الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

التكفير بكبائر الذنوب .

اشتهر عن فرق الخوارج تكفير أصحاب الكبائر ، ونقل عنهم أصحاب المقالات في هذا الباب عقائدهم الفاسدة وتناقضاتهم ، واختلافهم في تحديد الذنب الذي يُكَفّر صاحبه به إذا ارتكبه ؛ فمنهم من يكفر بالكبائر وهو المشهور عن جملتهم ، ومنهم من يكفر بكل ذنب ، ومنهم من يكفر بما هو أوسع من ذلك.

قال أبو الحسين الملطي في كتابه التنبيه والرد : (والشراة كلهم يكفرون أصحاب المعاصي ومن خالفهم في مذهبهم مع اختلاف أقاويلهم ومذاهبهم) ( 1 ) .

وقال الشهرستاني : (ويجمعهم القول بالتبرئ من عثمان وعلي رضي الله عنهما ... ويكفرون أصحاب الكبائر ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقا واجبا) ( 2 ) . 

وقال ابن حزم : (ومن وافق الخوارج في إنكار التحكيم وتكفير أصحاب الكبائر والقول بالخروج على أئمة الجور وأن أصحاب الكبائر مخلدون في النار وأن الإمامة جائزة في غير قريش فهو خارجي وإن خالفهم فيما عدا ذلك فيما اختلف فيه المسلمون ـ وإن خالفهم فيما ذكرنا ـ فليس خارجيا) ( 3 ) .

وذكر من غريب أقوال بعضهم أن كل معصية فيها حد فليست كفرا وكل معصية لا حدّ فيها فهي كفر ، ونقل عن النجدات منهم أن من كذب كذبة صغيرة أو عمل عملا صغيرا فأصر على ذلك فهو كافر مشرك وكذلك أيضا في الكبائر وأن من عمل الكبائر غير مصر عليها فهو مسلم ، ونقل عنهم أنهم قالوا : أصحاب الكبائر منهم ليسوا كفارا وأصحاب الكبائر من غيرهم كفار !! 

ونقل عن طائفة من أصحاب البيهسية وهم أصحاب أبي بيهس وهم من فرق الصفرية إن كان صاحب كبيرة فيها حد فإنه لا يكفر حتى يرفع إلى الإمام فإذا أقام عليه الحد فحينئذ يكفر ، ونقل ابن حزم عن العونية وهم طائفة من البيهسية : ( إن الإمام إذا قضى قضية جور وهو بخراسان أو بغيرها حيث كان من البلاد ففي ذلك الحين نفسه يكفر هو وجميع رعيته حيث كانوا من شرق الأرض وغربها ولو بالأندلس واليمن فما بين ذلك من البلاد) ( 1 ). 

وقال أيضا : (اختلف الناس في تسمية المذنب من أهل ملتنا فقالت المرجئة هو مؤمن كامل الإيمان وإن لم يعمل خيرا قط ولا كف عن شر قط وقال بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد هو كافر مشرك كعابد الوثن بأي ذنب كان منه صغيرا كان الذنب أو كبيرا ولو فعله على سبيل المزاح وقالت الصفرية إن كان الذنب من الكبائر فهو مشرك كعابد الوثن وإن كان الذنب صغيرا فليس كافرا وقالت الأباضية إن كان الذنب من الكبائر فهو كافر نعمة تحل موارثته ومناكحته وأكل ذبيحته وليس مؤمنا ولا كافرا على الإطلاق) ( 2 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب، بل بما يرونه هم من الذنوب، واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك ...) ( 3 ) .

وقال أيضا : (وإذا عرف أصل البدع فأصل قول الخوارج أنهم يكفرون بالذنب ، ويعتقدون ذنبا ما ليس بذنب ، ويرون إتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب - وإن كانت متواترة - ويكفرون من خالفهم ويستحلون منه لارتداده عندهم ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي كما قال  النبي r فيهم { يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان } ولهذا كفروا عثمان وعليا وشيعتهما ؛ وكفروا أهل صفين - الطائفتين - في نحو ذلك من المقالات الخبيثة) ( 4 ) .

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله ـ في بيانه لبدء أمر الخوارج وفتنتهم والحروب التي دارت بسببهم ـ :

(وبقي معتقدهم في أناس متفرقين بعد هذه الوقعة ، وصار غلاتهم يكفرون بالذنوب ... وشاع عنهم التكفير بالذنوب ، يعني ما دون الشرك) ( 5 ) .

فمن خلال ما سبق يتضح التفاوت الكبير في تحديد فرق الخوارج للذنب الذي يكفر به وتناقضهم واختلافهم، وهذا من البراهين على بطلان مذهبهم، كما قال تعالى: ﭽ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ  ﮀ    ﮁ  ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﭼ النساء: ٨٢ ، وقد ورث متأخروا الخوارج عن متقدميهم نحواً من هذه المقالات الباطلة ، وكفروا أصحاب الكبائر وغيرهم ، وأخرجوهم من الملة ( 1 ) .

ومن صور التكفير على طريقة الخوارج في هذا العصر تكفيرهم من أذن بالتعامل بالربا أو وضع حراسة على البنوك أو سمح بدخول بعض الوسائل الإعلامية المشتملة على المحرمات أو لوجود التبرج والسفور ، أو غير ذلك من الذنوب والمعاصي التي لا تخرج من الملة.

أو يكفرون بالحكم بغير ما أنزل الله على الإطلاق فيجعلون حكم ذلك كله واحدا من غير تفصيل ، ومثل ذلك تكفيرهم بالولاء للكفار وعدم البراء منهم مطلقاً من غير تفصيل وزعمهم أن أي نوع من أنواع الولاء للكفار كفر مخرج من الملة ، وأهل السنة والجماعة يفصلون في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ، ومسائل الولاء والبراء ، ويفرقون بين ما هو كفر ، وما ليس بكفر .

ومن صور التكفير عند الخوارج المعاصرين أنهم قد يكفرون المسلمين لفعلهم أموراً جرى الخلاف فيها بين أهل العلم مثل الاستعانة بالكفار أو بعض صور المعاملات والمسائل المختلف في حرمتها، ونحو ذلك ويكفرون أيضا بدعوى الاستحلال العملي للمعاصي ولو كان يعتقد الواقع فيها حرمتها ( 2 ).

 

تنبيه مهم في أن من فرق الخوارج من لا يكفر بالذنوب:

تقدم أن الخوارج مختلفون في باب التكفير بالذنوب اختلافا واسعا ، ومنهم طوائف لا يكفرون بالذنوب؛ قال البغدادي في الفرق بين الفرق : (وقد اختلفوا فيما يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها فذكر الكعبي في مقالاته أن الذي يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها : إكفار علي وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضي بتحكيم الحكمين ، والإكفار بارتكاب الذنوب ، ووجوب الخروج على الإمام الجائر ، وقال شيخنا أبو الحسن الذي يجمعها إكفار علي وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما ، ووجوب الخروج على السلطان الجائر ؛ ولم يرض ما حكاه الكعبي من إجماعهم على تكفير مرتكبي الذنوب، والصواب ما حكاه شيخنا أبو الحسن عنهم وقد أخطأ الكعبي في دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبي الذنوب منهم وذلك أن النجدات من الخوارج لا يكفرون أصحاب الحدود من موافقيهم ...) ثم ذكر بعضا من فرقهم ممن لا يكفر مرتكبي الذنوب منهم ومن غيرهم ( 1 )  .

فهنا يقرر البغدادي أن الخوارج لم تُجْمع على تكفير مرتكبي الذنوب بل منهم من لم يكفر بالذنوب ، ومع ذلك وصفهم أهل العلم بأنهم خوارج ، ويلحقهم الذم الذي ورد في الأحاديث النبوية( 2 ) .

وكذلك منهم من يرى أن المقصود من إطلاق الكفر على من ارتكب كبيرة : كفر النعمة .

فهد الفهيد 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 439 مشاهدة
نشرت فى 3 مارس 2012 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,660,049