جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
قام مكتب النائب العام بالتأشير بإرسال البلاغ برقم 111298 بتاريخ 28 ديسمبر 2011 بالفاكس الى السيد المحامي العام لجنوب القاهرة .
السيد النائب العام
تحية وبعد
مقدمه
كارم يحيى سيد إسماعيل مواطن مصري وصحفي يعمل بجريدة " الأهرام " ( بطاقة0000 القاهرة) وزوج المواطنة المصرية السيدة دولت أحمد إبراهيم سليمان ( بطاقة رقم قومي 00000 الأسكندرية ) ووالد الطفل يحيى كارم يحيى ( 7 سنوات).
ضد
السيد وزير الداخلية والسيد مدير أمن القاهرة و السيد مأمور قسم شرطة المعادي و المقدم محمد العسيري رئيس مباحث القسم و الضابط التابع له "محمد طارق أبو سريع" و معاونيه.
الموضوع
نحو الساعة السابعة مساء يوم 27 ديسمبر 2011 عدت الى المنزل فوجدت زوجتى في حالة إنهيار وبكاء ومعها إبني . ولما تمكنت من تبين السبب إتضح أن رجال المباحث يتقدمهم الضابط "أبو سريع" قاموا بإعتقالها دون وجه حق وبدعوى " الإشتباه " في نحو الساعة الثالثة عصر اليوم ذاته من داخل محل في شارع 105 على بعد أمتار من منزلنا . ولم يستجيبوا لكل مناشداتها بأنها أم تركت إبنها الصغير في المنزل بمفرده و أنه بإمكانهم الحضور معها الى العقار لسؤال الأمن الخاص به لمزيد من التحقق من شخصيتها ،إذا كانت بطاقة الرقم القومي لا تكفي .
ولكن عبثا قامت قوة المباحث المعتبرة ومعها الضابط الهمام بإصطحاب زوجتى أمام حشد تجمع أمام المحل الواقع في مدخل سوق المعادي القديم في بوكس شرطة أزرق اللون من المحل الى قسم المعادي . و حاولوا في البداية إيداعها مستخدمين التهديد و العنف اللفظي الجزء الخلفي المفتوح من السيارة . وقد أمضت نحو ثلاث ساعات محتجزة بالقسم في ظروف وصفتها بأنها سيئة ولا إنسانية ، خصوصا أنهم إنتزعوا منها الهاتف المحمول في المحل ومنعوها من الإتصال بي أو بإبنها . بل أن الطفل عندما فزع من تغيب والدته وأتصل بها ، ردوا عليه بإستجوابه دون أن يمكنوه من التحدث الى أمه أو الإطمئنان عليها .
وفي النهاية جرى صرف زوجتي من القسم بعدما وقعت في دفتر الأحوال وهي في حالة إنهيار ومن دون أن تعلم على ماذا وقعت ؟.و لقد تبين لي عندما زرت القسم في ذات الليلة بصحبة " المهندس خالد البربري " أن الدفتر الذي وقعت فيه يسجل العبارة التالية :" بالكشف عليها تبين أنه لا يوجد عليها أحكام ". لكن الساعات التي أمضتها في القسم كانت حافلة بما هو أخطر وأعجب . فقد مارس عليها رجال المباحث أساليب ترويع وإبتزاز نفسي يصعب وصفها . قالوا لها أنها مطلوبة لتنفيذ أحكام في قضايا إتجار بالمخدرات .فلما نفت . إدعوا أن هذه هي أوراق الحكومة وسيكون عليها أن تمضى سنوات لإثبات العكس . ولما ألحت عليهم في أن يطلبوا زوجها قالوا لها : " لو عرف هيطلقك وياخد منك الولد" . والأخطر الأخطر أنهم حاولوا تحت ضغط نفسي رهيب إنتزاع توقيعها على ورقة مكتوبة بخط اليد بأنها " تتاجر في المخدرات ". وعندما صرفوها بطريقة خشنة وبالصراخ بالأمر في سيدة منهارة باكية :" أمض وأمش". حذروها قائلين :" لا تقولي ولا نقول على اللي حصل علشان ما تتفضحيش ويتخرب بيتك ".
السيد النائب العام
المعلومات السابقة هي حصيلة ما روته زوجتى وأبني بعدما تمالكا نفسيهما من هول الواقعة ، فضلا عن زيارات قمت بها على الفور الليلة الماضية للمحل الذي شهد واقعة الإعتقال للإشتباه ربما تحت مظلة " الطورائ" وهو محل " سولتير " للمصوغات رقم 13 بشارع 105 المعادي ولقسم شرطة المعادي مرتين . وقد تهرب رئيس المباحث المشار الى إسمه و رتبته في مقدمة البلاغ من مقابلتي مع أنني نحيت عن نفسي صفة الزوج والأب والإنسان، والتفت الى التساؤل عما حدث والى جمع المعلومات بأعصاب باردة . وأود هنا أن الفت إنتباه سيادتكم الى المزيد الذي لا يخلو من دلالة :
ـ أن الواقعة بدأت بإثنين من رجال المباحث السريين داخل المحل اللذين طلبا الإطلاع على هوية زوجتى ومن دون أن يكون لذلك أدنى صلة بدخولها الى المحل وعرضها قطعة حلي لوالدتها ( اللبنانية الأصل ) تستفسر عن " عيارها ". فقطعة الحلي ـ وهي بالأصل شبه "فالصو " ـ لم تكن أبدا محل إشتباه أو إلتباس مع مسروقات جرى التبليغ عنها ( وفق رواية صاحب المحل السيد محسن رمضان عباس) .
ـ وبعدما رفضت زوجتى التعامل مع الرجلين قبل أن يطلعاها على مايثبت أنهما " مباحث " قاما بإنتزاع هاتفها المحمول و بإستدعاء قائدهما . وهنا يلفت الإنتباه أنه جاء على الفور ومعه قوة إضافية من نحو ستة رجال شرطة سريين عازما على إعتقالها . و لعلكم تلاحظون سيادتكم مدى الإهتمام بـ " حرمنا المصون " .ولعلكم تتعجبون عندما تعلمون ـ كما علمت الليلة الماضية ـ أن محل سوبر ماركت مجاور تماما تعرض منذ نحو أسبوع لحادث سطو بالقوة وهو في منطقة سوق المعادي في غيبة تامة لرجال الأمن .
ـ منذ اللحظة الأولى وحتى إطلاق سراح زوجتى من قسم الشرطة حيل بينها وبين أن تعرف أسماء القوة "المعتبرة" وضابطها "الهمام " الذي يرأسها . فقط كل ما كان بإمكانها أن تعلم هو أن هذا الضابط ينادونه بـ " محمد بيه " ..هكذا حتى بعد ثورة 25 يناير 2011 " الضابط بيه " ورئيسه " باشا " في بلد ألغى مثل هذه الألقاب بعد ثورة 1952.
ـ قام رجال المباحث في قسم المعادي بالعبث بالهاتف المحمول لزوجتى أمامها ، وتصفحوا قوائم المتصلين بها والصور التي تحفظها ذاكرته . وسألوها عن هذا وذاك . وهو ما أعتبرته إنتهاكا لخصوصيتها . وهذا أمر ـ قد أراه مع غيري ـ بمثابة ترف إذا ماقورن بما يتعرض له المواطنون المصريون من إنتهاكات من قبيل السحل في الشوارع والتعرية وكشف العذرية وهتك العرض .
و حقيقة لا أعرف كيف يمكن وصف ما حدث لزوجتى وإبني ؟.. من الناحية القانونية هل هو إختطاف وإحتجاز أنثي بغير وجه حق و إهانتها وترويعها وإبنها الصغير وزوجها مع تلفيق الإتهامات و الإبتزاز ، فضلا عن الإعتداء على حقها في الإتصال بذويها بفرض أنها " متهمة" . وحقيقة لا أعرف ما هي صلة ما حدث بعملي الصحفي وبالكتابة و بآرائي المعارضة المنشورة قبل تنحى المخلوع " مبارك" والى حينه . و لما كنت لست من أنصار " نظرية المؤامرة " فإنني أستعذت بالله أن أصدق ما أعتبره أصدقاء " رسالة تهديد " و " شد أذن " عن طريق الزوجة والإبن . كما أنني أستبعدت أن تدخل الواقعة / الجريمة فيما رواه لي أحدهم عن عشرات من الحالات المماثلة وقعت لأمهات وزوجات وأخوات وبنات معارضين في الأيام الأخيرة . وهو أمر لم أتيقن منه بنفسي.
لكنني على يقين بعد أن جمعت ما تيسر من معلومات عن الواقعة بأعصاب باردة أن الضابط "الهمام " الذي إختطف أو إعتقل زوجتى قبل أن يخرج بقوته "المعتبرة" بها من المحل كان على علم منها بأنها زوجة فلان الصحفي .وقد روت لي كيف إستهزأ ورجاله وربما مرؤسوه في قسم الشرطة بالصحفي والصحفيين .
على أية حال ، رب ضارة نافعة . فزوجتى بالأصل ـ على عكسي تماما ـ لا تكترث بالسياسة و ليس لها أية ميول معارضة . بل أنها في غير مرة أسمعتنى دفاعا عن نظام "مبارك" و شرطته . وهي الآن بعدما عاينته بنفسها يوم 26 ديسمبر 2011 قررت أن تنزل معي الى " التحرير " في أقرب فرصة . وقد روت لي في إستهجان كيف كان مواطنون يترددون على القسم في ساعات إعتقالها للإبلاغ عن سرقة سيارات و غيرها . فيسارع رجال الأمن الغائب أو المغيب بفعل فاعل بإبلاغهم عبارات عبقرية من قبيل :" وماذا نفعل لكم .. مش عايزينها ثورة أشربوا بقى .. على الأقل أيام مبارك كان فيه فلوس وأمن ".
كما كان بإمكان زوجتى أن تقارن بين الشرطة والأمن عندنا و الشرطة والأمن في بلاد خلق الله . فهي بالأصل من أم لبنانية و لديها جنسية هذا البلد غير الأوروبي أو الغربي و"غير السوبر ديموقراطية وحقوق إنسان" وعاشت هناك أغلب سنوات عمرها بما في ذلك الأعوام التي حاولوا ترويعها بتلفيق وقائع قضايا مخدارت لها. وبالطبع قامت بإبلاغ أهلها في لبنان لما تعرضت له من تجربة أليمة. وعلى أي حال ، فإن ما خفف من وطأة المقارنة عندها وعند أهلها أنهم تذكروا ما كانوا يسمعون به عن معاملة " قوات الإحتلال السوري " للبنانيين قبل إنسحابهاعام 2005 من لبنان. أكرر " قوات الأحتلال ".
وبعد
تفضل مشكورا زميل مهنة يرأس أحد أقسام الحوادث بإبلاغ ما تعرضت له أسرتي يوم 27 ديسمبر 2011 الى اللواء " هاني عبد اللطيف " مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة وقد تفضل بدوره مشكورا بالإتصال هاتفيا بي في الليلة ذاتها و أبلغته المعلومات المتوافرة لدي بشأن الواقعة وأسماء مرتكبيها , ووعد بالتصرف في الأمر . وأمهلته حتى صباح اليوم التالي . وعاود الإتصال صباحا مكررا نفس الوعد. ومع تقديري الشخصي للسيد اللواء ولإهتمامه الذي لم يصل الى علمي أنه أسفر عن نتيجة محددة ، فإنني ممن لا يحسنون الظن بحال وزراة الداخلية على ما كانت و ماهي عليه الآن. والواقع شاهدي على ذلك . ولا أظن ان هناك أي أمل في إصلاح الداخلية إلا بإعادة بنائها قيادة وأفرادا وعقيدة وثقافة على أسس جديدة تماما . وفي مقدمتها أن يرأس الوزراة رجل سياسي مدني ممن يتسمون بالحزم وبإحترام القانون وحقوق الإنسان كما كان عليه حال مصرنا قبل ثورة 1952. وزير متحرر من الإنحياز لرفقة الضباط والدفعة والشلة و الأبناء والأقارب من "أهل الميري" وهيبتهم المدعاة وإستعلائهم على الشعب .
السيد النائب العام
لديكم متهمون محددون بصفاتهم وأسمائهم . ولديكم دفتر أحوال قسم المعادي . ولديكم شهود و إن كنت أشفق على أحدهم ( صاحب المحل ) من ضغوط المباحث والشرطة المعتادة في مثل هذه الأمور . ولا أعرف الى أي حد يمكن لضمير الرجل وهو " في السوق " والنظام الإستبدادي الفاسد القمعي مازال على حاله في بلادنا أن يصمد أمام المخاوف والضغوط ، فيروى في تحقيق رسمي ما أسمعنى بنفسه ، والى حد أنه قال:" ما حدث لا يسئ لزوجتك وحدها.. بل يسئ لسمعة المحل أن تخرج منه سيدة على هذا النحو الى بوكس شرطة". وفوق هذا و ذاك لديكم مشاعر زوج وأب تجاه ما حدث حين تضع نفسك محل شخصي المتواضع أو تضع إبنك أو قريبا لك أو عزيزا لديك.
ولكن هل ثمة جدوى من هذا البلاغ ؟
حقيقة أشك كثيرا . لأنه هناك ما هو أخطر وأعز لدينا وقع ويقع .. وسيقع حتما . لدينا فقدان حياة مواطنين شرفاء وعيونهم و أرجلهم وأيديهم ومستقبلهم وإلحاق الإهانة بالآلاف على أيدي قوات الشرطة .. والجيش أيضا . وبما في ذلك سحل مواطنات مصريات في أكبر ميدان بقلب العاصمة القاهرة وتعريتهن من الملابس وإنتهاك أعرضهن على هذا النحو جهارا نهارا . وهي مشاهد موثقة ومسجلة صوتا وصورة . تماما مثلما جرى مع زميلات صحفيات ومواطنات فاضلات أخريات أمام مقر نقابتي الصحفيين والمحامين في 25 مايو 2005 ، ومن دون أي حساب أو عقاب أو تهدئة خواطر الضحايا ورد أعتبارهن، ورغم تقديم بلاغات الى النائب العام .
و هناك تاريخ طويل من الوقائع الإجرامية المشينة ضد ضحايا قمع و إستهانة دولة بوليسية خارج القانون بمواطنيها وحياتهم وكرامتهم من شهداء وجرحى ثورة 25 يناير وماقبلها وبعدها . والكثير منها مقدم الى مكتبكم وموثق في صحف محلية وعالمية ولدي منظمات حقوقية في الداخل والخارج .
حقيقة أشك كثيرا . فقد عرفت قدماي مكتب النائب العام منذ ربيع عام 2003 مشاركا في تقديم بلاغات لم أعد أستطيع حصرها عن إعتداءات على حقوق الإنسان لزملاء مهنة و لمواطنين و عن وقائع فساد. ولعل آخرها بلاغات في 8 فبراير 2011 وما تلاه تتعلق بثروة "مبارك" ورؤساء مجالس إدارة صحف قومية طالبت ونحو مائة زميل صحفي بمنعهم من السفر و من التخلص من مستندات وأوراق تخص مقدارت هذه المؤسسات. لكن لا نتيجة لأي منها الى الآن .
وكل ما نملكه ـ على الرغم مما نشعره من إحباط لا نهاية له نتيجة غياب العدالة ـ أن نتقدم مجددا بمثل هذا البلاغ . لعل وعسى . أو علنا نسجل تاريخ وقائع ستجد يوما من يهتم .
..ونكرر برجاء إتخاذ اللازم قانونا مع جزيل الشكر
كارم يحيى سيد إسماعيل
في 28 ديسمبر 2011