هل يصلح الإخوان المسلمون لحكم مصر؟ (الحلقة الثالثة والأخيرة)
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
13 مايو2012
01227435754
جماعة مغلقة داخلية سِرية الهوية ذات مصلحة خاصة، ثم خلط الدين الحنيف بالسياسة الانتهازية، كانا السببين الرئيسين لعدم صلاح الجماعة الإخوانية لحكم مصر في المقالين السابقين. أما السبب الذي يتناوله هذا المقال فهو "سابقة الأعمال الفاشلة"، وذلك بمعنى عدم فعالية تحقيق الجماعة حتى لأهدافها الخاصة، ثم الإضرار بالمصالح الوطنية عبر تاريخها.
لقد رأيت في حياتي أشخاصا لا يتعظون، قادوا حياة فاشلة تدعو للعطف والشفقة يكررون نفس الأخطاء في حياتهم بالرغم من أنهم هم المسئولون عن هذا الفشل الرهيب وتلك الحياة البائسة التي يعيشونها. يذكرني الفرد منهم بجماعة الإخوان المسلمين.
أربعة وثمانون عاما من التخبط لا نرى فعالية تذكر لجماعة الإخوان المسلمين. إذا كان الهدف دعويا، فالأخلاق والثقافة والتدين الحقيقي لم تكن جميعها منجزات يشار إليه بالبنان ولو فيما يتعلق حتى بالجمهور الممثل والداعم لهذه الجماعة على السواء. وإذا كان الهدف اقتصاديا، فأبشر فما ازدادت مصر إلا فقرا عبر هذه السنين باستثناء بعض من فترة عبد الناصر، وإذا كان الهدف سياسيا، فحدث ولا حرج، ومن أجل ذلك جميعا قامت الثورة. طبعا، لم تكن الإخوان مسئولة عن هذا التخلف بمفردها، ولكن للأسف الشديد قد ساهم سلوكها في شَغْل الدولة المصرية عن التنمية الحقيقية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا وعسكريا. وتتمثل نقاط فشل الجماعة في الكثير الكثير لا يسعنا إلا أن نذكر منها ولمجرد التوضيح القليل القليل:
- كان الإمام البنا فطنا عندما تراجع بناءً على نصيحة النحاس باشا عن تقديم مرشح الإخوان آنذاك، ثم شكلت وزارة النحاس 1950 وأفرجت عن الجماعة التي كانت متهمة باغتيال النقراشي عام 1948، والذي تسبب في اغتيال الإمام البنا عام 1949. وبدأت الجماعة في ارتكاب الخطأ تلو الخطأ دون تعلم من دروس التاريخ، حيث عادت لتفرض إيديولوجيتها على ثورة 52 وجمال عبد الناصر، فرفضت الاشتراك في الحكم فأدخلهم عبد الناصر السجون بتهمة اشتراكهم في اغتياله بالإسكندرية، ثم عادت الجماعة عام 1965/1966واتهمت بقلب نظام الحكم وأعدم الشيخ سيد قطب وآخرون من رموز الجماعة، ثم عادوا عندما أفرج عنهم السادات ليضرب بهم اليساريين والشيوعيين كأداة لتحقيق مآربه هو شخصيا، ثم عادوا ليستخدمهم حسني مبارك كفزاعة تحت مسمى "الجماعة المحظورة" ليستتب بها حكمه الدكتاتوري واستقراره الفرانكنشتاني ليمتص ثروة مصر ودماء شعبها، ثم تعود مرة أخرى لتهرول وراء دعوة المجلس العسكري بعد ثورة يناير المستنيرة ليستخدمها كوسيلة فعالة لإحداث الفوضى وإجهاض الثورة الينايرية الحبيبة تحقيقا لمصالح الطرفين الخاصة.
- انحرفت الجماعة عن الأهداف الدعوية الأصلية وتبنت الأهداف السياسية المتمثلة في إقامة الدولة الإسلامية ثم الخلافة ثم أستاذية العالم، دون أن تعلم أن ذلك إنما هو هدف خيالي فاشي لا يتناسب وواقع العصر الحديث، واستمرت في تحقيقه بطريقة عشوائية خلت من إستراتيجية وسياسة وخطط محكمة، وإنما اتسم نشاطها "بالتهام الجَزَرَة المعلقة في رقبة الحمار" ففقدت الرؤية للدرجة التي لم تعِ على سبيل المثال ضرورة التدرج في احتلال موقعها السياسي وتأجيل انخراطها في السلطة بعد الثورة إلى ما بعد الفترة الرئاسية الأولى بعد بناء دولة المؤسسات وتعجلت في التهام ثمار ثورة لم تبدأها ولم تكن تخطط لها، ولم تر خطورة التعديلات الدستورية القاتلة، ولم تر خطورة المادة 28 التي وافقت عليها أولا والآن تلعنها، ولم تر نفعية الإعلان الدستوري وإجهاضه للثورة ناهيك عن ضبابيته وخضوعه لتفسيرات المجلس العسكري كما يشاء، ولم تر أن المغالبة لا المشاركة سوف تعطل من أهدافها في سرعة كتابة الدستور، ولم تر من قبل ذلك أهمية الدستور أولا مما أطال من المرحلة الانتقالية إلى ثلاث أضعافها وربما سيزيد.
- تعتبر الجماعة الإخوانية هي الأم البيولوجية للتطرف الديني والجماعات الجهادية والانشقاق الإسلامي المحلي والعالمي. وإذا صحت بالفعل هذه الرؤية التي يتخذها كثير من المحللين لحركات التطرف الديني لكان ذلك بمفرده جريمة لا تغتفر في حق الإسلام والمسلمين في مصر والعالم كله. وحتى هذه اللحظة لا زال هناك انشقاق بين الإخوان المسلمين والحركة السلفية الوهابية التي انتشرت بعد الهجرة للسعودية بعد الرخاء النفطي تمثل في انتقاد شيخ السلفية الراحل الشيخ بن باز للإخوان المسلمين على عدم تأكيدهم على التوحيد والسنة واتباع السلف الصالح في منهجهم وسلوكهم الذي يدعو إلى تجميع المذاهب الإسلامية طالما يتحقق بسببه أهداف الجماعة السياسية بالدرجة الأولى. وقد انعكس هذا الواقع أخيرا علي سبيل المثال في تأييد السلفيين للدكتور أبو الفتوح كمرشح لهم في الرئاسة بالرغم من وجود مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي.
- لقد تمثل تخبط الإخوان في مرحلة الفترة الانتقالية ما بعد الثورة الينايرية الحبيبة في عدد لاحصر له من التناقضات والانتهازيات العديدة، منها على سبيل المثال عدم مشاركتهم فعليا في إسقاط مبارك قبل الثورة، ورفضهم المشاركة في 25 يناير وبدؤوا فقط بموقعة الجمل التي اعتبروا أنفسهم أبطالها، ومع ذلك فقد تعاونوا مع عمر سليمان من أجل التهدئة وإجهاض الثورة، وكانوا يدعمون شفيق وفي نفس الوقت يحتفلون بالتنحي، واشتركوا في الهجوم على بعض المعتصمين بعد التنحي وأرشدوا عن ضباط 8 ابريل، دعموا شرف بالرغم من سلبيته وكذلك الجنزوري الذي قلبوا عليه عندما استشعروا قوة شوكتهم في البرلمان، لم يشاركوا في أغلب الإعتصامات ولم يهتفوا بسقوط حكم العسكر إلا عندما تبين لهم استغلال العسكر لهم، لم يعتصموا أبدا من أجل الثوار المحاكمين عسكريا، انقلبوا على شبابهم الذي يُعْمِلُ عقله ويحاول اتباع ضميره الثوري، كانوا يسعدون بلقب الفزاعة ما دام لهم 88 كرسيا ببرلمان 2005، قاموا بطمأنة أمريكا وإسرائيل على الانبطاح والخضوع لهما ناسين أن أهم ثوابت الجماعة هو عدم الاعتراف بإسرائيل كما صرح بذلك مرشدهم الأسبق.
الخلاصة: إلى متى سيستمر "الإخوان المسلمون" في ارتكاب نفس الخطيئة مساهمين في عرقلة بناء الدولة المصرية؟ إلى متى ستستمر هذه الجماعة في العمل كسلاح يستخدمه الطغاة لتحقيق مآربهم؟ إلى متى ستدرك الجماعة أن هناك دولة ومجتمعا مصريان يحتاجان إلى البناء والتنمية؟ أما آن الأوان أن تدرك الجماعة السياسية الإخوانية أن هناك أوراما ودمامل في جسد المجتمع المصري أنشأتها فيروسات حكم مبارك الطاغية تسمى "الفتنة الطائفية" ولا تتحمل جراحات الإخوان المسلمين الطائشة؟ ألا يشعر الإخوان السياسيون الآن أنهم بسذاجتهم السياسية لا زالوا يستخدمون كأدوات وأسلحة يوجهها الحكام الطغاة أينما شاءوا؟ إن الدور الحالي للإخوان السياسيين، ومن معهم من الإخوان المستسلفين، يمثل محكا واختبارا حقيقيا لمدى صدق الانتماء الوطني لهذه الجماعة وتفضيل المصلحة الوطنية على المصلحة الجماعية أو الإيديولوجية الخاصة بفصيلهم. عودوا إلى الدعوة وارفعوا أيديكم عن السياسة، ويا ليتنا نلغي من عالم السياسة المرشد والإرشاد ومجالسه ومصطلح الإسلام السياسي الذي لن يعود بنا إلا إلى التخلف والرجعية والانبطاح للفاشية الصهيونية والتبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ساحة النقاش