تعتبر قضية التواصل بين الزوجين صمام الأمان الذي‮ ‬يضمن التماسك الداخلي‮ ‬لبنيان الأسرة،‮ ‬ويمتن أواصر علاقات أفرادها بشكل كبير،‮ ‬مما‮ ‬ينعكس إيجابًا على الطمأنينة النفسية والسكينة الروحية،‮ ‬ويفعل دورها في‮ ‬بناء الانسان المتزن انفعالياً‮.‬

ترتكز قواعد العلاقات التواصلية الأسروية على وشائج متينة من الود والحب والاخلاص والتعلق والثقة المتبادلة،‮ ‬إنها مهمة لبناء أسرة قوية قادرة على لعب دور فعال في‮ ‬خلق شخصية أفرادها وتطبيعها بقيم ومثل حميدة،‮ ‬إنه لاشيء‮ ‬يعوّض العلاقات العاطفية المتسمة بالود والاحترام في‮ ‬الأسرة،‮ ‬لأنها تعمل على إزالة التوترات وتنفيس الضغوط الانفعالية من جوها‮.‬

لقد تعقدت الحياة العصرية نتيجة للتطور التقني‮ ‬والتفجّر المعرفي‮ ‬الهائل وثورة المعلوماتية المدهشة،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬جعل العالم قرية صغيرة مما جعل حياتنا مليئة بالاضطرابات النفسية وأشكال القلق المختلفة،‮ ‬كل ذلك‮ ‬يلقي‮ ‬على كاهل الأسرة أعباء ومسئوليات جساما لتخفيف وطأة الظروف القاسية عن أفرادها،‮ ‬مما‮ ‬يجعلها ملاذاً‮ ‬روحياً‮ ‬يلجأ إليه هربًا من صعوبة الحياة العصرية وتعقيداتها‮.‬

إدراك التمايز‮

يلعب التواصل الأسري‮ ‬والتفاهم بين الزوجين دوراً‮ ‬حيوياً‮ ‬في‮ ‬تحفيز قدرات الانسان على العمل وجعلها أكثر فعالية،‮ ‬ويخلق مقدمات ضرورية لحياة الانسان الروحية،‮ ‬ويحدد روح الأسرة وأسلوبها والأدبيات المتبعة في‮ ‬التنشئة الاجتماعية للأطفال والمراهقين،‮ ‬كما‮ ‬يحمل في‮ ‬طياته السرور والسعادة،‮ ‬أو على العكس تمامًا‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى إثارة الأحقاد والضغائن‮.‬

كما تتوقف علاقات الأسرة على اهتمامات الزوجين النفسية وميولهما وحساسيتهما الانفعالية وعلى مشاعر كل منهما تجاه الآخر‮.‬

إننا لا نعرف السعادة بمعزل عن الآخرين،‮ ‬ولا نتذوقها دون وجود زوجة وأطفال،‮ ‬وما‮ ‬يقوّي‮ ‬وشائج الأسرة ويمتنها هو وجود علاقات طيبة بين أفرادها‮.‬

ولكن ما العوامل التي‮ ‬تتوقف عليها طبيعة المناخ الأسري؟

إن لكل أسرة خصوصية فريدة تميّزها عن‮ ‬غيرها،‮ ‬لكن خلق مناخ أسروي‮ ‬يتوقف على وقت الفراغ،‮ ‬والمستوى الثقافي،‮ ‬والتواصل النفسي،‮ ‬وانطباعات متنوعة‮. ‬وبمقدور الزوجين أن‮ ‬يرفع أحدهما من شأن الآخر أو‮ ‬يفعلا عكس ذلك،‮ ‬لذا فإن المساعدة على إزالة عيوبهما ونقائصهما تتوقف على مستوى ذكاء كل منهما وعلى المودة التي‮ ‬يكنها أحدهما للآخر،‮ ‬لقد أشار المربي‮ (‬بيلنسكي‮) ‬إلى أن الاحترام المتبادل للكرامة الإنسانية‮ ‬يولد المساواة،‮ ‬فعندما‮ ‬يسود الاحترام والتكافؤ جو الأسرة،‮ ‬يكف الرجل عن التصرف كالسيد المطلق ذي‮ ‬السلطة والصلاحيات التي‮ ‬لا تناقش ولا تعارض،‮ ‬ولا تبقى المرأة عبدة مغلوبة على أمرها،‮ ‬أما الأسر التي‮ ‬تسيطر فيها علاقات الأنانية والاستبداد،‮ ‬حيث لا احترام متبادلا ولا مساواة ولا محبة،‮ ‬كل ذلك‮ ‬يعتبر الأرضية الخصبة لنشوء أشكال مختلفة من الصراع والخلافات‮. ‬وبهدف تجنب ذلك‮ ‬يترتب على الزوجين أن‮ ‬يعرف كل منهما الآخر بشكل جيد،‮ ‬وسمات طبعهما ومزاجهما،‮ ‬وأن‮ ‬يدرك كل منهما أنه شخصية متميزة تختلف عن شخصية الآخر بسماتها ومقوماتها وخلفيتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية،‮ ‬عند ذلك‮ ‬يمكننا نزع فتيل الأزمات التي‮ ‬يمكن أن تعصف بكيان الأسرة وتماسكها‮.‬

القواعد الأساسية

عدم كشف الخصوصيات الأسرية أمام الغرباء‮.‬
ضرورة التقدير والاحترام المتبادلين‮.‬
التخفيف قدر الامكان من أشكال اللوم والعتاب‮.‬
عدم التحدث عن عيوب الزوج‮ (‬الزوجة‮) ‬أو الأطفال أمام الآخرين‮.‬
إمكان التأهب للدفاع عن الزوج‮ (‬الزوجة‮) ‬في‮ ‬حال نشوء خلافات مع الأصدقاء والأقارب‮.‬
من‮ ‬غير المحبذ لكلا الزوجين توجيه أي‮ ‬ملاحظات بحضور أناس‮ ‬غرباء لأن هذا قد‮ ‬يسبب الأذى لعزة النفس والمشاعر‮ - ‬ليس بالنسبة لهما فقط،‮ ‬بل وحتى الأطفال عامة والمراهقين خاصة‮.‬
الإيمان بالعقيدة الأسرية وعدم السماح لأي‮ ‬كان بالتدخل في‮ ‬شئون الأسرة الداخلية ولو كان من أقرب المقربين والأصدقاء‮.‬
القدرة على ضبط كل من الزوجين انفعالاتهما والتحكم بأعصابهما أثناء ثورات الغضب‮.‬
أن‮ ‬يكون باستطاعة الزوجين التنازل والتساهل،‮ ‬وهذا شرط من الشروط الأكثر أهمية بالنسبة لنجاح العلاقات الزوجية‮.‬

عدم اللجوء إلى أشكال العقاب الشديد لأن الإنسان الذكي‮ ‬يدرك المقصود بمنتهى السهولة‮.‬
عدم التسرع في‮ ‬قذف الزوجين،‮ ‬كل منهما الآخر،‮ ‬بكلمات قاسية وفظة،‮ ‬بل على العكس‮ ‬يجب أن تستخدم قدر المستطاع كلمات حسنة وجميلة‮. ‬إن كلمات المديح والثناء مسألة مهمة جداً‮ ‬وخصوصًا بالنسبة للزوج الشاب،‮ ‬لأنه أكثر صعوبة في‮ ‬التكيّف مع دوره كزوج مقارنة بالفتاة التي‮ ‬هي‮ ‬أقدر على التلاؤم مع دورها كزوجة،‮ ‬لذا‮ ‬يترتب على الزوجة الشابة أن تعمل على دفع زوجها ليصبح رب أسرة حقيقيا عن طريق مدحه وتشجيعه،‮ ‬وليس عن طريق إصدار الأوامر والمواعظ والإرشادات التي‮ ‬تقتل لديه الرغبة في‮ ‬فعل شيء ما‮.‬

عدم إطلاق بعض الاستنتاجات والتعميمات التي‮ ‬تتسم بالمغالاة والإطناب،‮ ‬على سبيل المثال‮ (‬إنك لا تريد أن تفهمني‮ ‬أبدًا،‮ ‬إنك تتصرف دائمًا على النحو الذي‮ ‬تريده،‮ ‬طلبت منك ألف مرة،‮....) ‬الزوج‮ ‬يمكن أن‮ ‬يخطئ،‮ ‬وكذلك الزوجة في‮ ‬تصرف ما،‮ ‬فيسارع الآخر إلى إطلاق سيل من التعميمات القاطعة،‮ ‬واصفًا شريكه بالفشل،‮ ‬إن هذا الموقف‮ ‬يمكن أن‮ ‬يجرح كرامة الزوج‮ (‬الزوجة‮) ‬جرحًا عميقًا قد لا‮ ‬يندمل أبدًا‮.‬

عدم كتمان الإساءة وكبتها داخل الذات،‮ ‬فكلما كشف الزوجان عن حالات الصراع بصورة أسرع كان تأثير ذلك أقل شدة في‮ ‬بنيان الأسرة‮. ‬ويجب على الزوجين أن‮ ‬يعملا جاهدين على اتخاذ الخطوة الأولى ليلتقي‮ ‬أحدهما الآخر بهدف المصالحة وإزالة مسببات التوتر التي‮ ‬ولدت الأزمة‮.‬

أن‮ ‬يكون باستطاعة الزوجين التفاهم والمساعدة والتغاضي،‮ ‬وهذا شرط مهم جدًا‮. ‬قام علماء الاجتماع بدراسة شملت مائة من الزوجات بمناسبة اليوبيل الفضي‮ ‬لزواجهن،‮ ‬تم توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بأفضل الطرق والاستراتيجيات التي‮ ‬تقوي‮ ‬العلاقات الأسروية وتمتنها،‮ ‬فكانت النتائج أن ‮٥٧‬٪‮ ‬منهن أشرن إلى أن ما‮ ‬يسلح بنيان الأسرة هو الآتي‮:‬

ـ الاستعداد لمساعدة كل منهما الآخر‮.‬

ـ العفو السريع‮.‬

ـ توافر سمات مثل النزعة العملية،‮ ‬الاقتصاد المنزلي،‮....‬

أن‮ ‬يضع كل من الزوجين نفسه مكان الآخر ويحاول أن‮ ‬يغوص في‮ ‬عالمه الخاص ويساعده على فهم ما هو جوهري‮ ‬وأساسي،‮ ‬فقد لا‮ ‬يتمكن أحدهما من رؤية تفاصيل الحياة من منظوره الشخصي‮.‬
عدم الاختلاف بسبب أمور صغيرة،‮ ‬وعدم السماح بظهور صعوبات وتعقيدات تولد الصراع،‮ ‬والعمل قدر المستطاع على الإيقاف الآني‮ ‬للخلاف كي‮ ‬لا‮ ‬يتطور متخذًا منحى أشد خطورة،‮ ‬فالإنسان الذكي‮ ‬هو الذي‮ ‬يعمل جاهدًا على وقف الخلاف واجتثاث جذوره‮.‬

اتباع سياسة أسروية تتصف بالمرونة والدبلوماسية عن طريق تنشيط المشاركة في‮ ‬المسئوليات الأسرية‮. ‬إن المحافظة على توازن الأسرة وتقوية دعائمها مسئولية جميع أفرادها،‮ ‬فلو واجهت الزوجة‮ - ‬على سبيل المثال‮ - ‬صعوبة ما سببت لها الإنهاك في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يقف فيه باقي‮ ‬أفراد الأسرة موقف المتفرج‮ ‬يعطون الإرشادات والنصائح التي‮ ‬تؤزم الموقف،‮ ‬وتمهّد لظهور الجفاء والفتور بين الزوجين،‮ ‬فإن هذا‮ ‬يترك أثرًا سلبيًا عسير الزوال‮.‬

أن‮ ‬يرفع دائمًا شعار‮ (‬لا فظاظة ولا خشونة‮)‬،‮ ‬وليعلم الزوجان أن لاشيء‮ ‬يحطم سعادتهما مثل الجلافة والقسوة‮. ‬إن الحب الكبير والحنان والملاطفة والرقة والثقافة الجنسية والمعاملة الراقية مهمة جدًا لبناء علاقات أسرية سليمة‮.‬

ضرورة الاتفاق على استراتيجيات وأساليب تربوية واحدة بالنسبة لتربية الأطفال وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة،‮ ‬مثل عدم تقديم التعزيز الإيجابي‮ (‬حلوى،‮ ‬نقود‮...) ‬بعد عقاب الطفل من قبل أحد الوالدين‮. ‬إن عجز التواصل مع الأطفال‮ ‬يعتبر حقيقة كئيبة في‮ ‬هذا العصر المعقد‮. ‬لقد أحصى علماء الاجتماع مدة التواصل بين الأطفال والأبوين،‮ ‬فكانت حوالي‮ ٥١ ‬دقيقة كل‮ ‬يوم،‮ ‬ولكن كيف‮ ‬يمكن أن نوفر الوقت الكافي‮ ‬للتواصل بأطفالنا وخصوصًا بالنسبة للأسر العاملة؟ إن المخرج الوحيد لهذه المشكلة هو استخدام‮ ‬يومي‮ ‬عطلة‮ ‬يخصصان بأكملهما للأطفال‮ (‬القيام برحلات،‮ ‬الذهاب إلى مسرح الأطفال،‮ ‬زيارة المعارض الفنية وحدائق الحيوان‮...).‬

ضرورة العيش بثقة،‮ ‬بهدف البحث عن مصدر السعادة في‮ ‬كل شيء،‮ (‬في‮ ‬كلام الطفل وخطواته الأولى،‮ ‬في‮ ‬النظرة اللطيفة والحنونة للشريك الآخر،‮ ‬في‮ ‬النجاح في‮ ‬العمل‮...).‬ وفي‮ ‬النهاية علينا العمل بقدر المستطاع على أن تكون هذه السعادة متبادلة،‮ ‬وفي‮ ‬ذلك فن راق للتواصل الأسري‮ ‬يمتن الأسرة ويحصنها ضد مختلف أشكال التفتت والتفكك والضياع‮.‬
_________________________________________
الأيام

  • Currently 434/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
143 تصويتات / 2458 مشاهدة
نشرت فى 4 يونيو 2009 بواسطة moonksa

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,161,097