أقصوصة حواء ... و مثلث برمودا
بعد الظهيرة بساعتين وكالعادة محطة الأوتوبيس مكتظة بالأناس هنا وهناك واقفون وجالسون أمام الجامعة.. هـــؤلاء طلاب.. وهؤلاء موظفون..وهؤلاء أناس متسولون لمضيعة وقت الفراغ.. عرفتهم من هيئتهم الواضحة.. الطلاب يحملون الأجندات والكتب.. والموظفون منكسرون أكثرهم يطأطئ رأسه ويحملون بعض أكياس الفاكهة والخضروات ومستلزمات البيت.. أما المتسولون لمضيعة الوقت لا للشحاذ فهم يتأملون ويلاحظون ويتصنتون بل ويشعلون شعلة الفضول.. على بعُد أمتار من المحطة فجأة تتوقف عربة فارهة بفرملة عنيفة كأنها تقول ها أنا قد جئت انظر ونى.. لونها اسود .. تبدو من الماركات الغالية.. الأنظار كلها نحوها .. تهبط منها فتاة في غاية الأناقة والجمال على عيناها نظارة شمسية ترتدي مثل كل الفتيات المتطلعات ملابس مودرن جداً .. باختصار ملتصقة بجسدها إلى أقصى حد.. وعلى رأسها الزى غير الرسمي الإيشارب.. تنطلق العربة والفتاة تلوح لمن فيها بالسلامة.. وقفت الفتاة برهة ثم توجهت إلى مقر المحطة وأكثر الأنظار نحوها.. خاصة مجموعة من شباب الجامعة المندرجة تحت هاى شلة .. يلا شلة.. ليسوا من الأغنياء ولا الأثرياء ولا من الفقراء هم في خط الوسط لا يعرفون هل يتقدمون أم يتراجعون.. أقترب شابا من هؤلاء الشباب إلى الفتاة وكأنه يدور حول صينية ميدان عام بعربته الفارهة.. تشعل الفتاة السيجار بلا مبالاة وكأنها في ملهى ليلى وهى تنظر في ساعة يده أكثر من مرة في بضع لحظات.. وبدأ الشاب يجذب أطراف الحديث مع صديقه باستخفاف وهما ينظران إلى الفتاة نظرات رغبة : - ما رأيت أجمل ولا أروع من هذا الجمال. - وأنا لا أصدق أن القمر والشمس مجتمعان . - يبدو أن هناك مشهد رائع على موبايلى يمكن أن تفتح بلوتوثك وتأخذه. ثم للفتاة مباشرة.. - إذا كان محمولك به خاصية البلوتوث يمكنك أخذ هذا المشهد الرائع إنه مشهد نادر.. ضاحكاً وهى مازالت في صمت: - هل أنت طالبه معنا في الجامعة.. فيرد عليه صديقه مبتسما: - لا أعتقد يا صديقي .. فيبدو من جمالها ورونقها أنها تدرس في جامعة أجنبية.. في همسة عابره يستطرد كلامه وهو يقول لها مباشرة: - أرى أنك تنظرين في الساعة من حين لأخر..أنصحك بعدم الانتظار.. ما أجمل السير على الأقدام.. مازالت الفتاة في صمت وهى تسمع هذه السخافات من الشابين.. ولكن للصبر حدود.. فقد نفد صبرها ما أن قال لها أحدهما: - نتحدث عملي.. كم تأخذين في الساعة؟ انفجرت تواً.. وقذفت بالسيجار .. وأطاحت بحقيبة اليد أرضاً.. ثم نزعت نظارتها .. وفى سابقة من نوعها للشابين .. تبعثر فتاة شعرها بشكل غريب وكأنها غوريلا.. ثم تنهال ضرباً عليهما .. يهرولان كالفئران.. في أقل من دقيقة تعيد الفتاة رونقها وهى تستقبل عربة فارهة أخرى يستقلها شاب يبدو أنه من طبقة الأثرياء..! وتنطلق العربة.. لنرى بطريقة التصوير السينمائي زووم باك إلى الشابين وهما حائران .. إنها حواء.. اللغز الذي يصعب حله.. ولكنه ليس مستحيلاً إذا اقتحمنا بداخلها مثلث برمودا .!
ساحة النقاش