الانتخاب لأعضاء مجلس النواب على درجتين، بمعنى أن ينتخب الناخبون أى المواطنون الذين لهم حق التصويت لجنة من ثلاثين عضوا على مستوى كل دائرة، ثم تقوم هذه اللجنة بانتخاب من تراه من المرشحين على مستوى كل دائرة انتخابية، وقد اقتضى تنفيذ هذا القانون وقتاً طويلاً لإعداد كشوف الناخبين فى أرجاء البلاد، فحدد يوم 27 سبتمبر 1923 موعدا لإجراء انتخاب المندوبين الثلاثين وحدد لانتخاب النواب يوم 12 يناير 1924، وقد اهتمت الأمة بالانتخابات بدرجتيها اهتماماً عظيماً، وقد ظهر فوز الوفد أول ما ظهر فى انتخابات المندوبين الثلاثين فقد كان معظمهم من أنصاره وكان ذلك إيذانا بفوز الوفد فى انتخابات النواب والشيوخ وهو ما حدث بالفعل عند إجراء الانتخابات، وقدم على باشا يحيى استقالة وزارته وكلف الملك سعد زغلول بتشكيل الوزارة لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل العمل السياسى فى مصر. ويشير د. على الدين هلال فى كتابه تطور النظام السياسى فى مصر 1803 - 1997 إلى أن أغلب الفقهاء يعتبرون دستور 1923 خطوة هامة فى التطور الدستورى والسياسى لمصر فقد نقل نظام الحكم فيها من مرحلة الحكم المطلق إلى مرحلة الحكومة الدستورية والحكم الملكى المقيد، وأكد مفهوم الدولة القانونية التى تقوم على توزيع السلطات العامة بين الملك والوزارة والبرلمان، فباستثناء دستور 1882 الذى كان اقصر الدساتير المصرية عمرا كان الحكم المطلق هو القاعدة التى أخذت بها الدساتير المختلفة، وأخيراً فقد عبر دستور 1923 عن انتقال مصر من وضع الدولة التابعة إلى وضع الدولة المستقلة قانونياً ومن ثم نصت المادة الأولى على أن مصر دولة ذات سيادة وهى حرة مستقلة.

2-
الأسس الفكرية لدستور 1923:
قام دستور 1923 على عدد من الأسس الفكرية أهمها ما يلى:-
أ - مبدأ سيادة الأمة:
لقد جاء دستور 1923 خلاصة وتتويجاً لحركة دستورية تعود إلى ستينات القرن التاسع عشر، ولكفاح وطنى ضد سلطة الاحتلال بلغ ذروته بثورة 1919. وأكد الدستور أن جميع السلطات مصدرها الأمة وأن استعمالها يكون على الوجه المبين بهذا الدستور، وبالرغم من أن الملك كان يشترك مع البرلمان فى العملية التشريعية من خلال حق التصديق على القوانين إلا أن سلطة الملك كانت تتوقف عند حد الاعتراض الذى يوقف إصدار قانون ما وليس حق الاعتراض النهائى، وبالتالى فإن السلطة التشريعية كانت من حق البرلمان دون الملك. كما تبدو سيادة الأمة فى الصفة البرلمانية لنظام الحكم، فقد أقام الدستور العلاقة بين البرلمان والوزارة على أساس برلمانى فالوزراء مسئولون جماعياً أمام مجلس النواب، كما أن كلا منهم مسئول فردياً عن أعمال وزارته وللبرلمان حق سحب الثقة من الوزارة ككل أو من أحد الوزراء وفى هذه الحالة يكون على الوزارة أو الوزير الاستقالة..
إلا أن الدستور على الجانب الآخر قد أعطى الملك سلطات واختصاصات واسعة، من هذه السلطات حقه المطلق فى حل مجلس النواب وفى تأجيل انعقاد المجلس، وحق العفو وتخفيض العقوبة وهو الذى يولى ويعزل الضباط ويعين كبار رجال الدين ورجال السلك الدبلوماسى وله حق تعيين خمسى أعضاء مجلس الشيوخ، ولضمان حماية حقوق الملك نصت المادة 158 من الدستور أنه لا يجوز إحداث أى تنقيح فى الدستوريتعلق بحقوق مسند الملكية مدة قيام وحماية العرش وعلى عدم إمكانية تنقيح الدستور فيما يتعلق بنظام وصاية العرش. ويرى د.على الدين هلال فى كتابه السابق الإشارة إليه أن دستور 1923 جاء تعبيراً عن تيارين متناقضين فى أهدافهما أولهما الإنجاز الشعبى لثورة 1919 والحركة الوطنية التى هدفت إلى تأكيد سلطات الأمة وحماية حقوقها، وثانيهما محاولة القصر الاحتفاظ بأكبر قدر من السلطة والمشاركة الفعلية فى صناعة القرار السياسى.
ب- مبادئ الحرية الفردية:
انطلق الدستور من مبادئ الحريات الفردية التى تقوم على أساس أن النظام السياسى لا يجب أن يتدخل للحد من هذه الحريات التى تكفل تفجير قوى الإبداع والخلق والابتكار لدى المواطنين، وأن يقتصر دور الدولة على وظائف الدفاع والبوليس والقضاء وأن تترك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية للنشاط الفردى.
ولقد تضمن دستور 1923 باباً عن الحقوق والحريات العامة وهو الباب الثانى ويدور حول مقومين أساسيين هما المساواة والحرية فنص الدستور على المساواة بين المصريين جميعاً أمام القانون وفى التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفى تولى الوظائف العامة، وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لأنه لا تمييز بين المواطنين بسبب الأصل أو اللغة أو الدين. أما عن الحريات العامة فقد قرر الدستور للمواطنين الحرية الشخصية وحرمة المنازل وحرمة الملكية وحرية الاعتقاد وحرية الرأى، وحرية الصحافة والتعليم والاجتماع، وحق تكوين الجمعيات، وحق مخاطبة السلطات العامة.

3-
نظام الحكم فى ظل دستور 1923:
نص الدستور على النظام الملكى الوراثى وتكون وراثة العرش فى أسرة محمد على وللملك أن يعين خلفاً له إذا لم يكن هناك وارث للعرش، وذلك بشرط موافقة البرلمان مجتمعاً فى هيئة مؤتمر بحضور ثلاثة أرباع الأعضاء وموافقة أغلبية الثلثين، وفى حالة خلو العرش يختار البرلمان الملك وفقاً لإجراءات خاصة.
وأقام الدستور نظام الحكم على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بحيث يمكن لكل منهما أن تحد الأخرى وتراقبها. ويقوم هذا النظام على عدة أسس منها عدم مسئولية الملك سياسياً وجنائياً، ووجود مجلس للوزراء، ومسئولية الوزارة سياسياً أمام البرلمان، وإمكانية حل البرلمان بواسطة الملك بقرار منفرد أو بناء على مشورة رئيس الوزراء. وحسب الدستور فالملك هو رئيس السلطة التنفيذية وذاته مصونة لا تمس، وهو يتولى سلطاته من خلال وزرائه وتوقيعاته فى شئون الدولة يجب لنفاذها أن يوقع عليها رئيس الوزراء والوزراء المختصون وأوامره الشفهية لا تخليهم من المسئولية، والوزراء مسئولون جماعياً وفردياً أمام البرلمان، وللبرلمان حق سحب الثقة بالوزارة ككل أو بأحد الوزراء، وأدخل الدستور نوعاً من الجمود فحرم إمكانية تعديل نظام الحكم ونظام وراثة العرش والحقوق والحريات التى كفلها، ومن ثم أعطى لهذه المقومات صفة الاستمرار.
أما الاختصاص التشريعى فقد كان فى يد البرلمان أى مجلس النواب والشيوخ والملك بحيث لا يصدر قانون إلا إذا قرره البرلمان وصدق عليه الملك.

4-
الصراع السياسى فى ظل دستور 1923:
وفى ظل دستور 1923 شهدت الحياة السياسية المصرية صراعاً عنيفاً بين أنصار الديموقراطية المتمسكين بالحقوق التى كفلها الدستور وبين أنصار الحكم المطلق الذين حاولوا تفريغ الدستور من محتواه من أجل ترسيخ سلطة الملك، وتعددت المواجهات بين الجانبين لتشهد الحياة السياسية العديد من الأزمات الدستورية ولعل اخطر هذه الأزمات ما حدث فى عام 1930 من مواجهات حادة بين نواب الأمة والحكومة والقصر وهى الأزمة التى كان من نتيجتها صدور الأمر الملكى بحل البرلمان ووضع دستور جديد وهو ما أطلق عليه المؤرخون الانقلاب الدستورى. ولقد لقى هذا الموقف معارضة شديدة من الجماهير بقيادة حزب الوفد التى أعلنت تمسكها بدستور 1923،خاصة بعد أن عدل قانون الانتخاب فى عهد وزارة سعد زغلول فجعله انتخاباً مباشراً مما جعل الجماهير أكثر قدرة على التمثيل الديموقراطى ، ولقد كان دستور 1930 فى جوهره بمثابة إلغاء لكافة الحقوق الديموقراطية الأساسية التى تضمنها دستور 1923 إذ كان يعلى من سلطة الملك وجعله مركز السلطة.
ويشير د. على شلبى ومصطفى النحاس جبر فى كتابهما الانقلابات الدستورية فى مصر إلى أن دستور 1930 قد جاء فى شكل إنقلابى، فقد نص دستور 1923 على عدم جواز تعديله إلا بقرار من مجلسى البرلمان، على أن خرق هذا النص كان يمكن أن يكون شكلياً، أما أن ينص الدستور الجديد على نصوص كثيرة تعلى من كفة السلطة التنفيذية على حساب البرلمان فمعنى ذلك أن الانقلاب كان كاملاً شكلاً وموضوعاً.
ويشير عبد الرحمن الرافعى فى كتابه فى أعقاب الثورة المصرية (الجزء الثانى) إلى أن دستور 1930 الجديد قد جاء منحة من الملك إذ انه هو الذى ألغى دستوراً وأصدر دستوراً جديداً مع أن دستور 1923 هو تعاقد بين الملك والأمة لا يملك فسخه، وهذا التعاقد قد سجل فى وثيقة رسمية وهى اليمين التى اقسمها الملك علناً أمام البرلمان باحترام الدستور.
ولقد تم إلغاء دستور 1930 عام 1935 ليعود للعمل مرة أخرى بدستور 1923 نتيجة للضغوط الشعبية الواسعة وبعد نضال سياسى كبير من جانب القوى المؤيدة للديموقراطية خاصة حزب الوفد. ولقد تكررت المواجهات بين القوى الديموقراطية والقوى المضادة للديموقراطية والدستور على مدى السنوات التالية، الأمر الذى كانت له آثاره السلبية على التطور الديموقراطى فى مصر، حيث لم تتح الفرصة لحزب الأغلبية أن يحكم إلا لبضع سنوات فى الفترة الممتدة من 1923 وحتى عام 1952، حيث قامت ثورة 23 يوليو والتى ألغت دستور 1923 ولتبدأ مرحلة جديدة فى التاريخ السياسى والدستور المصرى.

 

 

المصدر: د. محمد سعد ابو عامود - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN44.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 433 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

267,333