<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
مقترحات عملية لتطهير المؤسسات الحكومية
لا يوجد أدنى شك في أن كل مؤسسة من مؤسسات الدولة، أي دولة، يوجد فيها العديد من المفسدين والمرتشين وأصحاب النفوذ والمنتفعين بالفساد الذين عششوا وفرخوا في أماكن تواجدهم وأصبحوا يشكلون مراكز قوى جديدة، بل أصبحوا سرطانًا يحتاج إلى معجزة لاستئصاله وإنقاذ المجتمع من خطره وشره، وأن المجتمع لن ينصلح حاله وتستقيم أحواله وتعود إليه عافيته واستقراره إلا بذهاب هذا الداء الوبيل والشر المستطير، إن وجود أمثال هؤلاء في جسد المجتمع يؤدي إلى استمرار وهنه وضعفه وتراجعه، إنهم يشكلون عقبة كئودًا في طريق التجديد والتغيير نحو أوضاع مستقيمة، نحو مجتمع إيجابي نزيه، نحو حياة نظيفة طاهرة.
والتوجه نحو مؤسسات الدولة لتطهيرها من الفساد والمفسدين لم يعد أمرًا استحسانيًّا، ولكنه أصبح ضرورةً سياسية وأمنية وواجبًا وطنيًّا، فالعمل على تطهير المجتمع من الفساد هو الطريق الأمثل نحو إيجاد بيئة عمل صحية منتجة يشعر فيها الناس بالعدالة والمساواة، وتشجع على التفاني والإخلاص والرغبة الصادقة في حمل المسئولية والأمانة، تشيع فيها أجواء الاستقرار والاطمئنان، وتسود فيها مشاعر المحبة والتلاحم والتكافل، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن تقوم الجهات التربوية والرقابية والقضائية بممارسة دورها المنوط بها وفق صلاحياتها الممنوحة لها واستقلاليتها في تتبُّع الفساد واستئصال أسبابه وجز رءوسه وقطع دابرهم، والضرب بيد من حديد على كل مَن تسول له نفسه المساس بحقوق المواطنين.
وبدلاً من أن نقف جميعًا في خندق النقد وتوجيه اللوم لهذا أو ذاك، أرى من الأفضل أن نكون عمليين ونسهم في البحث عن الخطوات العملية التي تساعدنا في القضاء على الفساد والمفسدين في مجتمعنا الجديد، وسنحاول في السطور التالية أن نشارك المخلصين من أبناء هذا الوطن في تقديم الحلول العملية للقضاء على الفساد والتخلص منه، وتتبلور مقترحاتنا على النحو التالي:
أولاً: على الصعيد التربوي:
1- وضع المناهج التربوية والثقافية عبر وسائل الإعلام المختلفة لإنشاء ثقافة النزاهة وحفظ المال العام عن طريق إستراتيجية طويلة المدى لغرض تحقيق الولاء والانتماء بين الفرد والدولة، حيث إن القانون ليس هو الرادع الوحيد للفساد، وإنما يجب أن تكون هناك ثقافة النزاهة وحفظ المال العام.
2- إشاعة التوعية الدينية والقانونية في المدارس والجامعات والمساجد بأهمية الأمانة بصورة عامة والأمانة الوظيفية بشكل خاص، والابتعاد عن الفساد وبيان حرمة المال العام.
3- إعطاء الدور الريادي لوزارات الثقافة، والتربية والتعليم، والتعليم العالي لوضع منهج دراسي لكل المراحل الدراسية لتكريس ثقافة الحرص على المال العام والنزاهة في التعامل وتقليص روح الأنانية الفردية والسمو بالروح الجماعية.
4- خلق رأي عام يرفض الفساد دينيًّا وأخلاقيًّا؛ نظرًا لآثاره السلبية على التنمية الاقتصادية الشاملة، أي تثقيف المجتمع وتحويل الولاء بصورة تدريجية إلى الأمة والدولة، وفي هذه الحالة يكون لوزارة الإعلام دور كبير وفعال في هذا الاتجاه.
5- زيادة برامج التوعية والتثقيف ضد الفساد الإداري ونشر ثقافة الولاء والتفاني في العمل لتحقيق المصلحة العامة.
6- اعتماد إستراتيجية شاملة ودقيقة تتضمن إجراءات رادعة ووقائية وتربوية واضحة، وضمن سقف زمني محدد، توجه من خلاله ضربات قاصمة للمؤسسات والأفراد الفاسدين والداعمين للفساد في جميع المستويات الإدارية وبدون استثناء، وتعتمد الخبرات والكفاءات الوطنية وتأخذ بعين الاعتبار مبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ووضع آليات موضوعية للتوصيف الوظيفي في اختيار المسئول.
ثانيًا: على الصعيد الإداري:
1- تبسيط وسائل العمل باستخدام الوسائل الحديثة بما يضمن تحديد مهلة زمنية لإنجاز المعاملات في الدوائر الحكومية بأقل كلفة ممكنة وبأسرع وقت وأقرب مكان ممكن.
2- تقليل الروتين وتبسيط إجراءات العمل وسرعة إنجاز المعاملات إلى الحد الذي لا يتيح للموظف سهولة التلاعب.
3- إجراء تنقلات دورية للموظفين المكلفين بتقديم خدمة عامة كلما أمكن ذلك.
4- وضع تصنيف واضح للوظائف العامة وفق طبيعتها والمهام المكلف بها كل موظف تتضمن المؤهلات العلمية ومعايير الخبرة.
5- إعادة النظر في أساليب العمل المتبعة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتبسيطها وجعلها أكثر مرونة، وتحديد أصول إنجاز المعاملات بشكل واضح.
6- العمل على جعل عملية تقويم أداء الموظفين والمؤسسات عملية مستمرة لكشف الانحرافات وتصحيحها بصورة مستمرة والحيلولة دون استمرار هذه الانحرافات لتصبح جزءًا من الثقافة السائدة في العمل.
7- العمل بمبدأ الشفافية في جميع المرافق والمؤسسات الحكومية.
8- تصميم برامج للإصلاح الإداري من خلال مقارنة بين الإجراءات الإدارية المتخذة في القطاع العام ومثيلتها في القطاع الخاص، فمن المعروف أنه كلما زادت الفجوة زادت المساحة الممكنة للفساد.
9- تقوية العلاقة بين الأجهزة الإعلامية وأجهزة مكافحة الفساد الإداري، فتعمل الأولى على نشر حالات الفساد التي يتم مكافحتها من قبل الأخرى بهدف نقل الصورة واضحة عما تحققه هذه الأجهزة من إنجازات.
10- توحيد الأجهزة الرقابية وتحديد صلاحياتها وفك ارتباطها بالدوائر الحكومية التي يعملون بها بشكل مباشر، وتعزيز دور جهاز الكسب غير المشروع بما يملكه من خبرات في مجال كشف الخروقات.
11- الاختيار الصحيح للأشخاص المتصفين بالنزاهة من هيئات الرقابة والمفتشين وإدارات الكسب غير المشروع.
ثالثًا: على الصعيد الاقتصادي والمالي:
1- الشروع في إصلاحات اقتصادية ومالية في مختلف مناحي الحياة في الدولة، وهي مسألة ليست مقتصرة على محاربة الفساد بل تتعداها إلى صعيد المقارنة التنموية الشاملة ووضع الخطط الاقتصادية الكفيلة بمعالجة ظواهر البطالة والتضخم اللذان يولدان الفساد في أشكاله المختلفة.
2- تحقيق العدل في توزيع الثروات والدخول واقتلاع الحرمان من جذوره باعتباره المورِّد الأساسي للفساد.
3- التأكيد على تحقيق توازن اقتصادي كبير ورفع المستوى المعاشي للمواطن سواء كان موظفًا ضمن دوائر الدولة أو مواطنًا عاديًّا للنهوض بالمستوى الاقتصادي للفرد والتركيز بشكل كبير على النوع الأول انطلاقًا من مبدأ: "لا تضع جائعًا حارسًا على طعام".
4- تنشيط مؤسسات الضريبة والجمارك وتعزيز كوادرها بأصحاب الكفاءة والخبرة.
5- اعتماد مبدأ الشفافية في العقود والمناقصات الحكومية.
6- مكافحة البطالة والتضخم (البطالة المقنعة) عن طريق توفير فرص العمل وتشجيع الاستثمار المحلي ومنع الاستيراد لتنشيط الصناعة الوطنية.
7- وضع أنظمة فعالة وجدية لتقويم أداء المؤسسات الحكومية من خلال مبدأ محاسبة تكاليف الفساد المادية وغير المادية لكي لا تكون مبررًا لتجميد إلغاء خطط مكافحة الفساد لارتفاع تكاليفها عن تكاليف الفساد نفسه.
8- أخذ التدابير الوقائية والعلاجية والعمل على تفعيل القوانين ووسائل الردع وتطوير النظم الرقابية.
رابعًا: على صعيد القانون والتشريعات:
1- توسيع دائرة الرقابة والشفافية والمساءلة، بما يعني مشاركة قوى المجتمع المدني وإشاعة الأساليب الديمقراطية في كل مناحي الحياة، وضمان سلامة وعدالة أعمال الرقابة والتحقيق والمقاضاة، وأن تشمل الإجراءات هذه كل موظفي الدولة دون استثناء.
2- تشريع القوانين والأنظمة التي تسهم في مكافحة الفساد بكل أشكاله، خاصةً ما يتعلق منها بطرق غسيل الأموال.
3- الاستفادة من دور الإعلام في تسليط الضوء على الجهات التي ترعى الفساد واستخدام الإعلام في حشد الرأي العام لفضح الفساد والمفسدين.
4- تشجيع ومكافأة من يقوم بالإبلاغ عن حالات الفساد؛ ليكون ذلك حافزًا لكل مواطن في كشف ما تقع عليه عينه من فساد أو فاسدين في مختلف المؤسسات الحكومية.
5- الاستفادة من خبرات المؤسسات الدولية في مجال مكافحة الفساد.
6- تفعيل دور المؤسسات الرقابية، وتشجيع الرقابة الداخلية في مؤسسات الدولة وتفعيلها، إضافة إلى تحديد واجبات وصلاحيات كل الهيئات والمؤسسات الرقابية العاملة وتوحيد جهودها.
7- تفعيل دور الجهات الرقابية حسب الاختصاصات ضمن الوزارات المعنية (وزارة المالية – وزارة الداخلية – وزارة العدل).
8- إصدار قوانين صارمة لمنع إهدار الأموال العامة والفساد الإداري والمساءلة الجدية للمتورطين في الفساد.
9- إنشاء أجهزة أمنية تراقب التصرف بالأموال العامة، قد ترتبط برئاسة الوزراء مباشرة أو ضمن أجهزة وزارة الداخلية.
10- تعديل قانون الحصانة الممنوح للوزراء وأعضاء مجلس الشعب لتمكين الجهات القضائية والرقابية في التحقيق والمساءلة في قضايا الفساد المرفوعة ضدهم.
فهذه مقترحات عملية لمواجهة الفساد والمفسدين في المجتمع المصري، ولعل تفعيلها وتطبيقها يسهم بصورة كبيرة وفعَّالة في تطهير مؤسسات الدولة وإعادتها إلى نزاهتها ودورها الحقيقي، وأتمنى – ويتمنى معي كل المصريين - أن تجد هذه الكلمات آذانًا مصغية، وقلوبًا واعية، ونفوسًا صافية، وأفئدة مخلصة؛ لنحقق ما نصبو إليه من الخير والاستقرار لأهلنا وبلادنا.
كما نتمنى أن تجعل الحكومة المصرية المخلصة قضية تطهير مؤسسات الدولة في صدارة أولوياتها إذا أرادت أن يكون لجهودها ثمرة حقيقية وأثرًا ملموسًا على أرض الواقع يشعر به المواطنون ويرضون عنه، أما بغير ذلك فلن يكون هناك تغيير حقيقي إلى الأفضل، وستكون هذه الحكومة كسابقتها، حكومة لاستهلاك الوقت واستنزاف الجهود وتطييب الخواطر وتضييع الثورة وثمارها.
د/ محمد علي دبور
كلية دار العلوم – جامعة القاهرة
وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
ساحة النقاش