أندرو هيل ..............
فكر بعدد الأهداف الكبيرة التي حققتها في حياتك المهنية. إن مصطلح ''الأهداف الكبيرة الجريئة الخطرة'' هي العبارة التي لا تنسى (وإن كانت تبدو غريبة بعض الشيء) التي صاغها جيم كولينز وجيري بوراس قبل 15 عاما لوصف هدف استراتيجي ذي رؤية والذي قد يلهم فريقا بأكمله.
ومن طبيعة هذه الأهداف الخطرة الجريئة ألا تحققها الشركات إلا في حالات نادرة. ووفقا للمؤلفين، ذلك أن للأهداف الكبيرة الجريئة الخطرة فترة إعداد تمتد من عشر سنوات إلى 30 سنة قبل ظهور النتائج. وحين يوصف المسؤولون التنفيذيون الذين عملوا في الشركة نفسها لفترة قليلة مثل سبع سنوات بأنهم ''مخضرمين''، لا بد أن يكون الاحتمال ضئيلا في أن يظل الموظفون موجودين من مرحلة الرؤية إلى مرحلة الإنجاز.
ولا عجب أن الشركات لا تزال، في جهودها لتحفيز أعضاء الفريق، تلجأ إلى أدوات عادية: زيادات الأجور والعلاوات لتشجيع العمل الجيد؛ وتحديد مواعيد نهائية لضمان إنجاز الأعمال في الأوقات المحددة؛ وإعطاء الامتيازات لجعل الرحلة أكثر إمتاعا، أو على الأقل محتملة.
هذه المصادر التي تعطي الحوافز ''الخارجية'' هي جزء لا مفر منه من ثقافة الشركات. ولكنها قد تدمر أيضا ''حب العمال الضعيف للوظيفة - وهو الدافع الداخلي الذي يدعم الإبداع والنجاح - أو يدفع الموظفين نحو الاستراتيجية الخاطئة، أو، وهو الأسوأ، الاتجاه الأخلاقي الخاطئ.
ولو حققت الشركات الأهداف الكبيرة بشكل غير منتظم، وكان للحوافز التي تشجع على تحقيقها آثار جانبية سامة، سيكون من الأفضل بالنسبة لها إيجاد طرق أخرى لتشجيع مشاركة العمال. وتعتقد تريزا آمابيل من كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد وزوجها ستيفن كرامر، المختص في علم النفس التطوري، أن النهج الواضح، ولكن المهمل غالبا، هو أن يزيل المديرون الحواجز أمام التقدم اليومي.
إن فكرة هذين المؤلفَين مدعومة ببحث يستند إلى 12 ألف مفكرة يومية لعمال في سبع شركات، والتي أصبحت مقالا ثم تحولت الآن إلى كتاب، بعنوان ''مبدأ التقدم''. وقد أظهرت هذه القصص الحميمة لأفكار الفرق أنه حتى الخطوات الصغيرة للأمام في العمل تولد رشقة من الفرح (نعم، تبدو الكلمة عاطفية، ولكنهم يؤكدون أنها الكلمة الصحيحة) تلهم على العمل الإبداعي على مدى أيام. وتظهر المفكرات اليومية، في حالة أحدهم، أن إحدى أعضاء الفرق أصيبت بإحباط بسبب دورات الإقالة بين زملائها في العمل ولكنها سرعان ما استعادت نشاطها بسبب نجاح مشروع عاجل، على الرغم أنها اضطرت لإلغاء إجازتها. ولم يتطلب الأمر كثيرا من كبار المديرين للحفاظ على هذه الحلقة الفاضلة - كل ما كلفهم ذلك هو ذهابهم شخصيا إلى الموقع، ومنح زجاجة من المياه المعدنية الفاخرة إلى الموظفين الذين يكدون في العمل، وبعض كلمات التشجيع.
وعلى الرغم من أن الفكرة تبدو مغرية، إلا أنها أثارت شكوكي. ففي الأسبوع الماضي، أرسل بوب دادلي، الرئيس التنفيذي لشركة بريتش بتروليوم، رسالة إلكترونية إلى الموظفين يحثهم فيها على تجاهل عناوين الصحف السلبية والتركيز على حقيقة أن شركة النفط ''تحقق تقدما حقيقيا وقويا وقابلا للقياس لبناء الأساس الجديد لمستقبل قوي وناجح''. أليس الرؤساء مذنبين بالتكهن بلا أسس إذا مدحوا تقدمهم في الوقت الذي تعاني فيه الشركة نكسات استراتيجية عميقة؟
قالت لي الأستاذة آمابيل إنه كان من الضروري ألا يبالغ المديرون في التأكيد على الإنجازات، ناهيك عن تلفيقها. فالموظفون سيكشفون على الفور هذه الخدعة. وهي تقول: ''لا يمكنك فعل ذلك إذا لم يكن هناك تقدم: هذا سيبدو زائفا''. وفي هذا الصدد، فإن مدى نجاح مذكرة دادلي في تحفيز الموظفين سيعتمد على مدى ''واقعية وصلابة وقابلية قياس'' تقدمها. وحتى حينها، إذا كان الاتجاه الإستراتيجي للشركة خاطئا، فلن ينقذها أي قدر من التقدم اليومي. وبالمثل، إذا لم يجد الموظفون أن عملهم مجدٍ، لن يقدروا حتى الإنجازات الكبيرة.
تفتقر ''الانتصارات الصغيرة'' إلى الجاذبية الجريئة القوية لأهداف كولينز وبوراس. ولكن النظرية تبدو صحيحة. فكما تشهد سجلات أماكن العمل، فإن التأثير الإيجابي للتقدم التدريجي يدوم طويلا. والأكثر من ذلك هو أن معظم محفزات الدوافع الداخلية للموظفين - الموارد الأساسية (وليس الامتيازات التي تقدم كطُعم لإغواء الموظفين)، أو الاستقلال الذاتي، أو الوقت الكافي للمشروع الذي يتم تنفيذه - رخيصة، بل حتى مجانية.
أما بالنسبة للخلفية الاقتصادية الصعبة، فقد التقيت الأستاذة آمابيل في ''هارفارد'' في اليوم الذي كان مقررا أن يقنع فيه باراك أوباما الكونجرس بخطته لإيجاد فرص العمل بتكلفة 450 مليار دولار. وتبدو معظم الأهداف الكبيرة الجريئة الخطيرة للرئيس الأمريكي المحاصر التي أعلنها يوم تنصيبه بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى. وتحقيق تقدم يومي ضئيل في أماكن العمل الأمريكية لن يجعل هذه الأهداف أقرب للتحقيق. إلا أن الأثر التراكمي لغرس مبدأ التقدم قد يكون كبيرا بمرور الوقت. وفي الوقت نفسه، إذا كان هناك شخص واحد في الولايات المتحدة يحتاج إلى بعض الانتصارات الصغيرة - وما يترتب عليها من دفعة في معنوياته وتفكيره الإبداعي - فهذا الشخص هو الرئيس نفسه.