يا أبطال برقة و ليوث طرابلس...

  مقدمة لنص كان مقررا في مرحلة التعليم الإعدادي بداية السبعينات من القرن الماضي ,يصف مقاومة المجاهدين الليبيين للاستعمار الايطالي ,وهم الذين ابلوا البلاء الحسن  , ودحروا العدو رغم عتاده وعدته بفضل الإيمان بعدالة قضيتهم وجهادهم في سبيل الله والوطن . يذكرنا ذلك بالمعارك البطولية التي قادها أسد الوغى المقاوم الكبير الشهيد عمر المختار ,وكأني بصدى صوته الجهوري  مخاطبا احد القادة العسكريين الايطاليين " قل لجنرالك مكانه ليس هنا..."  .وقولته المشهورة " نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت..." -عندما عرض عليه خيار الاستسلام – يتردد رابطا الماضي بالحاضر.

إنها صفحات مشرقة سجلت بمداد الفخر والاعتزاز في مقاومة المستعمر الغاشم , استلهمت مبادئها  من كفاح الشعوب المستعمرة في سبيل الاستقلال و التحرر  .

وها هو التاريخ يعيد نفسه  بشكل مغاير فالشعب الليبي ينتفض ضد الظلم والطغيان والجبروت ويتعرض للتقتيل والقصف بالمدافع والدبابات والبوارج والطيران لا من طرف الاستعمار الأجنبي بل من طرف حاكمه,والحالة الليبية مثالا  ساطعا لدكتاتورية القرن الواحد والعشرين حيث لم يتردد" نيرون" في نهج سياسة الأرض المحروقة  في حرب ضد شعبه أتت على الأخضر و اليابس . فبعد 42 سنة من الحكم الفردي المطلق بدون مراعاة لأبسط قواعد الديمقراطية من انتخابات  وحريات عامة وأحزاب سياسية ومنظمات نقابية وجمعيات المجتمع المدني ...بحيث يتحول التحزب إلى خيانة والديمقراطية إلى  بدعة ,فلا صوت يعلو على صوت الزعيم ,ولا مبادئ ولا نظريات  إلا ما تضمنه الكتاب الأخضر الذي سن أحكاما ما انزل الله بها من سلطان ,و أسس لمسخ مشوه لا هو برأسمالية ولا اشتراكية انه نظام جماهيري الحكم فيه في الظاهر للشعب بواسطة اللجان الشعبية ومؤتمراتها ,أما في الباطن فانه تكريس لدكتاتورية قائد الثورة المفترى عليها, تبيح له الحكم مدى الحياة حكما مطلقا لا يخضع لأية مساءلة أو محاسبة معتمدا نظاما عشائريا ينتسب للقرون الوسطى تلعب فيه القبيلة والعائلة محورا رئيسيا .

فلا وجود لمقومات الدولة الحديثة بأركانها وهياكلها ومؤسساتها في نموذج فريد لن يجود الزمان بمثله ,فيا لها من عبقرية فذة لصاحب هاته الأساطير المؤسسة لدولة الوهم والمبادئ الطوباوية الحالمة التي لم تتحقق حتى في جمهورية أفلاطون الفاضلة الافتراضية.

ولم يقف طموح القائد العظيم عند هذا الحد بل تعدى ذلك بفعل جنون العظمة وهذيانها إلى تزعم حركات التحرير العالمية وتمويلها من مدا خيل  بترول الشعب الليبي المغلوب على أمره والمحروم من كل شيء ,بينما تصرف ثرواته على تأسيس جبهة البوليساريو وتسليحها ودعمها ماديا ودبلوماسيا لمعاكسة الحقوق المشروعة للمملكة المغربية .وحركات أخرى ذات أهداف مشبوهة ,كابي سياف وكارلوس وغيرهم.

وقمة الهذيان ومهزلة القرن هي تنصيب القذافي لنفسه ملكا لملوك إفريقيا ومبايعته من طرف لفيف من المرتزقة الذين لا ولاء لهم إلا لمن يدفع أكثر .فبأس التتويج .

وهاهو صوت الثوار الليبيين الأحرار يصدح بالحق مطالبا بسقوط الزعيم الذي لم يستسغ أن ينتفض الشعب ضده وهو القائد المناضل الأتي من خيمة في البادية ,فكال له  السب والشتم والتحقير وقال فيه ما لم يقله مالك في الخمر.

وفي غياب جيش نظامي للدولة بسبب الهواجس الأمنية وفقدان الثقة لدى العقيد صاحب نظرية المؤامرات الاجنبة التي تعتمد أسلوب تصفية المعارضين وتكميم الأفواه وشراء الذمم  ,

سخر المرتزقة والكتائب التي يترأسها أبناءه للتنكيل بالثوار وملاحقتهم زنقة زنقة ,بيت بيت ودار دار كما جاء في خطبته العنترية في استعراض للعضلات لا يصدر عن عاقل .

ولم يحبط ذلك عزيمة الثوار الذين واصلوا الصمود والتصدي مضحين بأرواحهم في سبيل الوطن واضعين نصب أعينهم تحرير البلاد من الطاغية  ,فمن بن غازي إلى البريجة إلى رأس لنوف و الزنتان والزاوية والجبل الأخضر والجبل الغربي ومصراتة ...يستمر الزحف المقدس ليصل إلى  طرابلس ليدخلها الثوار دخول الفاتحين بدون مقاومة تذكر ليستقبلوا استقبال الأبطال من طرف ساكنة تتوق للحرية والانعتاق ,وحتى الكتائب التي كان القذافي يعول عليها لحمايته هو وأفراد عائلته إما استسلمت أو فرت في اتجاه باب العزيزية الحصن الحصين للعقيد وحاشيته المقربة والتي ستكون ميدان المعركة الحاسمة  التي ستشهد حتما نهاية مأساوية لنظام عمر لأكثر من أربعة عقود .

شاشة الجزيرة تعرض خبرا عاجلا مضمونه تقدم الثوار نحو باب العزيزية, وتظهر الصور المباشرة سيارات الدفع الرباعي حاملة ثوارا مسلحين رافعين راية ليبيا الحرة  تتجه صوب هدفها من  مواقع مختلفة حيث ستواجه فلول ومرتزقة العقيد المنهزم وابنائه الطغاة وعلى رأسهم سيف الإسلام الذي ظهر على الشاشة في تمثيلية مسرحية سيئة الإخراج وسط هتافات مزيفة لأنصار مفترضين ,مصرحا للصحافيين بان الوضع تحت السيطرة وان والده بخير ,ليختم حديثه لدى سؤاله عن قرار محكمة الجنايات الدولية بإلقاء القبض عليه بالكلمة المستوحاة من قاموس الأب .."طز في المحكمة الدولية ".

إنها قمة الاستهتار بالقرارات الدولية إن دلت على شيء فإنما تدل على عقلية متخلفة لا مكان لها في العصر الحديث .فما موقع هذا الشخص من الإعراب و بأية صفة يخاطب الشعب مهددا ومتوعدا وهو الذي كان يستعد لوراثة الحكم في سابقة يحار فقهاء القانون في تفسيرها وتقعيدها.

لكن إرادة الحياة لدى الشعب الليبي الأبي كسرت القيود وانجلى الليل المظلم الطويل لتسقط ورقة التوت التي كانت تغطي سوءة نظام متسلط متغطرس لتشرق شمس غد جديد لا مجال فيه للحماقات والجنون الذي فرض فرضا ,وتحمله الكل على مضض ,قبل بزوغ ربيع عربي مزهر تجني الشعوب ثماره .

والدرس الليبي مدخل لدروس وعبر سيسجلها التاريخ  في صفحات من ذهب .

وتتوالى الاعترافات بالمجلس الانتقالي ,المغرب يعترف به كممثل شرعي و وحيد للشعب الليبي الشقيق , ووزير الخارجية سيحل بليبيا في مهمة رسمية.

أخر الأخبار الثوار يدخلون البوابة الأولى في معسكر باب العزيزية ,إنها بداية النهاية...

جمال مصباح

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 400 مشاهدة
نشرت فى 23 أغسطس 2011 بواسطة mesbah56

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

14,732