في أحد مباني قصر المانسترلي الموجود في منطقة الروضة على ضفاف نيل القاهرة، يوجد متحف سيدة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلثوم، ويمتد على مساحة 250 مترا مربعا، في مشهد بانورامي يغمرك بمشاعر الإعجاب بتلك الموهبة وما تركته من مقتنيات. ويتصدر حديقة المتحف تمثال مجسم لها تم نحته من الرخام الأبيض، ويحمل لافته على شكل آلة قانون كتب علىها باللغتين العربية والإنجليزية عبارة «متحف أم كلثوم». ديكور المتحف من الداخل يتناغم مع ما به من مقتنيات تعبر عن العصر الكلثومي، وهو ما يعلق علىه دكتور وليد شوشة، مدير المتحف لـ«الشرق الأوسط» بقوله إنه روعي في تصميمات المتحف أن تكون معبرة عن شخصية تلك السيدة التي أضفت الكثير على الغناء العربي من خلال الإضاءة والأثاث، والإطارات التي تحوي متعلقاتها، من ملابس وصور ونياشين. في مدخل المتحف تقع عيناك على نظارتها الشمسية المطعمة بالماس التي ظهرت بها في العديد من الصور الفوتوغرافية، وقد وضعت بجوار منديلها المطرز الشهير. وعندما تتقدم إلى الداخل تجد فاترينة بها مجموعة من الفساتين الطويلة التي ظهرت بها في حفلاتها الغنائية، فذلك فستان أغنية «الأطلال»، وهذا رداء «سيرة الحب»، وذلك فستان «يا مسهرنى»، وهكذا.. ليتملكك الإحساس وأنت تقف أمام ملابس الست، أنها تطل علىك من كل فستان وتحييك بابتسامتها التي كانت تلقى بها جمهورها. ويزداد ذلك الإحساس عندما تصل إلى مجموعة صورها النادرة التي تم تقسيمها على خمسة ألبومات، حيث تشعر بها وهي تنظر إليك. ولتسجل الصور مراحل حياتها المختلفة بدءاً من طفولتها التي اشتهرت فيها بارتدائها للعقال، مروراً بصور شبابها وأول عهدها بالملابس الحديثة، انتهاءً بصورها مع الملوك والرؤساء وكبار الشخصيات. لتؤكد فاطمة إبراهيم البلتاجي (التي اشتهرت بأم كلثوم) ابنة قرية طماي الزهايرة والمولودة في ديسمبر من العام1898، أن الموهبة الحقة لا يقف أمامها عائق.

وتسير في جنبات المتحف، فترى في أحد جوانبه مجموعة من الأوسمة والنياشين التي حصلت علىها كوكب الشرق على مدى حياتها الفنية. فهذا وسام الكمال الذي منحه لها الملك فاروق عام 1944 عقب إحدى حفلاتها التي تعطف علىها فيها بلقب صاحبة العصمة. وهذا وسام الأرز الوطني اللبناني الذي حصلت علىه عام 1955، وبجواره وسام الاستحقاق اللبناني الذي حصلت علىه عام 1968، وذلك وسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الممتازة الذي أهداه لها ملك المغرب الحسن الثاني، بينما ذاك نيشان الرافدين الذي منحه إياها الملك فيصل الأول ملك العراق عام 1946، أما هذا فوسام الاستحقاق من الدرجة الأولى الذي تسلمته من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مارس (آذار) عام 1960. كما يضم ذلك القسم أيضاً جواز سفرها الدبلوماسي الذي منحته لها الحكومة المصرية تقديراً لجهودها في دعم المجهود الحربي ويحمل رقم 1534، إضافة للمزيد من الأوسمة وشهادات التقدير من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، والرئيس أنور السادات، والملك حسين بن طلال ملك الأردن. ولا تقتصر مقتنيات المتحف على ذلك الجزء، فهناك جناح خاص يحتوي على بعض المصاحف الخاصة بام كلثوم والمطعمة بالصدف، كما يوجد بالجناح مذكراتها اليومية، وأوراقها الرسمية إضافة إلى ميدالية ذهبية محفور عليها صورتها كان قد أهداها لها الفنان اللبناني عفيف دمشقية عام 1972 خلال زيارتها لبيروت. عندما تتجول بالمتحف تجد جهاز غرامافون وبجواره بعضاً من اسطواناتها، وجهاز عرض سينمائي، وبيك آب، ومذياع صغير، كانت تضعه بجوار فراشها لتستمع إليه وهي في غرفة نومها.

«لا يُعرف المرء في عصره» عبارة تقرأها على آلة العود الخاصة بسيدة الشرق، حيث وضع العود وبجواره مجموعة من النوت الموسيقية والتسجيلات الموسيقية النادرة التي يصل عددها إلى 180 اسطوانة. أما أكثر ما يمنحك القدرة على العودة إلى تلك الأيام لتعيش بعضاً من ملامح أبطالها، فهناك الوريقات التي تضم أشعاراً بخط يد من تغنت لهم كوكب الشرق، بيرم التونسي، وأحمد رامي، وجورج جرداق. وفي ركن آخر بعيد بالمتحف توجد فاترينة بها متعلقات الزينة الخاصة بأم كلثوم، وأبرزها ذلك البروش الماسي الذي يأخذ من الهلال شكلاً له، إضافة إلى مجموعة من حقائب اليد والأحذية التي كانت تستخدمها. وفي ركن آخر توجد قاعة فيديو تعرض فيلم تسجيلي بصوت الإذاعية أمال فهمي وهو من سيناريو وإخراج إبراهيم الموجي، ويروي حياة أم كلثوم على مدى 26 دقيقة، من خلال شاشة تعرض بدايتها مع الغناء، مصحوبة في خلفيتها بصوتها يشدو بعضاً من أشهر أغانيها العاطفية والدينية.

كما يوجد بالمتحف بانوراما تعرض على شاشة عرضها 15 مترا لقطات مختلفة تم من خلالها المزج بين صور لأم كلثوم، وبين معالم مصر الأثرية والتاريخية مدتها 12 دقيقة لتبدو أم كلثوم كأحد معالم القاهرة التي لا تموت. وإذا كانت مقتنيات المتحف تخلد لذكرى تلك السيدة، فإن جزءاً خاصاً من المتحف يحوي مكتبة سمعية وبصرية تضم 18 مجلداً بها كل ما كتب عن أم كلثوم في الصحافة المصرية والعربية من خلال 6929 مقالا منذ عام 1924 وهو العام الذي شهد بداية شهرتها، وحتى العام 2000 وهو العام الذي شهد افتتاح المتحف، كما تضم المكتبة أيضاً المؤلفات التي تناولت سيرة أم كلثوم، ومن بينها كتاب «أم كلثوم..معجزة الغناء العربي» الذي قامت بتأليفه الدكتورة رتيبة الحفني، بالإضافة إلي أجهزة كومبيوتر رقمية تحتوي على كل ما يتعلق بأم كلثوم من صور وأغان وقصة حياتها وفيلم كامل عن وفاتها ليسهل على رواد المتحف متابعتها. وإذا كانت المقتنيات ترصد عصراً من الماضي، فإن المتحف حرص على تقليد يجسد من خلاله ذلك الماضي ويقتبس من روحه ويقدمه الى جمهور اليوم وذلك من خلال حفلة شهرية تقام في الخميس الأول من كل شهر في حديقة المتحف. ويشترط المسؤولون عن المتحف حضور جمهور الحفل بالملابس الرسمية ليستمعوا لواحدة من أغنيات الست، وذلك إحياءً لعادتها التي بدأتها في العام 1940. أما الجديد الذي يقدمه المتحف كما يقول الدكتور وليد شوشة، فهو فيلم تسجيلي من إنتاج التلفزيون الفرنسي الذي تعاون مع المتحف لإنتاج فيلم بعنوان «أم كلثوم صوت العرب» تبلغ مدته 52 دقيقة، سيعرض في فرنسا في إبريل (نيسان) المقبل ومن بعدها في المتحف بالقاهرة. ويبقى المتحف شاهداً على عصر من الموسيقى الرائعة، يذكرنا بأبدع الأصوات وأكثرها قدرة على لمس المشاعر والقلوب، وهي كلمات تختصرها عبارة «عظمة على عظمة يا ست».

 

 

المصدر: جريدة الشرق الاوسط
  • Currently 213/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
72 تصويتات / 5797 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,167,879