لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
شرح الكلمات :
{ رسول من أنفسكم } : أي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من جنسكم عربي .
{ عزيز عليه } : أي شاق صعب .
{ ما عنتم } : أي ما يشق عليكم ويصعب تحمله .
{ حريص عليكم } : أي حريص على هدايتكم وما فيه خيركم وسعادتكم .
{ رؤوف } : شفيق .
{ رحيم } : يرق ويعطف ويرحم .
{ فإن تولوا } : أي أعرضوا عن دين الله وما جئت به من الهدى .
{ حسبي الله } : أي كافيّ الله .
{ لا إله إلا هو } : أي لا معبود بحق إلا هو .
{ توكلت } : أي فوضت أمري إليه واعتمدت عليه .
{ رب العرش العظيم } : عرش الله تعالى لا أعظم منه إلا خالقه عز وجل إذ كرسيه تعالى وسع السموات والأرض ونسبة الكرسي إلى العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة .
{ عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عنِتُّمُ } فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : شديد عليه ما شق عليكم ، قاله ابن عباس .
الثاني : شديد عليه ما ضللتم ، قاله سعيد بن أبي عروبة .
الثالث : عزيز عليه عنت مؤمنكم ، قاله قتادة .
{ حَرِيصٌ عَلَيكُمْ } قاله الحسن : حريص عليكم أن تؤمنوا .
{ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } فيه وجهان :
أحدهما : بما يأمرهم به من الهداية ويؤثره لهم من الصلاح .
الثاني : بما يضعه عنهم من المشاق ويعفو عنهم من الهفوات ، وهو محتمل .
قوله عز وجل { فَإِن تَوَلَّوْا } فيه وجهان :
أحدهما : عن طاعة الله ، قاله الحسن .
الثاني : عنك ، ذكره عليّ بن عيسى .
{ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ } يحتمل وجهين :
أحدهما : حسبي الله معيناً عليكم .
الثاني : حسبي الله هادياً لكم .
{ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظيمِ } يحتمل وجهين :
أحدهما : لسعته .
الثاني : لجلالته .
روى يوسف بن مهران عن ابن عباس أن آخر ما أُنزل من القرآن هاتان الآيتان { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ } وهذه الآية . وقال أُبي بن كعب : هما أحدث القرآن عهداً بالله وقال مقاتل : تقدم نزولهما بمكة ، والله أعلم .
رسول من أنفسكم
قوله عز وجل : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ } فيه قراءتان :
إحداهما : من أنفسكم بفتح الفاء ويحتمل تأويلها ثلاثة أوجه :
أحدها : من أكثركم طاعة لله تعالى .
الثاني : من أفضلكم خلقاً .
الثالث : من أشرفكم نسباً .
والقراءة الثانية : بضم الفاء ، وفي تأويلها أربعة أوجه :
أحدها : يعني من المؤمنين لم يصبه شيء من شرك ، قاله محمد بن علي .الثاني : يعني من نكاح لم يصبه من ولادة الجاهلية ، قاله جعفر بن محمد . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « خَرَجْتُ مِن نِكَاحٍ وَلَمْ أَخَرُجْ مِنْ سِفَاحٍ
» الثالث : ممن تعرفونه بينكم ، قاله قتادة .
الرابع : يعني من جميع العرب لأنه لم يبق بطن من بطون العرب إلا قد ولدوه ، قاله الكلبي .
عزيز عليه ما عنتم
صحيح مسلم (2/ 975)
412 - ( 1337 ) وحدثني زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال
: أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام ؟ يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه
صحيح البخارى (3/ 194، بترقيم الشاملة آليا)
707 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِى قَتَادَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنِّى لأَقُومُ فِى الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ ، فَأَتَجَوَّزُ فِى صَلاَتِى كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ » .
887 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى - أَوْ عَلَى النَّاسِ - لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ » . طرفه 7240 - تحفة 13842
حريص عليكم
صحيح البخارى (21/ 361، بترقيم الشاملة آليا)
6483 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا ، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِى تَقَعُ فِى النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا ، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا ، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ ، وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا » . تحفة 13767 - 127/8
صحيح مسلم (4/ 1790)
: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو بذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي
[ ش ( الجنادب ) جمع جندب وفيها ثلاث لغات جندب جندب جندب والجنادب هذا الصرار الذي يشبه الجراد وقال أبو حاتم الجندب على خلقة الجراد له أربعة أجنحة كالجرادة وأصغر منها يطير ويصر بالليل صرا شديدا ( تفلتون ) روي بوجهين أحدهما تفلتون والثاني تفلتون وكلاهما صحيح يقال أفلت مني وتفلت إذا نازعك الغلبة والهرب ثم غلب وهرب ومقصود الحديث أنه صلى الله عليه و سلم شبه تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة وحرصهم على الوقوع في ذلك مع منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم بتساقط الفراش في نار الدنيا لهواه وضعف تمييزه وكلاهما حريص على هلاك نفسه ساع في ذلك لجهله
ساحة النقاش