إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:

في ليلة شديد بردها أنعم فيها تحت دفء أغطيتي وأتلذذ بنوم هاديء واحلام هانئة سحبني العطش سحبا لافارق فراشي ، على الم نزلت من على سريري كسلانا متثائبا ، فلقد بدأ دفء جسدي يتسرب وشعرت بهزة البرد تخترم أوصالي، لكن العطش شديد ، أخذت اجر رجلي كأنما اساق الى الموت .
وبين انا اسير الى حيث الماء وجدت نورا خافتا ينبعث من غرفة أخي الصغير ، وقد كنت مازلت مغمض العينين اتحسس الطريق لاحافظ على النوم حتى لا يتسرب هو الاخر ، اخذني الفضول وتسللت الى غرفة اخي الصغير متسائلا ما أرق نومه حتى يظل مستيقظا لهذه الساعة المتأخرة من الليل وما هذه الهمهمات التي اسمعها ، وأخي الصغير لمن لا يعرفه شاب في الثامنة عشرة من عمره ، يافع بهي المحيا شديد الوسامة وعلى ذلك يتمتع بخلق دمث وسمت قويم ، تفتحت عيناه فلم يجد امامه غيري فقد كنت له اخا وابا تعهدته حتى صار رجلا .
شغلتني تلك الاصوات وسال لعاب الفضول وبلغ مني القلق مبلغه حينما دخلت فلم أجد أخي في سريره او على كرسيه خلف مكتبه ، تفحصت الغرفة لأجد أخي ساجدا في زاوية الغرفة يحجبه المكتب وقد سالت عبراته وارتفع انينه حتى انه لم يشعر بي ،رجعت أجر الخطى لكن هذه المرة لا من تكاسل بل من وقع ما رأيت .
فكرت كثيرا في حالي وحال أخي الصغير ، من يعلم من بل من يربي من ، ورجعت الى ايام شبابي ، تحديدا في هذه السن وما اقترفته من اثام وما جلبته على نفسي من معاص وذنوب مقارنا بيني وبين أخي الصغير ، فأنا حتى لا أملك ما يملكه من مقومات التميز ما يجعلني اغتر وما يدعوني بجهل الى المعصية ، فهو أكثر مني وسامة وأقوم بنية واكثر علما كما أن مغريات عصرنا اليوم اكثر بكثير .
وهاهو ساجد بين يدي ربه يبكي وينتحب – أكاد أجزم ولو ظاهريا- بأنه لم يقترف معشار ما أقترفت من الذنوب ، فأنا اعلم أخي واعلم كذلك نفسي التي بين جنبي .
وانا اليوم اناهز الاربعين لم تبك عيني يوما توبة على ذنب اقترفته ولم يئن فؤادي حزنا على طاعة فاتتني ، بل لهو وغرور وذنوب اينما أدور .
ما الذي ابكى أخي وما الذي دعاه الى السهر وقيام الليل في ليلة شديدة البرودة كهذه ، انها اسئلة استغرقتني زمنا لمعرفة الاجابة عليها وقد كانت واضحة جلية أمام ناظري الا انني شغلت عنها بالمباح وغير المباح فتهت في لجة الدنيا .
صعقني منظر أخي وحرك سواكن فؤادي سجوده وبكاؤه ، ما هذا الغي الذي انا فيه وما هذه الغفلة التي تلفني ، أيقوم الليل شاب في الثامنة عشرة من عمره يبكي حتى اسمع انينه خارج غرفته ، وانا الذي شارفت على المشيب مضيع للفرائض منتهك للحرمات .
لقد علمني أخي الصغير ومحت عبراته ما لفني من غفلة وما ران على قلبي من شؤم المعصية ، فالله الله في الشباب فإنهم كما روي أرق أفئدة .
وفقنا الله لما يحب ويرضى واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ....

بقلم : أبو عبد الرحمن

المصدر: شخصي
  • Currently 155/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
51 تصويتات / 555 مشاهدة
نشرت فى 19 أكتوبر 2009 بواسطة lance

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

43,137