(الملكة بلقيس) احدى الملكات اللواتي عطرن التاريخ ك (سميراميس) و (نفرتيتي) و (الزباء) وغيرهن، واستقطبت اهتمام وخيال أمم وشعوب كالعرب والأوربيين. (الملكة بلقيس) محاطة بالغموض فلكونها وردت في القرأن مقرونة باسم النبي سليمان فان المدونين المسلمين اظافوا الى (الملكة بلقيس) الكثير من البريق فالهمت ولا تزال تلهم الفنانين والكتاب والشعراء والموسيقيين من مختلف الأمم والعقائد والاتجاهات الفكرية. يتسائلون الآن هل عرفت سبأ فعلاً ملكة؟ أم أن الرواية عنها من الأساطير والخرافات ابتدعتها مخيلة العرب، وساهم في نشرها أقوام المشرق؟ التناقضات الكبيرة في روايات العرب تثير الكثير من الشكوك عن (الملكة بلقيس) فهل كان المدونون العرب يشيرون إلى شخصية واحدة، أم أنهم دمجوا العديد من الحاكمات اليمانيات في ملكة واحدة؟ هل كان ذلك الدمج متعمداً؟ وما أسبابه؟ الواقع ان كتابات المدونين العرب، مليئة بالاختلافات، بعض المدونين العرب يقولون إنها من الجن، بعض اسفار التوراة تعطي صورة قبيحة لـ (الملكة بلقيس) ملكة سبأ، لكونهااقتحمت تراث معظم شعوب العالم بصفتها مثال الجمال والحكمة والسلطان والثروة؟ عرفها العرب باسم (بلقيس) و (بلمقه) و الحبشيون باسم (مكدّا) و (كندكة). وفي التراث الاسرائيلي عرفت بملكة سبأ و (الغول ليلت). المدونون العرب يقولون ان (الملكة بلقيس) احتلت بابل وتدمر وسمرقند، وحتى الصين. فهل هذه حقيقة تاريخية، بل من الخيال المنحول، (الملكة بلقيس) ملكة سبأ، في التراثات الشعبية الأخرى تأخذ منحا آخر، فهي في الارث الاسرائيلي ممثلة الشيطان، بل الشيطان نفسه، بينما اقتحمت تراث مختلف الشعوب بصفتها رمزاً للحكمة والجمال. أرسل لها النبي سليمان طبق ما جاء في القرآن (هدهد) يدعوها للتوحيد، فكرت في أن أفضل حل، إرسال هدية الى (النبي سليمان) دون الحاجة لخوض حرب ومواجهة معه، فأرسلت له هدية عظيمة ولكنه رفضها وأصر على إرسال جيش نحوها وتعجب رسل (الملكة بلقيس) من حجم مملكة سليمان وجنوده من الإنس والجن والحيوانات والطيور المختلفة. قررت (الملكة بلقيس) الذهاب إلى مملكته حتى تتوصل معه إلى حل سلمي قبل تطور الأمور، وبعد وصولها تفاجأت بأن عرش ملكها عنده. وأعد لها (النبي سليمان) مفاجأة أخرى وكانت قصرا من البلور فوق الماء وظهر كأنه لجه فلما قال لها ادخلي الصرح حسبت أنها ستخوض اللجة، فكشفت عن ساقيها، فلما تمت المفاجأة كشف لها سليمان عن سرها، قال: (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ) أعلنت (الملكة بلقيس) إيمانها بالله، وآمن معها العديد من أبناء شعبها. جغرافيا قصة (الملكة بلقيس) وقعت جنوبي جزيرة العرب، الا ان آراء المستشرقين مختلفة حول اسمها فالمستشرق (مونتغمري وَت) و (اولندروف) يريان أنّ الاسم مأخوذ من المفردة اليونانية (فالاكيس) التي تعني عشيقة، عبر لهجة التوراة أي الكنعانية التوراتية ورد الاسم بصيغة (فلجش فلجس). أما المستشرق (دوساسي) فيرى أن الاسم تصحيف للاسم (نكوليس)، والمستشرق (دورامي) يرى أن الاسم دمج لكلمة (بعلة وكيس)، الباحث (عبد المجيد همو) طرح إمكانية أن اصل الاسم من (بعل وقيس). تواجد (الملكة بلقيس) امر من الصعب الاخذ به فهي مزيج من الأسطورة والخرافة والقصص والتاريخ. مما ترويه الأسطورة أن الملك العظيم (الهدهاد) لحق بغزالة هاربة في رحلة صيد، فخلصها من ذئب، فكافأه أبوها (اليلب بن صعب) فالهدهاد نها علاقة له بطائر الهدهد (الهدهد أصوات الجن)،و الغزالة حيوان عربي جنوبي مقدس، والحرورى أو الحرة هي الجان من الثعبان واليلب أو التلب أو الظبي سيد الحيوانات.
في النقوش الجنوبية يقال ان (شمس) أم (الملكة بلقيس) وتعني في الخرافات عبادة الشمس، والغزالة من حيوانات (المقة) اي (القمر)، قرونها دليل قمريتها.الأسطورة تنقلنا إلى عالم قديم. أما القصص المرتبطة بـ (الملكة بلقيس) فهي متعددة، فقصة (ابن الأثير) تروي أن والد بلقيس مات من غير وصية فأقام الناس ابن أخ له فتآمرت عليه (الملكة بلقيس) وقتلته وتولت بعده، قصة اخرى تروي أنها تولت السلطة بعد وفاة أبيها ثم تخلت لأخيها عن العرش. الأسطورة تروى هوى شعري فهي معالجة خيالية لحوادث التاريخ كما يقول (كمال الصليبي) في كتابه (خفايا التوارة وشعب إسرائيل). التأويل يشير إلى تعصب الرجال لرجوليتهم، فالإخباريات تذكر أن (الملكة بلقيس) تقيم علاقات جنسية مثلية، عناصر جنسية أخرى في القصة تقول أن (النبي سليمان) نكحها من غير زواج أو بناء بها، تحقيرا لها. نروى القصة تولي (الملكة بلقيس) الملك كامرأة في أعلى درجات التاريخ بالجدارة وليس بالوراثة؟ انما هو تقييم عظيم لها حيث (أنها خلصت شعبها من الحكم الجائر). وفي هذه القصة محاولة إدانة الملوك والحكام وتذكيرهم بضعفهم. يقول (الهدهد) ردا على تهديد سليمان له بالتعذيب (اذكر وقوفك بين يدي الله، فلما سمع سليمان ارتعد وعفا عنه). وفي هذا محاولة ضرورة التأدب بآداب الملوك وترك بذخهم اللامعقول كما يجيء في وصف عرش (الملكة بلقيس) في مروية الثعالبي. هدف القصة فيها مواعظ و أحكام وسلوكيات. في الموقف التوراتي الذي يربط اصل (الملكة بلقيس) بالشيطان ويجعل لها حافر حمار ويفصل بين النظام الاجتماعي وبين عالم الأنس، أما الإسلاميون المعادون للمرأة فقد استرجلوا (الملكة بلقيس) بـ (القول أن رجلاها كانتا مشعرتين وادخلوا قصة النّورة والحمام). اما (ابن عربي) في شعره فيجعلها مثالا للمرأة الكاملة حيث يقول عنها (اسقفة من بلاد الروم). يؤكد نجيب محفوظ على المعنى الرمزي لبلقيس في (ترجمان الأشواق) بوصفها مثالاً للحكمة الإلهية التي تجمع بين العلم والعمل ولطف الجن وعمل الإنسان والروح والبدن. الشاعر (جلال الدين الرومي) جعلها مثالا للنبل، (حافظ الشيرازي) جعلها مثالا للجمال. بعض المدونين دمجوا (الملكة بلقيس) مع (الزباء) و (زنوبيا) فكلتاهما كانتا رمزا للحكمة والجمال، وكلتاهما تسلمتا الملك بعد قتل الغريم بالحيلة، واعتزلتا الرجال، وكان لهما وصيفات، قيل عن (الملكة بلقيس) انها بنت (سد مأرب) وانها اتخذت لباسا يجمع بين البسة الرجال والنساء. انتشرت أسطورة (الملكة بلقيس) عبر الشرق ففي تراث الفرس نجد أسطورة (خسرو وشيرين) وفي تركيا تقوم منارة بلقيس، في إيران بين مدينتي تبريز وهمدان يتواجد جبل يعرف بـ (تختي بلقيس) اي (عرش بلقيس)، وقد اختلطت (الملكة بلقيس) بقصة كليوباترا ملكة مصر الشهيرة التي انتحرت بسم ثعبان وهو حيوان جنوبي مقدس أيضا وفي التراث القبطي، ترد كمثال للعفاف وستعود يوم الساعة لمحاسبة العصاة!!. في التراث الحبشي المسيحي في ملحمة (كبرا نجست) أي (عظمة الملوك) تذكر (الملكة بلقيس) كمثال للجمال والذكاء.
الحضارات القديمة في اليمن ابرزها حضارة دولة سبأ، وحضارتها عمود من اعمدة التاريخ اليمني، و (سبأ) عند النسابة هو (أبو حمير) و (كهلان)، ومن هذين الأصليين قامت أنساب أهل اليمن جميعا، كما أن هجرة أهل اليمن في الأمصار ارتبطت بسبأ، و (الطيبة) هي في الأصل ارض سبأ. وابرز رموز اليمن التاريخية (سد مأرب) فقيل عنهم (تفرقوا ايدي سبأ) بعد انهيار (سد مأرب). دولة سبأ في العصر الأول كانت أكبر وأهم تكوين سياسي في اليمن، تلك الدولة كانت تكوينات سياسية كانت تدور في فلكها، ترتبط بها حينا وتنفصل عنها حينا آخر، كـ (دولة معين) و (دولة قتبان) و (دولة حضرموت)، أو تندمج فيها لتكون دولة واحدة مثل (دولة حمير). لقب ملوك اليمن آنذاك بملوك سبأ و (ذي ريدان) هم حمير وأرض سبأ في الأصل في منطقة مأرب، وتمتد إلى الجوف شمالا، ثم ما حاذاها من المرتفعات والهضاب إلى المشرق، وكانت دولة سبا في فترات امتداد حكمها تضم مناطق أخرى، بل تشمل اليمن كله. وعدداّ كبيرا من المكربين والملوك الذين تولوا الحكم في دولة سبأ، والفرق بين الملك والمكرب هو أن الملك يحكم شعبا واحدا أو قبيلة واحدة اما (المكرب) فهو لقب للمجمِّع والموحِّد لعدة شعوب أي الموحد ووجود المكربين في تاريخ اليمن القديم يشهد على جدارة الجهود المبكرة جدا لتوحيد أهل اليمن في كيان واحدة. اتخد السبأيون (صرواح) عاصمةّ لدولة سبأ، وتقع المدينه على بعد 120 كيلومتراّ شرق العاصمه اليمنيه صنعاء وتبعد 50 كيلومتر شمال غرب مدينة مأرب. تعتبرهذه المدينه من الاماكن الاثريه بسسبب ما اكتشف فيها من نقوش ومنحوتات ترجع الى عصر دوله سبأ. تم انتقلت عاصمةّ دولة سبأ الى مأرب بدلاّ عن صرواح، وتقع مأرب جنوب اليمن وعلى بعد 192 كيلومتر من العاصمةّ الحديثه لليمن والتي تدعى صنعاء. ولقد اتخد السبئيون مأرب (في وادي أذنه) عاصمة لهم بسبب خصوبة تربه الوادي حيث تنجرف اليه التربه مع مياة الامطار من المرتفعات. وتدلل الآثار المنتشرة والنقوش اليمنية القديمة التي اكتشفت ذكر (قصر سلحين). ويرجح على الاغلب ان القصر يقع على التل المعروف بقرية مأرب الآن. ذكر العلامة اليمني (الحسن الهمداني) ان القصر كان قائما قبل مايقرب من حوالي الف عام. وقد تحكمت دولة سبأ بطريق التجارة الهام المعروف بـ (طريق اللبان) الذي يخترق ارض مأرب. واللبان من اهم أنواع الطيوب وأغلاها بسبب رائحة الطيبة والى الاعتقاد في تلك الفترة (لاغنى عنه لكسب الآلهة).
ينبغي ان لا ننسى دور (نجران) اذ كانت ركنا مما في تاريخ اليمن البعيد. ففي الجزيرة العربية قبل الاسلام كانت هناك كعبتان هما (كعبة مكة) و (كعبة نجران). (كعبة نجران) بقيت ضمن كيان اليمن منذ فجر التاريخ، الا الملك عبد العزيز آل سعود استولى على (نجران) والحقها بالمملكة العربية السعودية ذلك لان (نجران) وادي خصب ربما من اخصب المناطق في اليمن. الآثار لا حصر لها في (نجران). كالأخدود و (كاتدرائية الأسود العنسي) اي (كعبة نجران)، وبقايا سد (قوم عاد) وغيرها، الوثنية كانت الدين السائد عند العرب العدنانيين قبل الإسلام وكانت الديانتين المسيحية واليهودية متواجدتان في بلاد العرب جنوبا وشمالا. يروي ابن إسحاق حديث (وهب بن منبه) في ادخاله المسيحية إلى نجران جنوب مكة من بلاد اليمن فيقول (إن رجلا يقال له "فيميون" من أهل الشام كان على دين المسيح وكان رجلا صالحا ورزقه الله كرامات فأحبة رجل من أهل البلاد يقال له "صالح" ولازمة). وكما يذكر أن (عبد الله بن الثامر) كان له أثرٌ كبيرٌ في نشر المسيحية في نجران بعد (العبد الصالح فيميون) فانتشرت المسيحية. اليهودية لم تدم طويلاً في (نجران)، لأن (تُبّعاً ذا نواس) عندما دخل المدينة خرج معه حبران من أحبار اليهود وهما اللذان دعواه إلى اليهودية فقبِلَهَا ودان بها، وعذب نصارى نجران، وانتهى ملكه بموته بامر من (أرياط) و (أبرهة) الحبشيين. وبقيت اليهودية قائمة في شمال الجزيرة بفَدَك, وتيما, وخيبر, والمدينة, التي كانت تعرف بيثرب،
المصدر: http://www.kaldaya.net
نشرت فى 14 ديسمبر 2009
بواسطة moneelsakhwi
عدد زيارات الموقع
1,169,628
ساحة النقاش