العهد المملوكي

 

مرت عاصفة المغول دون أن تصيب بيت المقدس بشيء . وبعد دحر المغول أنهى المماليك بقايا الوجود الفرنجي في فلسطين ومناطق الشام الأخرى .

حظيت بيت المقدس بعناية خاصة في العهد المملوكي ، وبعد أن كانت تتبع نيابة دمشق ، تحولت إلى نيابة مستقلة تتبع لها ولايات الخليل ونابلس والرملة .

 

شاركت نيابة القدس مع النيابات الأخرى الشامية في حروب المماليك ودفع الأخطار عن الشام . رغم أن العهد المملوكي الذي بدأ قويا في فلسطين مع هزيمة التتار في معركة عين جالوت سنة ألف ومئتين وستين للميلاد ، انشغل  لثلاثين سنة أخرى في حروب الفرنجة ، ودرء الأخطار المغولية المتجددة وشهد كسابقه الأيوبي خصومات ونزاعات على السلطة . إلا أن بيت المقدس ظلت لها الحظوة وشهدت نهضة  كبيرة .

 

كان نظام النيابات الذي أقامه المماليك أشبه بالممالك المؤسسة على الإقطاع العسكري ، وزاد في نيابة القدس مكانتها الدينية ، ولذلك كان نائب القدس غالبا ما يتولى أيضا نظارة الحرمين الشريفين في القدس والخليل .

قبل أن تصبح نيابة القدس مستقلة ، كان نواب القدس يقيمون في قلعة المدينة الواقعة قرب باب الخليل ، وعندما استقلت النيابة نزل النواب زاوية الدركاء ثم المدرسة الجادلية بعد بنائها ، وقد تحولت إلى دار للنيابة .

 

استقرت في القدس حامية قوية لحفظ أمنها وللمشاركة في حروب السلطة متى استدعى الأمر ذلك .

تتضح مكانة القدس خلال العهد المملوكي ، ليس من حجم البناء الذي قام به أمراء المماليك وحسب ، ولكن من طبيعة الوظائف الهامة فيها ، والتي مزجت بين أمور الدين والدنيا .

وأهم هذه الوظائف : - النظارة ، كانت وظيفة ناظر الحرمين الشريفين من أقدم الوظائف في القدس وأهمها ، وهي وجدت زمن الأيوبيين ، لكن قواعدها ترسخت في عهد المماليك ، كان على الناظر الإشراف على حرمي القدس والخليل

 

والعناية بهما من جميع الجوانب لا سيما ما ارتبط بترميم الأبنية وإصلاحها، معتمدا على الأوقاف الكثيرة ومواردها المخصصة لهذا الغرض .

وفي وقت ما ،  كان ناظر الحرمين في القدس يشرف على الحرمين في مكة والمدينة ، وعندما لم تكن النظارة تسند إلى نائب القدس ، يتولاها واحد من العلماء الأجلاء  يعين بمرسوم من السلطان .

 

مشيخة الصلاحية : وتأتي في المرتبة الثانية بعد النظارة ، والمقصود مشيخة المدرسة الصلاحية وكان شيخ المدرسة يعين بمرسوم سلطاني ، ويعتبر أحد أهم ثلاث شخصيات في المدينة مع النائب والناظر ، وكان شيخ الصلاحية يشغل أحيانا منصب قاضي القضاة أيضا .

القضــــاة : وكان يتم تعيينهم من قبل قاضي القضاة في دمشق ، ثم بعد أن صارت القدس نيابة مستقلة ، كانوا يعينون بمرسوم سلطاني .

 

الخطـــابة في المسجد الأقصى ، وقبة الصخرة والمسجد الإبراهيمي في الخليل : كان الخطباء يعينون في نيابة القدس بمرسوم سلطاني ، ويجمع بعضهم إلى الخطابة مشيخة المدرسة الصلاحية ، وأحيانا منصب قاضي القضاة .

وظائــــف التدريس : تمتعت القدس في العصر المملوكي بنهضة ثقافية عظيمة ، وكان من مزايا ذلك العصر التوسع المستمر في بناء المنشآت من مساجد وتكايا ومدارس . وبلغ عدد المدارس في القدس أربعين مدرسة ، وتدفق العلماء من بغداد بعد أن دمرها المغول إلى القدس ليساهموا في نهضتها العلمية .

 

وكانت المدارس المقدسية أشبه بجامعات لها نظمها وقوانينها الخاصة ، ولم يحظ بوظيفة التدريس إلا عالم مقتدر ، لذلك كانت مكانة المدرسين عالية

وتأتي بعد ذلك وظيفة المحتسب وناظر البيمارستان ، وهي أشبه بوزارتي المالية والصحة على التوالي .

شاع جو من التسامح داخل القدس ، لكن السلطات المملوكية متأثرة بفصول الحملات الفرنجية تشددت في مراقبة الحجاج المسيحيين القادمين من أوروبا لزيارة القدس . وفرضت عليهم ضرائب .

 

أما أهل بيت المقدس من المسيحيين ، فكانوا يبنون كنائس جديدة، ويرممون ما يحتاج منها إلى ترميم ويحظون بدعم نائب القدس ورعايته، وتشير كتب التاريخ إلى أن الأكثر حظوة كانوا من الأقباط واليعاقبة العرب...

أسهم الحج المسيحي ، وتوجه العرب من المسلمين والمسيحيين إلى سكنى المدينة ، في سرعة ازدهارها وعرفت من بين النيابات الثرية في السلطة المملوكية على اختلاف أطوارها ، كما شهدت جور بعض النواب في  جباية الضرائب المرتفعة ، في العهود المملوكية المتأخرة ، ما أثار غضب المقادسة على أولئك النواب وعلى السلطة التي حاولت جرهم إلى معارك لم يكونوا ليروا مصلحة لهم فيها ، مع اقتراب الخطر العثماني على الدولة المملوكية .

 

mohamedeldeb

محمد الديب

  • Currently 24/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 1383 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mohamedeldeb

محمد الديب

mohamedeldeb
محمد الديب طالب فى كلية العلوم اهوى القراءة فى شتى المجالات اهوى الكتابة شعرا ونثرا احاول نشر الاهتمام بالعلوم والثقافة بين الناس اؤمن بعدم جواز الفصل بين العلم و الادب فكلاهما يكمل الاخر »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

223,740