Global

الأثاث في مصر القديمة

لعل أقدم نماذج للأثاث المتعارف عليه اليوم ترجع إلى ما تركه الصناع المصريون القدماء، ومع أن إنتاج مصر من الخشب العالي الجودة نادر، فقد استعمل المصريون أخشاب بعض الأشجار المحلية كالسنط acacia والطرفاء tamarisk والجميز sycamore والتين في صنع قطع الأثاث الخفيفة، كما استوردوا الأخشاب الثمينة كالأرز والأبنوس، وكانوا يعالجون هذه الأخشاب بأدوات حجرية (في عصر ما قبل السلالات 4000-3100ق.م) ونحاسية وخشبية (بدايات عصر السلالات 3100-2686 ق.م) ومعدنية مختلفة (منذ عهد المملكة القديمة 2686- 2181ق.م). وكانت السرر ومساند الأرجل والرأس والعروش والصناديق هي القطع الأساسية للأثاث عند المصريين القدماء، ويأتي السرير في مقدمة تلك القطع، وكان يتركب في إطار متواضع من الخشب على أربع أرجل ثبتت بحبل مضفور من الكتان، وشدت عليه حبال مضفورة على طريقة الحياكة تؤلف سطحاً مرناً يستلقي عليه النائم، وكان السرير إبان حكم الأسرة الثامنة عشرة (1567-1320ق.م) مرتفعاً عند الرأس منخفضاً عند القدمين وله مسند محفور من الخشب يمنع إنزلاق النائم، وقد عثر في قبر توت عنخ أمون على سرر ضخمة ثبت قوائمها بخطاطيف من البرونز يمكن فكها وطيها لتصبح صالحة للنقل. إذ كان الأثاث يصنع بأعداد قليلة، وكان الملوك والحكام يصطحبون معهم سررهم في تجوالهم، ويستعيضون عن الوسائد بمساند للرأس من الخشب أو العاج تصنع على قياس صاحبها، وعثر في مقبرة الملكة «حتب حورس» Hetephers في الجيزة (المملكة القديمة) على سرير لـه ظلة ثبتت قطعه بطريقة «التعشيق» كانت الأولى من نوعها، كما عثر على كرسيين بذراعين مغلفين بقشور الذهب، وعلى علبتي مجوهرات وصندوق ستائر.

وتثبت هذه القطع أن قدماء المصريين كانوا أول من عرف طريقة «التلسين» في صنع الأثاث (جمع أجزاء قطع الأثاث بوساطة النقرة واللسان mortise-and- tenon.

أما الكراسي فكانت تنحت في البدء من الحجر على شكل قطع مكعبة، ثم صارت تصنع قواعدها من الخشب ومقاعدها من حجر الصوان الأملس المستوي، ثم صارت مقعرة فيما بعد. وكانوا يضعون على المقعد حشية وثيرة من جلد أو قماش، ثم أضيف إلى الكرسي مع مرور الزمن مسند للظهر وذراعان. وكانت الكراسي مخصصة لذوي الشأن، وتوضع أمامها مساند للأرجل من الخشب تنحت عليها صور الأعداء أو ترسم، وهو تقليد يرمز إلى أن الملك يدوس أعداءه. وشاع في عصر المملكة الحديثة (1554-1075ق.م) صنع قوائم الكراسي على هيئة قوائم الحيوانات، وقد عثر على مقاعد مدورة وثلاثية الأرجل وقابلة للطي ترجع إلى ذلك العصر.

يستعملون صواني (ج صينية) من القش المجدول على حامل من فخار لوضع صحاف الطعام، كما كانوا يصنعون حوامل من خشب لجرار الماء والخمر والجعة، واستعمل المصريون القدماء توابيت من رقائق الخشب الملصق بعضها فوق بعض، وقد ضمن لها ذلك عمراً مديداً. أما الملابس والأشياء الشخصية فكانت تحفظ في صناديق أو سلال من قصب، وكانت الصنادق تصنع في بادئ الأمر من ألواح خشبية متداخلة، ثم صارت تصنع في عهد المملكة القديمة من أطر خشبية تسدها ألواح من خشب ولها غطاء نصف أسطواني أو مثلثي الشكل، وكان أهم ما يتصف به الأثاث المصري القديم خفة الوزن وسهولة النقل

وجمال المظهر. وكانت تزيينات الأثاث وزخارفه تستوحى من دلالات دينية وتلقى عناية فائقة، وكان أثاث علية القوم غالباً ما يموه بالذهب ويطعم بالعاج والزجاج الملون والأحجار الكريمة، أو يلبس قشور الأخشاب النادرة والثمينة، وقد توصل الصانع المصري إلى استخراج قشور خشب بسماكة لا تزيد على 4 مم غطى بها سطوح الأثاث المصنوع من أخشاب رخيصة، كما استخدم التراكيب الصناعية الدقيقة في تجميع أجزاء قطع الأثاث لتكون قوية متينة تحقق فكرة الديمومة والخلود. وكثيراً ما كانت التزيينات تستكمل بكتابات هيروغليفية وزخارف من تويجات الزهور والزنابق وأزهار البردي وصور الآلهة. وثمة نصوص تثبت أن الأثاث المصري كان يرسل في أحيان كثيرة إلى البلدان المجاورة في جملة ما تؤديه مصر من هدايا وأتاوى.

  • Currently 187/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
63 تصويتات / 8932 مشاهدة

عدد زيارات الموقع

314,505