أقوى الحركات

 

في جلسة جرت منذ أيام مع كبرى خالاتي ، رحمها الله ، راحت هذه السيدة الكريمة ذات الوجه السمح الوضّاء  تتحدث لي عن ذكرياتها أيام كانت مديرة لإحدى مدارس حلب الشهباء  يوم كان التعليم تعليماً بكل معنى الكلمة .... وفي سياق أخبارها حدّثتني عن جلسة حضرتْ فيها لتحدث جمع المعلمين الجدد عن كيفية إعطاء درسٍ في حركات الهمزة فكتبت لهم بعض الأمثلة مرتبة بأقوى حركاتها .... وسألتهم كيف يشرحون لطلابهم حالات حركة الهمزة ... لكنها لم تسمع ما يثلج صدرها فأتت لهم بهذا المثال: 

هب أن لصاً أراد دخول بيت ما فهل يقرع الباب و يستأذن بالدخول ؟ أم أنه يدخل من الشباك فيكسره أولاً (حالة الكسر) ثم ينكمش على نفسه كي لا يراه أحداً (حالة الضم)  ثم يقوم بفتح الشباك (حالة الفتح) ليدخل ثم يسكن حتى يتأكد من عدم وجود أحد أو صوت من حوله (حالة السكون) . 

وعلى الرغم من براعة هذا المثال إلا أنني بادرت هذه السيدة الطيبة بالقول: 

·   لا أظن أن لصوص هذه الأيام تحتاج إلى الكسر و الفتح و الانكماش (الضم) والسكون .. فهم ، بكل ثقة ويقين ، يقرعون أبوابنا باسم القانون ويدخلون بيوتنا باسم القانون ويحتالون علينا باسم القانون ... دون أن يرف لهم جفن أو يشعر أحدهم بالخوف ... كيف لا وقد دخلوا باسم القانون ثم انصرفوا عنا سالمين غانمين .... لهذا فأقوى الحركات في أيامنا هذه هي حركات الشخط و العبوس و الصرامة التي تعتلي سحنة هؤلاء الذين يمثلون القانون والويل كل الويل لنا ، نحن معاشر البسطاء ، إن أظهرنا بادرة احتجاج على ما لا نفهم به ، كما يقولون .

 

·   و أقوى الحركات على المستوى الفني هي حركات الهزّ .... هزّ كل شيء من الرأس إلى الخصر إلى الأرداف .....  و الهزّازون و الهزّازات في الوسط الفني أكثر من أن تعدّهم العدادات حتى أن (( البقر تشابه علينا ))  .... ناهيكِ عن أن الوضع العربي بكامل قتامته يهزّ أي عاقل فينا ليصنفنا مع باقي الهزّازين رغم أنوفنا ....

·   أما في السياسة فأقوى الحركات فيها حركة عدم الانحياز وخاصة عند بعض الأشقّاء العرب الذين لا ينحازون إلى  المقهور و المظلوم و المسحوق ... بل يقفون مع القاتل وقفة عزّ و إباء مخلّدين تلك الصورة التي أذكرها لثلاثة قرود تقول : لا أسمع ... لا أرى ... لا أتكلم !!

·     أما على مستوى  اللغة العربية فأقوى الحركات في أيامنا هذه لم تعد كما كانت ... و لكِ في فضائياتنا العربية أكبر دليل و شاهد على أن هذه الحركات قد أصابها الخللُ والحَوَلْ .... فمذيعٌ ينصب المجرور ... وآخر يكسر المرفوع ..... ومذيعة تقرأ الثاء سيناً .... و أخرى تقلب القاف كافاً فتقول لنا عند الفاصل الإعلاني " ابكوا معنا " !! فكيف لا نبكي أسفاً يا سيدتي على حال لغتنا الكريمة التي أمرنا سيدنا وحبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وسلّم ) أن نحبها لثلاث: لأنه عربي و لأن القرآن عربي ، ولسان أهل الجنة عربي  !!!  

 

محمد جمال الدين السباعي

[email protected] 

حلب

30/8/2006

 

 

المصدر: من أوراقي
mjamalsibaee

إذا الأقوالُ أتبعها فعالٌ *** يحقُّ لنا إلى الدين انتسابا

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 1756 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة mjamalsibaee

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

محمد جمال الدين السباعي

mjamalsibaee
»

عدد زيارات الموقع

57,127