موقع الأستاذ / خالد مطهر العدواني

يهتم الموقع بالموضوعات المتعلقة بالتربية والتعليم

قـــــــراءة فــــي خــريطـــــــــة الشيشان

بقلم / خالد مطهر حسين العدواني

         تكمن واحدة من أهم مشكلات الإدراك التخيلي في عدم وضوح ( الخارطة الذهنية ) لكثير من مناطق الصدام الحضاري التي يهتم بها فكرنا العربي والإسلامي على السواء ، وتعاني الشيشان من غيابها عن مخيلة الكثيرين نظراً لوقوعها في مكان معقد من الخريطة السياسية للعالم المعاصر .

والشيشان جزء من إقليم شهير كان للحضارة العربية معه علاقات وطيدة ألا وهو إقليم القوقاز .

والقوقاز إقليم جبلي يقع بين البحر الأسود في الغرب وبحر قزوين في الشرق ، ومن الخريطة المرفقة يتضح كيف ان الإقليم تتقاسمه أربع دول هي روسيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا .

ويتسم القوقاز بتنوع عرقي كبير ، وهو أمر راجع إلى كون الإقليم معبراً أرضياً مرت عبره موجات بشرية عديدة تحركت بين آسيا وأوربا وأفريقيا ، واستتبع لك التنوع العرقي تنوع لغوي شديد يندر أن نجد له مثيلاً في بقعة من الأرض لها تلك المساحة الصغيرة .

وبالنظر عن قرب لخارطة الشيشان يطالعك نهر تيريك العظيم ، يجري إشعاعياً من الجنوب والغرب ، حيث تغسل مياهه أقدام جبال القوقاز ، ليرتمي فيما بعد في أحضان بحر قزوين المتعطش للمياه ، وبين الجبل والبحر وعلى ضفاف النهر العظيم تُرّصع خريطة الشيشان سلسلة من المدن والبلدات أشهرها جودرمس ، وأرجون ، وجروزني العاصمة .

وإذا ما تتبعت الخريطة ستعرف من هم جيران الشيشان : فداغستان في الشرق تفصلها عن بحر قزوين ، وجمهوريات القوقاز الشمالي تفصلها في الغرب عن البحر الأسود ، وتقف لها جورجيا بجبالها الشاقة حاجزة في الجنوب ، أما في الشمال فيخيم عليها الظل الروسي الثقيل .

وهكذا كان موقع الشيشان الجغرافي موقع لا تحسد عليه وهي تواجه الزحف الروسي بموجاته المتتالية القيصري – السوفيتي – الفدرالي .

ورغم شهرتها ، فالشيشان ذات مساحة محدودة ( 17.000 كم2 ) ، وتستطيع أن تقطعها بسيارتك من الشمال إلى الجنوب في نحو ساعتين ومن الشرق إلى الغرب في أقل من ساعة ، ورغم صغر المساحة إلا ان الله قد منحها تنوعاً إيكولوجياً بديعاً ما بين غابات وجبال وسهول وأنهار ومناخات تتراوح بين الباردة والمعتدلة .

وتحكي لك جبالها ( والتي يفوق ارتفاعاتها 4000 متر ) عن قصص من البطولات يزهو بها تاريخ المقاومة الإسلامية في الدفاع عن الدين والذود عن الأرض والوطن .

وترقد الشيشان كل عام تحت تراكم ثلجي من أوائل نوفمبر حتى أواخر مارس بسمك يتراوح بين 1 إلى 1.5 متر ، وكما حددت الظروف المناخية (مواسم) الحرب والقتال في الشيشان منذ العهد القيصري وحتى اليوم ، حددت التضاريس كذلك معاقل المجاهدين والمدافعين عن أرضهم ، فكانت الجبال والغابات الكثيفة قلاعاً استعصت على الروس على مر التاريخ .والشيشان - تلك الدولة المعلنة من جانب واحد في نوفمبر 1991م ، وإن لم تنل حتى الآن الاعتراف الدولي ، دع عنك الروسي بالطبع – ذات قوام سكاني يناهز المليون نسمة يدين أغلبهم بالإسلام ، وتمثل القومية الشيشانية أكبر القوميات ( أكثر من 85 % من إجمالي السكان ) إضافة إلى قوميات أخرى على رأسهم الإنجوش .

ومع تداعيات حربيّ الشيشان ( الأولى في عام 1994 والثانية عام 1999 ) هجر الشيشانيون اوطانهم لدرجة قدر معها البعض سكان الشيشان الحاليين بأقل من نصف ما كانوا عليه قبل عقد التسعينيات الدامي ، والنتيجة عشرات الآلاف من اللاجئين معظمهم يعيش في مخيمات بجمهورية انجوشيتيا المجاورة في ظل مشكلات صحية واقتصادية لا أول لها ولا أخر .

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 1650 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2011 بواسطة kadwany

د. خالد مطهر العدواني

kadwany
موقع شخصي يهتم بالدرجة الأساس بالعلوم التربوية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

638,106