قضت المحكمة الإدارية العليا بأن :
" و من حيث أنه عن الطعن رقم 7386 لسنة 46 ق .ع ( دعوى بطلان أصلية ) : فقد استوفت سائر إجراءاتها الشكلية المقررة قانوناً و من ثم تكون مقبولة شكلاً .
و من حيث أن عناصر المنازعة – تخلص حسبما يبين من الأوراق – في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى رقم 2322 لسنة 52 ق بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 22/12/1997 ، و طلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار عدم قبول نجله / عاطف بالفرقة الأولى بكلية الشرطة للعام الدراسي 97/1998 مع ما يترتب على ذلك من آثار ، و بجلسة 28/4/1999 قضت المحكمة برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ، و بجلسة 29//5/1999 قضت بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار و ألزمت الجهة الإدارية المصروفات ، و لم ترتض جهة الإدارة بهذا الحكم فطعنت عليه أمام المحكمة الإدارية العليا التي أصدرت بجلسة 30/4/2000 حكمها المطعون فيه بدعوى البطلان الأصلية .
و من حيث أن مبنى الطعن بدعوى البطلان الأصلية أن جهة الإدارة حجبت عن المحكمة واقعة مؤيدة بالمستندات و هي أن الطالب المذكور كان ناجحاً في كشف الهيئة ، ولم تظهر المستند إلا بعد صدور الحكم مما أوقع المحكمة في خطا عند تقدير الوقائع و أثر على قضائها ، الأمر الذي يعد إهداراً للعدالة ، أخذاً في الاعتبار انتظام الطالب في الكلية على مدار عام دراسي كامل و اندماجه في الحياة العسكرية مع زملائه و اجتيازه كافة الاختبارات بنجاح ، لو يوقع عليه ثمة جزاء طوال الدراسة ، و حتى دخوله الكلية في العامة الدراسي 99/2000 مما يدحض كل مزاعم جهة الإدارة .
و من حيث أن المستقر عليه أن المحكمة الإدارية العليا وهي تستوى على القمة في مدارج التنظيم القضائي لمجلس الدولة ، بما وسد لها من اختصاص في الرقابة على محاكم مجلس الدولة تحقيقاً للشرعية و سيادة القانون ، و بما تحمله من أمانة القضاء و عظيم رسالاته بغير معقب على أحكامها ، فإنه لا سبيل إلى إهدار أحكامها إلا بدعوى البطلان الأصلية ، و هي طريق استثنائي في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية ، وفي غير حالات البطلان المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية و التجارية – يجب أن تقف هذه الدعوى عند الحالات التي تنطوي على عيب جسيم يمثل إهدار للعدالة على نحو يفقد معها الحكم وظيفته و به تتزعزع قرينة الصحة التي تلازمه ، ويجب أن يكون الخطأ الذي شاب الحكم ثمرة غلط فاضح يكشف بذاته عن أمره ويقلب ميزان العدالة على نحو لا يستقيم معه سوى صدور حكم من نفس المحكمة تعيد فيه الأمور إلى نصابها الصحيح .
" راجع الحكم الصادر من دائرة توحيد المبادئ بجلسة 3/6/1990 في الطعن رقم 3564 لسنة 31 ق .ع و الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 1/7/1989 في الطعن رقم 2674 لسنة 34 ق . ع ، و حكمها بجلسة 26/12/1982 في الطعن رقم 737 لسنة 34 ق .ع " .
و من حيث أن الحكم المطعون فيه بدعوى البطلان الأصلية قد استند على ان نجل الطاعن كان قد اجتاز مراحل الكشوف الطبية و الرياضية بنجاح ، وتوافرت فيه سائر الاشتراطات الأخرى المرتبطة بالمؤهل الدراسي و السن ، و أصبح في مركز متحد مع جميع زملائه ممن اجتازوا هذه المراحل و وقفوا عند مرحلة كشف الهيئة ، إلا أن وضعه تغاير بعد ذلك ، حيث قررت اللجنة المختصة عدم توافر مقومات الهيئة العامة و اتزان الشخصية في شأنه ، و من ثم لم يعد الارتكان لقاعدة المجموع أو صغر السن مجدية في حالته لأن إعمالها يكون بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة أي الذين اجتازوا كافة الاختبارات بنجاح في مراحلها المتنوعة بما فيها كشف الهيئة و صلاحية البيئة و التحريات الجادة ، وهي شروط موضوعية حددها المشرع و تولدت عنها المراكز القانونية التي يتكافأ أصحابها امام القانون ، و لا ينال من ذلك ما أشار إليه حكم محكمة القضاء الإداري بشأن المذكرة المقدمة لوزير الداخلية لاعتماد قبول عدد واحد و ثلاثين طالباً بعد إعلان النتيجة ، لأنه ليس ثمة دليل على ان من قبلوا كانوا راسبين في كشف الهيئة ، و أياً ما كان الأمر في هذا الخصوص فإن الطالب المذكور ثبت أنه رسب في كشف الهيئة و من ثم لا يكون قد استوفى شروط القبول بكلية الشرطة ولا يكون له حق في الطعن على قرار عدم قبوله لأن الخطأ لا يبرر الخطأ .
ومن حيث أن مفاد ما تقدم ان الحكم المطعون فيه شيد قضاءه على أن الطالب المذكور رسب في كشف الهيئة و بذلك لم يستوف شروط القبول بالكلية .
و من حيث أن جهة الإدارة و قد أفصحت عن سبب القرار المطعون فيه وهو أن اللجنة المختصة كانت قد انتهت إلى عدم توافر مقومات الهيئة العامة و اتزان الشخصية ، و من ثم فإن للمحكمة أن تراقب مدى صحة هذا السبب و ما إذا كان مستمداً من أصول تنتجه مادياً و قانونياً من عدمه .
و من حيث أن الثابت من الأوراق التي قدمها الطاعن أن نجله / عاطف اجتاز كافة الاختبارات والكشوف الطبية والرياضية ، وجاءت كافة التحريات إيجابية ، وتضمنت صورة النموذج المطبوع الصادر عن كلية الشرطة ، و الذي يتضمن نتيجة مراحل الاختبارات ، أن اللجنة المختصة انتهت إلى أنه لائق ، و من ثم يكون سبب الاستبعاد غير قائم على سند من الواقع و القانون لأن اجتياز كافة الاختبارات بما فيها كشف الهيئة يدحض ما استندت عليه الإدارة من عدم توافر مقومات الهيئة و اتزان الشخصية ، و مما يؤكد عدم صحة هذا السبب أن الطالب المذكور انتظم في دراسته بكلية الشرطة في العام الدراسي 99/2000 و اجتاز بنجاح الاختبارات التي أجرتها الكلية حسبما جاء بصحيفة الطعن و لم تدحض جهة الإدارة ذلك البيان ، كما أن المذكرة التي عرضها رئيس أكاديمية الشرطة على السيد وزير الداخلية بِشأن اعتماد قبول عدد من الطلاب للدراسة بالكلية أشارت إلى أنهم جميعاً قد اجتازوا كافة الاختبارات المقررة ، مما يفيد أنهم اجتازوا كشف الهيئة ، و ليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن نجل الطاعن يختلف عن أقرانه الذين تقرر قبولهم بعد ذلك - فحقيقة الأمر أن نجل الطاعن قد تساوى مع من وردت أسماؤهم بذلك الكشف و أنه يتفوق بعضاً ممن قبلتهم الكلية سواء من حيث المجموع و صغر السن – على النحو الذي استظهره بحق الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 29/5/1999 في الدعوى رقم 2322 لسنة 52 و الذي قضى بإلغاء القرار المطعون فيه .
و من حيث أنه عما جاء بدفاع هيئة قضايا الدولة من أن الورقة التي قدمها الطاعن و بفرض صحتها لا تعد دليلاً في الإثبات ، فإن هذا الدفاع مردود بان عبء الإثبات في المنازعة الإدارية يقع بحسب الأصل على المدعي إلا أن هذا العبء ينقلب إلى جهة الإدارة باعتبار أنها هي التي تحتفظ بالملفات و المستندات و الأوراق الخاصة بالموضوع ، فإن عجزت عن تقديم مستند يدحض ما قدمه الخصم فلا إلزام على المحكمة أن تكلفه بتقديم أصل المستند ، و إلا عد ذلك تكليفاً بمستحيل و هو ما تأباه قواعد العدالة ، هذا بالإضافة إلى أنه من المستقر عليه أن القاضي الإداري يتمتع بحرية كاملة في تكوين اقتناعه بأدلة الإثبات المطروحة في الدعوى بغض النظر عن عدم تقديم جهة الإدارة أصول المستندات التي تحتفظ بها .
ومن حيث أن الثابت مما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد أهدر بعض الحقائق الثابتة ، و هي ان نجل الطاعن اجتاز كافة الاختبارات بما فيها كشف الهيئة ، كما أهدر حقه في المساواة بمن هم في مثل مركزه ، واستند على قاعدة أن الخطأ لا يبرر الخطأ ، بينما لم يستظهر ماهية ذلك الخطأ ، و هي أمور تنطوي على إخلال جسيم بالعدالة مما يبطل الحكم ويستوجب إلغاءه .
ومن حيث ان قرار استبعاد نجل الطاعن من القبول بكلية الشرطة غير قائم على سند من الواقع و القانون فإن الحكم الصادر بإلغائه يكون قد صادف صحيح حكم القانون مما يتعين معه و الحال كذلك القضاء برفض الطعن عليه .
و من حيث أن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة (184) من قانون المرافعات المدنية و التجارية .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة أولاً : بعدم قبول الطعن رقم 7393 لسنة 46 ق .ع شكلاً ، و ألزمت الطاعنين المصروفات . ثانياً : بقبول دعوى البطلان شكلاً و في الموضوع ببطلان حكم المحكمة الإدارية العليا بجلسة 30/4/2000 في الطعن رقم 7236 لسنة 45 ق .ع ، و برفض الطعن ، و ألزمت جهة الإدارة المصروفات ".
( الطعنان رقما 7386 ، 7393 لسنة 46 ق .ع – جلسة 5/9/2000 – مشار إليه بمؤلف الأستاذ/ محمود أبو العينين – الموسوعة الجامعة لأحكام المحكمة الإدارية العليا – طبعة 2004 – الجزء الثالث – ص 138 و ما بعدها )
ساحة النقاش