اتجاهات تربوية حديثة  

في مجال التربية الفنية

 

إعداد

دكتور/ مراد حكيم بباوي

أستاذ الثقافة الفنية والمناهج وطرائق التدريس

رئيس قسم تكنولوجيا التعليم

 

يقوم التعليم ـ بحسب لجنة التربية للقرن الحادي والعشرين ـ على أربع ركائز :

·        أن يتعلم المرء.. كيف يتعلم ؟

·        وكيف يعمل ؟

·        وكيف يكون ؟

·        وكيف يعيش مع الآخرين ؟.

والقدرة على التعلم هي لب النمو الإنساني، وهى أساس الوجود المستنير ومدعم للحياة الكريمة.

إن العلم يبحث دائما عن المعرفة، وتسعى التكنولوجيا إلى التطبيق للحقائق العلمية من خلال التقنيات والطرق الأدائية والمهارات الفنية العملية، وتحويل المصادر والمواد الخام إلى منتجات.

وقد تطورت التربية الفنية ـ كإحدى المواد الدراسية المقررة بالتعليم وأنشطة المراكز الشبابية والثقافية والاجتماعية ـ في فكر المدرسة الحديثة، لتطبيق العديد من المفاهيم الحياتية التي تساهم في تنمية الحراك الاجتماعي، وتوفي سوق العمل حقه.. لتصبح المفاهيم الأكاديمية والنظرية موضع تطبيق بشكل عملي، ومن خلالها – التربية الفنية – تنمى قدرات الطلاب على كيفية استخدام المعلومات والخبرات في المجالات التطبيقية وذلك من خلال العمليات التي يكتسب منها المهارات اليدوية والعقلية التي يحتاجها فيحل المشكلات التي تواجهه في مواقف الحياة اليومية .. كما يكتسب منها مهارات استخدام الموارد وترشيدها، والتعامل مع الأدوات والأجهزة التكنولوجية بدقة وسرعة وأمان.

وقد اجتمع علماء التربية، والتربية الفنية على اعتبار أن التربية تعمل على (تغيير وتعديل سلوك المتعلم في مواجهة التسطيح الفكري ) وتعمل من أجل:

1- تنمية قيم الخير والحق والجمال والعدالة والسلام والحقوق الإنسانية، وهذه  بعض ملامح العصر الجديد (التربية من أجل السلام والأمان والتميز) المتمثلة في:

·        مفهوم العالمية والشراكة واستخدام التكنولوجيا، ومستحدثاتها.

·        ظهرت الحاجة لاستخدام الرموز مع الزيادة الهائلة للمعلومات..

·        أصبحت المعلومات ملكاً للجميع وليست حكراً على أحد.

2- التربية الفنية تعمل على إعطاء الفرص للطلاب لاكتشاف البيئة من حولهم والتفاعل معها ومع الأقران، وهذا يعمل على تنمية الإلهام والابتكار والعمليات العقلية عندهم  ، وتتميز هذه الطرق بالتعلم عن طريق (العمل / واكتشاف ألذات /والتعلم بالاكتشاف /والتعلم الذاتى)

3- التمتع بالقيم الجمالية الموجودة بالثقافة الفنية، والنمو الثقافي، مع المحافظة على هذا التراث الإنساني، وهذا يساعد على تشكيل شخصيه الطلاب للحكم على الأشياء من خلال أعمالهم الإبداعية.

4- التربية المستدامة والتنمية من أجل التنوير المعلوماتي وبناء العقل المبتكر.

5- التربية مدى الحياة من أجل التكيف مع المجتمع، واكتساب معرفة وظيفية عن العالم الحديث تمشياً مع ما يمتاز به هذا العصر من قصر وقت العمل، وكثرة المعلومات والتطور التكنولوجي وذلك لثلاث نقاط هامة :

·        الابتعاد عن الإهدار.

·        الابتعاد عن العمل بدون فائدة.

·        الاقتصاد في(الوقت/الجهد/المال).

وتسير العملية التربوية وفق منظومة تكاملية مدعمة للمنهج المدرسي، ولا تنفصل عنه. وتشير الاتجاهات التربوية الحديثة، إلى التوجه نحو تنمية قدرات كل متعلم ( وتعليمه كيف يتعلم ) تبعاً لحاجاته التربوية، وقد تتشابه في بعض الجوانب وقد تختلف في جوانب أخرى عن حاجات أقرانه، وهو ما يستلزم تفريد عملية التدريس بما يناسب احتياجات الفرد من المادة الدراسية، والمهام التعليمية، وطرق التدريس المناسبة، وتنويع المواقف التعليمية والأنشطة وأساليب الشرح والتوجيه... كما تشير إلى أهمية تمركز التعليم حول القدرات الخاصة، وبالتالي تتاح فرص أكبر لكل طالب لكي يتقدم في العملية التعليمية تبعاً لقدراته ولمستواه العلمي والفني.

ومن هذا المنطلق تتجه التربية الفنية الحديثة إلى الاهتمام بالبناء المعرفي والوجداني والاجتماعي والمهاري للطلاب تبعاً لقدرات كلٍ منهم، مع تقديم حلول لمشكلاتهم الحياتية الفنية والعملية، تلك التي يواكبها الاتجاهات الجديدة في طرق التدريس وأساليب التعلم والوسائل والوسائط التعليمية والخامات والأدوات والأنشطة؛ فالتربية الفنية لا تقل عن غيرها من المواد الدراسية، فترتبط بداية من العمليات العلمية في تصميم وإعداد وتقديم العمليات الإنتاجية والإبداعية، والاعتماد على التعليم " للتفكير العلمي" الذي يجب أن يكون كنه عمليات التطوير حتى يصبح التعليم " للتميز" ( وليس للتمييز ).

وبناء على ذلك تسهم التربية الفنية في تنمية قدرات الطلاب المرتبطة بالملاحظة والإدراك والتمييز بين المثيرات الحسية واللمسية والبصرية، كما تلعب دوراً هاماً في الإيضاح العلمي والفني لمفاهيم الشكل، واللون، والحجم والكتلة والعمق، وقيم السطوح وغيرها من المفاهيم المرتبطة بالتشكيل البصري، إلى جانب الفكر التربوي المساير للتطورات العالمية المرتبطة بالتقدم العلمي في جميع جوانب الحياة، والتي تحكمها الوظيفية..  فظهرت على الساحة الفنية مفاهيم جديدة، واتجاهات حديثة، يعرض لبعضها فيما يلي:

·        اتجاه التربية عن طريق الفن:

تهتم الاتجاهات التربوية الحديثة للتربية الفنية بتحديث الفكر التربوي لها، فبدلا من اعتبارها مادة لإنتاج أعمالا فنيه جمالية فقط، أصبح مفهومها مرتبطا بالسلوك والوظيفية، من خلال التربية عن طريق الفن، حيث تهتم بالبنية السلوكية الإيجابية من خلال مدارسة المجالات الفنية، وأثناء ممارسة العمليات الإنتاجية للفن، وذلك يدعو للاهتمام بمراحل النمو السلوكي والتربوي والفني للطلاب، وذلك بتدعيم المراحل الإجرائية التالية:

1 – مرحلة الاكتشاف:

وهى المرحلة التي يتدرب فيها الطالب على طرق وأساليب اكتشاف المشكلة أو القضية الفنية المطروحة معتمداً على الجهد الذاتي للفكر والبصر والبصيرة.

2 – مرحلة التخيل والتفكير الفعال:

إن التخيل عبارة عن قدرة الفرد على التصور، وبناء خيالات عقلية لأشياء معينة يفكر الفرد بل ويحلم بأشياء لم تحدث من قبل، أو حدثت وتحتاج لتطوير ، ويتميز بالتفكير الحدسي، أو حب التخمين ، وبذلك يكون لديه القدرة على الوصول بتفكيره إلى حدود الواقع المحسوس ، أو تخيل ما وراء الواقع والطبيعة وما وراء المعرفة.

في هذا الصدد تهتم التربية الفنية بتنمية القدرة على " التخيل " كأحد الموارد العقلية الإنسانية لبدايات العلم والمخترعات، فبات الفضاء والوصول للقمر حلماً يراود العلماء، وأصبح واقعاً بعد عمليات التخيل التي ربطت بين العلم والخيال والحقيقة حتى أصبحت نواة لمخترعات ومبتكرات أخرى في دنيا الاتصالات والكمبيوتر..

فالتخيل هو تفكير فعال وتوارد منطلق للصور الذهنية وإيجاد أنماط جديدة لها تفيد في حل مشكلة ما، وهذا يحتاج إلى قدرات مختلفة لاكتشاف علاقات جديدة للعمل الفني ولرؤية الحل لأي مشكلة فنية - تعتمد هذه التقنية على مهارة التخيل - فعلى الفرد أن يتخيل كيف يكون شكل الحل، وكيف يبدو للعين، وكيف يمكن تنفيذه، ويقوم بالتفكير فيه، قبل بداية حل المشكلة.

3 – مرحلة البحث الفنى والتحرى :

وهى المرحلة التى يتدرب فيها الطالب على البحث والدراسة والتحري عن معلومات تقوده إلى فهم قضية أو مشكلة (عامة كانت أم فنية ) والتوصل إلى حل لها، أو مجموعة حلول مقترحة أو آراء مختلفة للقضية، أو المشكلة التي تواجهه.

4 – مرحلة التعبير الفني:

وهى المرحلة التي يتدرب فيها الطالب على إعادة تحليل المشكلة، أو القضية الجدلية المطروحة، وصياغتها صياغة جديدة دقيقة تساعده على التوصل إلى إنتاج عدة حلول للقضية، أو عدة أراء للمشكلة.

5 – مرحلة إنتاج الأفكار:

وهى المرحلة التي يقوم فيها الطالب بإنتاج أكبر عدد ممكن من الأفكار المقترحة ( بأسلوب التفكير المتشعب ) كحلول للمشكلة، أو آراء للقضية دون التوقف عند حد معين من الأفكار.

6 – مرحلة التقييم والتحسين :

وهى المرحلة التي يقوم فيها الطالب باختيار أنسب الحلول والآراء المقترحة ( من الخطوة السابقة ) ثم يضع هذه الحلول، والآراء موضع الدراسة ويمكنه إدخال بعض التحسينات على هذه الحلول ، حتى يمكنه استخدام بعضها للتغلب على المشكلة ، وأيضا تعميقها وتطبيقها في المواقف المشابهة .

7 – مرحلة التقويم :

يتم التقويم بشكل مرحلي لخطوات العمل للتأكد من نجاح كل خطوة للتقدم للخطوة التالية وتقويم نهائي للأهداف الإجرائية للعمل الفني، وذلك للتعرف على مدى ما اكتسبه الطلاب من مفاهيم، ومعارف أثناء حل المشكلة.

ومن خلال هذه المراحل يمكن للمتعلم أن يجد حلولاً إبتكارية لأعماله تمشياً مع التغير السريع،  والمستمر الذي يحدث في العصر الحالي والذي يحتاج إلى إنسان مرن، قادراً على تكييف ظروفه وحاجاته مع التغيرات السريعة التي تحدث في بيئته ، حتى يستطيع أن يساير هذا التغير السريع  والمستمر ، وذلك لأن عالم اليوم يتطلب مستوى عال من التفكير الإبداعي للأفراد، ليكونوا قادرين على فهم وتطوير هذا العالم ، فالحاجة ماسة إلى علماء مبدعين، يستطيعون تطويع المعرفة الفنية الجديدة للتطبيق .

ويؤكد الباحث أن هذه المراحل يتيحها الآن المجال التكنولوجي للتنفيذ من خلال استخدام الكمبيوتر وبرامجه الفنية.

·        الاتجاهات العلمية الحديثة من خلال الفن:

عانت التربية الفنية كثيرا من النقد لكونها ـ كما وصفت ـ مادة تعتمد على الموهبة فقط ولا يمارسها سوى الموهوبون، وهى تهتم بالمظاهر الجمالية فقط، ولا تصبوا إلى مصاف المواد الدراسية العلمية الأخرى، لذلك اعتبرت مادة للنشاط والترفيه، ولذلك لا تحظى باهتمام الطلاب وأولياء الأمور، وأيضا القائمون على التعليم.

مؤخرا.. فطنت الكثير من دول العالم، إلى أن الفنون وخاصة الفن التشكيلي، تتضمن مفاهيماً علمية ورياضية وتربوية وقيماً مستمدة من طبيعة الفن، لذلك تحتاج التربية الفنية إلى:

1.  التخلص من الحواجز بين الموضوعات الفنية العلمية التقليدية واشتقاق وحدات جديدة من الأنظمة العديدة الموجودة بينها.

2.  زيادة التفاعل بين الفنون والعلوم الطبيعية والاجتماعية والرياضية، مثل اكتساب القدرة على البناء الشكلي لأي مسطح وحساب أبعاده وتظليله مع تجسيمه، والذي تتضمنه الكثير من الموضوعات الفنية، واتحاد القواعد والأسس الرياضية بالفنية يمكن أن تساهم معاً في تنمية قدرات ومهارات فنية ورياضية عند الطالب، ليكون قادرا على استخدامها وتوظيفها في المواقف الفعلية.

فالعلاقة واضحة بين" العلم والفن "كالعلاقة بين ظهور المدارس الفنية المختلفة، وبين مدارس العلوم الإنسانية والنفسية، فيلاحظ أنه لا مدرسة تأثيرية بدون فهم نظريات الضوء، وليس هناك "مايكل أنجلو" بدون الهندسة والرياضيات، ولا سريالية بدون " فرويد "،  ولا تجريدية بدون تقدم تكنولوجي، ونظرية النسبية ومفهوم الحركة.

فمع تقدم العلم وتمايز مجالاته وفروعه وتطورها، وانفتاح دول العالم على بعضها البعض، وحدوث النقل الثقافي بينها والتأثير والتأثر المتبادل بصورة لم يسبق لها مثيل، وتعقد المشكلات وتشابك أبعادها وتداخلها، وتنوع الظواهر الطبيعية والمجتمعية، كان لابد أن ينتهي عصر المذاهب المغلقة، فأصبح لا مكان للمفكر المفرد الشامل، وبدأ عصر آخر يكون فيه التفكير إعمالاً للعقل الإنساني الجماعي ( بين الأفراد والمواد الدراسية والعلاقات …) بأسلوب منهجي موضوعي لحل إشكاليات طبيعية أو مجتمعية ووظيفية متعددة الأبعاد متنوعة الجوانب تحتاج لأفراد تتنوع تخصصاتهم.

ووجهة التربية الفنية في هذا الصدد:

1.    إظهار وحدة العلم في أهداف ومحتوى موضوعات التربية الفنية لتلاشى الفواصل بين المفاهيم الفنية والعلمية للمادة.

2.    التأكيد على الوحدة بين مادة العلم والطرق المتبعة عند دراسة مشكلاته، بحيث لا تظهر الحواجز التقليدية للمعرفة.

3.    التنظيم الوظيفي للمعرفة العلمية من خلال دراسة مشكلات حقيقية في حياة المتعلمين.

4.    تمكين المتعلم من تكوين النظرة الشاملة للعلم من خلال التربية الفنية والمفاهيم الأساسية المترابطة والمتشابكة له.

·        الاتجاهات التربوية الحديثة والتربية الفنية:

من بين الاتجاهات الحديثة التي يرى الباحث تأثر التربية الفنية بها هي "قضية وحدة المعرفة الإنسانية"، في عصر "ثورة المعرفة والاتصالات "، فهي من القضايا التي نالت اهتماماً كبيراً من علماء التربية، فأكد الكثيرون على ضرورة التكامل بين مجالات المعرفة الإنسانية وإبراز وحدتها، كأن تخضع المعاني (الأشياء المعنوية ) في الفن، إلى التعبير الفني المقنن بشكله الرياضي أو العلمي أو الاجتماعي.

 

mouradbebawy

ببــــــــــاوي نت

  • Currently 571/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
153 تصويتات / 15991 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2009 بواسطة mouradbebawy

[email protected]

mouradbebawy
يعني هذا المركز بتنمية القدرات الفنية لدى الطلاب والموهوبين والمهتمين وإمداد الباحثين بالبحوث والمراجع التربوية والفنية والتكنولوجية وتشجيع المهتمين ودعم غير المهتمين للتذوق الجمالي لتنمية قدراتهم الفنية والتشكيلية من أجل خلق عالم الخير والحق والجمال لمدينة فاضلة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

109,174

جمال الفـــــــــــنون