"طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " كتاب قيم للمفكر الإصلاحي عبد الرحمان الكواكبي المنحدر من أسرة سورية عريقة بحلب حيث ازداد سنة 1854 م , ونهل من معين العلوم والمعرفة المتعددة التخصصات واللغات ما أهله لتولي مناصب رفيعة في الإدارة والقضاء .
وبحكم ارتباطه بهموم المواطنين وقضاياهم ,انخرط في العمل الاجتماعي الخيري ,لمساعدة الضعفاء ,والدفاع عن المستضعفين بدون مقابل مادي لإيمانه القوي بمبادئ العدالة الاجتماعية ,وحقوق الإنسان ,والحريات العامة .
وقد تعرض بسبب ذلك لمضايقات زادت حدتها بعد إصداره لصحيفة "الشهباء "- وهي أول جريدة تصدر بحلب - والتي تضمنت مقالاته النارية الداعية للإصلاح ومناهضة الاستعمار العثماني للأقطار العربية الإسلامية ,مما حذا بالوالي العثماني إلى توقيفها ,وعمد بعد ذلك إلى تأسيس جريدة " الاعتدال " , مسخرا قلمه لدعوات الإصلاح ذات المرجعية الإسلامية إيمانا منه بالدور الفعال للمنابر الصحفية في هذا المجال .
وقد سجن بسبب مواقفه السياسية وأفكاره ضد الاستبداد والظلم والطغيان التي سعى لنشرها حيثما حل وارتحل من اسطنبول إلى القاهرة إلى السودان , وباقي الأقطار الإفريقية والأسيوية التي أتيحت له فرصة زيارتها .
توفي بتاريخ : 14/06/1902 بالقاهرة مسموما على يد عملاء أتراك حسب بعض الروايات.
رحل الكواكبي عن هذا العالم تاركا مشروعه الإصلاحي مدونا في مؤلفين هما :
1-طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد.
2-أم القرى .
فكر الكواكبي من خلال كتابه طبائع الاستبداد
الاستبداد عدو الحق ونقيض الحرية ,ومن أقبح أنواع الاستبداد استبداد الجهل على العلم ,واستبداد النفس على العقل .
أفكار الكواكبي مصدرها القران الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ,فالله ينهى عن الاستبداد ويعتبره من الكبائر ,يقول تعالى :"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " سورة هود 113.
<!--" فامى من طغى ,واثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى " النازعات 37- 39
<!-- وقوله جل جلاله :"إن الله لا يظلم الناس شيئا ,ولكن الناس أنفسهم يظلمون " يونس 44.
<!-- أفكار الكواكبي هي نتاج بيئة عاش فيها تميزت باستغلال الدين في أمور سياسية خاصة في عهد الدولة العثمانية بحيث شهد عهد السلطان عبد الحميد مضايقة العلماء المصلحين كالأفغاني و الكواكبي وتقريب علماء السلاطين الذين كانوا يزينون له أفعاله ويفتون وفق رغباته.كما عمل بعد ذلك مصطفى كمال أتاتورك على القطع مع كل ما هو عربي إسلامي تحت تأثير الماسونية والعلمانية .
<!--فالكواكبي يرى بان الداء هو الاستبداد السياسي ودواؤه هو الشورى (وشاورهم في الآمر ).ويرتكز الاستبداد على الحكم الفردي المطلق ,وتوريث الحكم ,واستغلال الدين لأغراض سياسية .
<!--ومن رضي بالظلم ممن ضربت عليهم المسكنة والخنوع ولم ينتفض ضده فجزاؤه كجزاء الظالم المستبد , "كما تكونوا يولى عليكم " ,ومن أعان ظالما على ظلمه سلطه الله عليه .
<!--فإصلاح الدين هو أسهل واقرب طريق للإصلاح السياسي ,ولا مجال لرمي الإسلام بتأييد الاستبداد الذي هو اصل كل فساد , كما أن تراكم الثروات الغير المشروعة مولد الاستبداد,ومضر بالاخلاق العامة.
<!--إن المستبد –حسب الكواكبي – فرد عاجز ,لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور . فالحرية هي شجرة الخلد ,وسقياها قطرات الدم المسفوك .
<!--وان خوف المستبد من نقمة رعيته أكثر من خوفها من بطشه , فعلى الإنسان أن يكون حيث يكون الحق ولا يبالي بغير ذلك ولا يخشى في ذلك لومة لائم .
<!--قواعد رفع الاستبداد هي :
<!--1) الأمة التي لا يشعر كلها أو بعضها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية .
<!--2)الاستبداد لا يقاوم بالشدة إنما يقاوم باللين والتدرج .
<!--3) يجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ما يستبدل به ذلك الاستبداد .
<!--من خلال قراءة متأنية لفكر الكواكبي ,نستشف أن للاستبداد امتدادات في الزمان والمكان ,كان التاريخ يعيد نفسه ,ويربط الحاضر بالماضي ,فما أشبه اليوم بالأمس .
<!--لو قدر للكواكبي أن يرى ما يجري في سوريا اليوم من أحداث لأكد أن الاستبداد ملة واحدة قديما وحديثا سواء كان مصدره الاستعمار أو الحاكم بأمر حزب البعث بشار وريث حافظ الأسد ,الذي تنطبق عليه طبائع الاستبداد كافة وربما كان الاستعمار ارحم منه ,فقد تجاوز ظلمه المدى ,وما انتفاضة الشعب السوري إلا عنوانا لمقاومة المستبد و النضال من اجل إسقاطه ,فقد هبت نسائم الربيع العربي لتقتلع جذور الفساد ,وتزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة , ويجرفهم تسو نامي
<!--التغيير إلى مزبلة التاريخ .
<!--وإذا كان لأفكار مونتسكيو و روسو وفولتير وغيرهم لمسات في الثورات الأمريكية والانجليزية والفرنسية ,فان لأفكار الأفغاني والكواكبي وغيرهم بصمات على ما تشهده الدول العربية من ثورات ضد المستبدين من حكام بلا شرعية ضاقت الشعوب من تسلطهم وقمعهم واستعبادهم طيلة عقود من الزمان ,فإذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ...
<!--جمال مصباح
ساحة النقاش