جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
باب حديدي لا يتسع لدخول وخروج اثنين في وقت واحد ، تعتليه لوحة مكتوب عليها اسم الإدارة التعليمية المذكورة ، وبمجرد دخولك من الباب الحديدي تجد علي يمينك منزل عبارة عن ثلاثة أدوار تقريبًا ، الدور الأرضي منها يبدو أنها مدرسة .. لأنني أري تلاميذ ومعلمين ، ولا أري أية ملاعب أو أفنية أو حجرات أنشطة ، ولكنها مدرسة فيما يبدو .. كيف ذلك ؟ الله أعلي وأعلم ! .
ثم تنظر إلي يسارك لتجد مبني متهالك ؛ كان – فيما يبدو- منزلاً سكنيًا ، ولكنه تحول إلي إدارة تعليمية !.. ولكي تدخل هذا المبني لابد أيضًا أن تمر بباب حدبدي لا يتسع لمرور اثنين في وقت واحد ، وبمجرد مرورك تجد علي يسارك مكتب يجلس عليه عامل بسيط أمامه دفتر مفتوح خاص بالزائرين ، غالبًا لا يوقع به أحد سوي الغرباء ، تمشي خطوتين لتصعد سُلم من بضع درجات لتدخل إلي الطابق الأرضي ؛ وبه أقسام كثيرة ، مثل أقسام التعيينات والحسابات والشئون القانونية والملفات ، ومصلي لا يدخله سوي عدد قليل من موظفي الإدارة ، وبعض الدواليب المغلقة أمام المكاتب ، وهذا الطابق لا ينساه المعلمون المتعاقدون والمعينون الجدد حيث عانوا الكثير من تعامل بعض الموظفين إضافة إلي ضيق المكان ، ولكي تصعد إلي الطابق العلوي تعود إلي نفس السلم السابق وتصعد السلم لتجد الطابق العلوي ؛ وستصاب بالدهشة عندما تجد ( الطرقة ) في هذا الطابق وهي محاطة بالدواليب التي تذكرك بتلك التي نشاهدها في أفلام الستينات ! وأمام هذه الدواليب وضعت مكاتب وكراسي يجلس عليها موظفون لا تعرف لهم وظيفة محددة ، وهناك موظفون أحسن حظًا ؛ حيث يجلسون علي مكاتبهم في حجرات خاصة بهم ، مثل حجرات الإجازات والتعليم الإعدادي والثانوي والتوجيه والماليات والتعليم الابتدائي والإحصاء والكميوتر ، وهي أيضًا حجرات مكتظة بالمكاتب .
زيارة واحدة لهذه الإدارة التعليمية جديرة بأن تجعلك تكره هذا المكان وما فيه ، كل شئ حولك يدل علي العشوائية بداية من شكل المبني ومساحته وحجراته الضيقة مرورا بالموظفين ومكاتبهم الرديئة وأدراجها المليئة بالشاي والسكر ومسخن الماء الكهربائي ، والكثير منهم قد لا تجده في مكتبه ، وعندما تسأل عنه تجد من يقول لك : (راح مشوار وجاي) ، هكذا وبكل بساطة وكأنه شئ مألوف ، إضافة إلي أن بعضهم يلبس الجلاليب والعمم ، مما يوحي بعدم الانضباط الوظيفي ، وفي أحد الأقسام - سيئة السمعة - يوجد بعض الموظفين الذين يفرضون أموالا علي الإداريين بالمدارس عند انهاء أي عمل يتعلق بأية مستحقات مالية يحصل عليها المعلمون ، والإداريون في المدارس بدورهم يقتطعون أجزاء من المستحقات المالية للمعلمين ، وبصرف النظر علي من يقع الخطأ ؛ علي الإدارين بالمدارس أم بالإدارة ، ولكن يجب الاتفاق علي أن ذلك يعد فسادًا إداريًا يعاقب عليه القانون . إضافة إلي تعنت بعض الموظفين ؛ الذي يرجع – غالبًا - إلي جهل الموظف بوظيفته وعدم إلمامه بمهامه الوظيفية ، أو ربما يكون متعنتًا بطبعه ولا يرغب في أداء عمله وتيسير الأمر علي المعلمين وعلي أولياء الأمور ، إنهم يعشقون ( الروتين) كعشقهم لأبنائهم أو أشد عشقًا ، وهناك العديد من القصص التي تسمعها عن تعنت بعض موظفي هذه الإدارة التي أصابتها الشيخوخة ، حتي أن بعضهم يتعنت مع زميله ، أذكر أن أحد مديري الإدارة السابقين ذهب بنفسه لأحد الموظفين لكي يؤشر بالموافقة علي طلب لأحد المعلمين ، وكان طلب مشروع ولا يوجد به مخالفة ، ولكن الموظف المتعنت أمعن في تعنته ولم يؤشر.
وعندما تدخل إلي حجرة مدير الإدارة ، تجد حجرة لا يوجد بها ثلاجة أو تكييف أو أماكن لائقة لجلوس الضيوف والزائرين ، بل حجرة قديمة مثل باقي حجرات الإدارة يصيبها الزحام والاختناق إذا وقف فيها خمسة أفراد ، وتصيبك الحيرة في بعض الأوقات لكي تعرف من المدير في الجالسين فأكثر من شخص يبدي رأيه وأكثر من شخص يمكنه التوقيع والتأشير علي الأوراق ، وأكثر من شخص يجلس علي كرسي المدير أيضَا .
إن واقع إدارة (الببليينا) التعليمية ربما يكون أكثر مرارة مما عرضته في هذا المقال ، إذا أضفنا إليه واقع بعض المدارس التابعة لها والتي قد تزيد عن مائة وخمسين مدرسة .
وأذكّر بأنني في معرض حديثي عن الموظفين ، آثرت أن أقول : (بعض) .. فأنا لا أعمم ، وأعلم أن هناك بعض الموظفين الذين يؤدون عملهم بإتقان – وإن كانوا قلة – وأعلم أيضًا أن مساحة المبني وضيق الحجرات وعدم وجود أماكن للموظفين بالإضافة إلي قلة الرواتب ؛ كل ذلك قد يكون مؤثرًا – بشكل أو بآخر - في فقر وضعف أداء الموظفين بهذه الإدارة ، ولكنه لا يمكن أن يكون مبررًا لهذا الوضع العشوائي .
إن هذه الإدارة تحتاج إلي مكان لائق بإدارة تعليمية تتبعها العديد من المدارس ، كما أن الموظفين يحتاجون إلي تدريبات لتطوير مهاراتهم وتعاملهم ، وتحتاج أيضًَا لمدير قوي صارم لكي يتم القضاء علي التجاوزات من خلال التطبيق الكامل للقانون ، وأن يحصل الموظفون علي أجر مناسب يغطي متطلبات الحياة في ظل ارتفاع الأسعار ، وأن يتم تصعيد بعض الشباب المخلص لكي يشارك في إدارة هذا المكان بدلا من الوجوه العتيقة التي تتعامل بمبدأ القبيلة ( والعيب والأصول ) والمعارف والمحسوبية ، ولا يوجد لديها أي طاقة أو فكر متجدد لتغيير الواقع البشع . وخلاصة القول .. هذه الإدارة تحتاج إلي إدارة .