تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

الخروج من مأزق ذبول الثورة بالذكاء الثوري

بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

01227435754

5 ديسمبر 2011

لا تقوم الثورات في المجتمعات السعيدة التي تنتشر فيها السعادة عبر فئات المجتمع رأسيا، أي بداية من القلة الحاكمة وصولا إلى اليد العاملة، وأفقيا أي عبر الفئات والطوائف المختلفة على نفس المستوى الطبقي الاجتماعي. تقوم الثورات عندما تؤدي ظروف الحياة إلى توتر ومعاناة وعذاب يعم فئات الشعب المختلفة. ولا تقوم الثورات إلا من خلال طليعة أو فئة معينة من الشعب المعذب، حيث تتميز هذه الطليعة بالوعي بما يمكن أن تكون عليه الحياة من ظروف تزيل العذاب والتوتر وتحقق مطالب الشعب وآماله. ولذلك فلا يقوم العبيد أو الجوعى أو المرضى أو الأميون بالثورات. وتتميز هذه الطليعة، بوعيها هذا، بذلك الإحساس بالفرق بين الواقع المؤلم والمستقبل السعيد بعد الثورة، ومن ثم فتشعر تلك الطليعة باتساع الفارق بين الواقع والمأمول، وهنا تكتسب ما يمكن تسميته بالتطلعات المتزايدة ذات السقف العالي. ومن ثم فتتفق هذه الطليعة على أهداف ووسائل معينة تحقق السعادة للشعب. وقد تبلورت تلك الأهداف والوسائل بالنسبة للثورة المصرية في كلمات بسيطة كانت هي المطالب الواضحة والمحددة والدقيقة والمختصرة، ألا وهي العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

قامت ثورة 25 يناير بعد ثلاثين عاما من مقدار من الاستبداد والدكتاتورية والقمع والتعذيب والفقر والمرض والمعاناة ما كان يكفي لتوليد عدة ثورات وليس ثورة واحدة. وبالرغم من حدوث بعض الانتفاضات الفئوية والنقابية والطلابية إلا أنها كانت تُقمع جميعا إلي أن تبلورت طليعة فعالة بوعيها الشبابي والإلكتروني لكي تفجر ثورة 25 يناير المستنيرة. ولذلك فقد سجل الشباب المصري ما كان هو أهل له، وما هو متوقع منه لكي يحرك الثورة عبر الأشهر العشرة الماضية بالرغم من المقاومة الهرقلية من جانب المجلس العسكري والقوى الرجعية داخل البلاد وخارجها والتي أدت إلى استشهاد المئات وإصابة الآلاف بالعاهات الخطيرة والمحاكمات العسكرية لأكثر من 12000 من شباب مصر الأطهار.

قامت الثورة من أجل العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. هذه الأهداف هي ما أطلقت في ميادين مصر 20 مليونا من الشعب المصري يوم 11 فبراير، يوم تنحي الطاغية الذي مضى مع كهنته أكثر من ثلث عمره وهو يرتكب الجنايات القانونية والخطايا الأخلاقية في حق رعيته المساكين من شعب مصر.

لم تقم الثورة من أجل إحياء الدين الإسلامي في مصر الحبيبة، عقر دار الإسلام ومنار إشعاعه. لم تكن ثورة وهابية، ولم تكن ثورة أزهرية، ولم تكن ثورة قادها شباب المعاهد الأزهرية، بل على العكس تماما كانت ثقافتها الحرية الدينية والتسامح الطائفي الديني لدرجة اختلط فيها الدم القبطي بالدم الإسلامي، وتعانقت فيها المراسيم الإسلامية التعبدية بالمراسيم القبطية التعبدية. فما الذي حدث بعد الإدارة العسكرية الفاشلة لمرحلة ما بعد الثورة التي لا زلنا نتعثر فيها حتى شهرها العاشر الآن. لقد تعمدت الإدارة العسكرية منذ لحظة تكليف المستشار البشري ومعه المتشدد صبحي صالح لتعديل المواد الدستورية حتى إطلاق سراح جميع المعتقلين الدينيين فجأة وبصورة جماعية ثم استمرار التودد المتبادل بين المجلس العسكري ورموز التيار الإسلامي إلى أن انتهت المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، وهي المطلب الملح للتيارات الإسلامية والمجلس العسكري علي السواء، بهذا الاكتساح غير المتوقع لهذا التيار في أكبر انتخابات مزيفة في تقديري الشخصي، انتخابات ضلل فيها عقل الشعب وزيفت إرادته بوسائل أعمق من مجرد تغيير أو تزييف أوراق التصويت في الصندوق الانتخابي. وهو تزييف أدى إلى نتيجتين أساسيتين: الأولى - إيهام الشعب البسيط، وهو الغالبية، بأن التصويت هو اختيار بين الإسلام والكفر، الإسلام هو حزبا الإخوان والسلفيين، والكفر هو جميع الأحزاب الأخرى. النقطة الثانية – الخوف من الغرامة الكبيرة (500 جنيه) وما تبعها من استغلال للخائفين منها، بالرغم من وجود المتمردين على هذا الاستغلال لدرجة أنني سألت مواطنا أميا، ولكنه ليس بغبي، سألته من انتخبت؟ فقال أنا عارف .. أنا علمت على ثلاث حمير وخرجت. ولن أفصل في هذا الأمر لمجرد الاقتناع بأنه قد سبق السيف العزل.

كيف يمكن أن يَرُد من حصد الجميلَ إلى من زرع؟ هؤلاء الذين اعتلوا مقاعد البرلمان، كيف يردوا الجميل إلى الشباب المصري صانع الثورة ومفجرها وإلى شهدائها الأطهار؟ أظنهم لن يردوا الجميل، بل ينكروه بالفعل وقد أعلنوها ثورة وهابية قد ساعدهم المجلس العسكري على إجهاض الثورة الشعبية وسرقتها في تلك الجولة الحالية، والتعبير الأدق هو أنهم هم الذين قد ساعدوا المجلس العسكري على إجهاض الثورة وقمعها. ولكن هل ستستسلم الطليعة الثورية الشبابية الجبارة ومعها شعب مصر الحر؟ هيهات هيهات، فالبضاعة لابد أن ترد إلى أصحابها، ولابد أن تتحرك مصائر الحياة نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية غاية كل التغيرات العصرية في القرنين العشرين والحادي والعشرين رغما عن إرادة المجلس العسكري، ورغما عن حكام طره، ورغما عن إرادة التيار الإسلامي المتواطئ، ورغما عن الإرادة الأمريكية والإسرائيلية، ورغما عن إرادة الدول الخليجية. ولن يستغرق هذا التحول الصحيح للثورة المصرية إلا سنوات معدودة قليلة وليس 82 سنة مثل الثورة الفرنسية أو أكثر من 90 سنة مثل الثورة الروسية حتى استقرت الديمقراطية في الأولى وعلى وشك التحقق حاليا في الثانية.

أنا لا أخاطب هؤلاء الشيوخ السلفيين أو المتعصبين من الإخوان الآخرين، لأنهم سوف يتعلمون من تلقاء أنفسهم من شبابهم، ذلك الشباب الذي يسمع من شيوخه الآن فيطيعهم دون تردد أو تأمل. ذلك الشباب الذي سيكتشف أن مصلحته ورخاءه في الدنيا والآخرة هي في بناء دولة حرة ديمقراطية قوية كريمة عادلة تُضاء بالعلم وتُوَجه بالسماحة والقيم الإنسانية السامية التي مصدرها دينُ الله سبحانه وتعالى الذي تَمم مكارم أخلاقِه الحبيبُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم.  

أيها الشباب من كل الطوائف والطبقات والانتماءات، أنتم من الثامنة عشر إلى الخمسين تكونون ما يقرب من 60% من الشعب المصري. أنتم الفئة الفاعلة من هذا الشعب، ومن ثم فعليكم مسئولية كبيرة لا يمكن تحقيقها إلا بالوعي والفهم الصحيح والتأمل وعدم الانقياد إلى كل ذي صوت أو كل ذي هالة، تخيروا من تنصتون إليه في كل مقامٍ معين. فعلى سبيل المثال، وفي مجال السياسة وإدارة الدولة وقيادتها هل تنصتون إلى الدكتور البرادعي أم إلى الشيخ حازم أبو اسماعيل. طبعا الأول أنا أنصتُ له في مجال السياسة حيث يعلم ويتصل بالقوى السياسية العالمية والمحلية، ويعلم كيف يدير الدولة كما أدار 2500 عامل في الهيئة الدولية للطاقة الذرية بكل نجاح وكفاءة، ويعلم كيف ومن يتصل به من كبار رجال الأعمال العالميين والمحليين للاستثمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويعلم كيف يتعامل مع إسرائيل وأمريكا بطريقة حكيمة يتقي فيها شرهما ويوقف بطشهما ... وإلى غير ذلك كثير. أما الفاضل الشيخ حازم أبو إسماعيل فأنصتُ إليه بقلب خاشع وروح مطمئنة وهو يعلمني التوحيد في المسجد، وهو يعلمني معنى وكيفية تسبيح الله سبحانه وتعالى وتمجيده، وهو يعلمني أخلاق القرآن المتجسدة في سلوك الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم والممثلة أيضا في سلوك السلف الصالح من الصحابة والتابعين. أما في السياسة فلا يكون سيادته إلا مواطنا شأنه شأني وشأن سيادتك، وليتفرغ لما هو مؤهل له ولما هو ميسر له.

ابني والحمد لله في السابعة والأربعين، يعنى لا زال في فئة الشباب. ومن ثم فأناديكم أبنائي الشباب تمسكوا من أجل أنفسكم ومستقبلكم ومستقبل أبنائكم بأعظم نعمة وهبها الله لمصر في مطلع هذا العام وهي الثورة الينايرية المستنيرة. تلك الثورة التي ستحيي مصر بعد موات طويل، وتكرم شعبها بعد ابتزاز واستعباد مرير، تلك الثورة التي يحاول الرجعيون إجهاضها الآن، وقد نجحوا جزئيا حتى الآن، ولكن لن يستمر هذا النجاح طالما أنتم شباب مصر وراءها وحراسها وأصحاب المصلحة الوطنية فيها. والحمد لله أن بشرنا الله بها نحن الشيوخ قبل الرحيل، وهنيئا لكم بها، وهنيئا لها بكم، وادعوا معي قبل صلاة الفجر وأنتم في معزل "اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه." والحمد لله رب العالمين.

المصدر: أ.د. محمد نبيل جامع

ساحة النقاش

asmaaeldsouky

أعلم أنه لا يمكن رد النهر إلى المصب ولا يمكن أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء ولكن ما يحزننى الشعور بالحرث فى الماء وكما يقول الشاعر " هل تسكن نفس متشعبة ذات انقسام وينفع أنس بيت بلا نظام "كيف نشعر بالأمان والطمأنينة فى وجود حالة الانقسام الرهيبة بين كل أفراد الشعب والنزاعات المنتشرة فى كافة المجالات حقا هذه قمة الفشل " فلا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " .

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

100,715