السطحيـــــة فـــي التفكيــــر لــــــدى أبنــــــاء المسلميـــــن
بقلم / خالد مطهر العدواني
إن الأمر الذي يلاحظ بوضوح وجلاء في الأمة الإسلامية وفي أعمال أبنائها وفي خلقهم وفي عباداتهم : هو السطحية في التفكير ، والتي تعد من العقبات الفكرية التي تعترض طريق الدعاة ..
فالكثير من أبناء المسلمين يشكون من الحيرة التي تحيط بهم ومن عدم وضوح مخططاتهم وأفكارهم ، ومرجع هذا كله إلى هذا الطابع طابع السطحية الذي وسم به التفكير وطُبعت عليه الشخصية .
ومن مظاهر السطحية في التفكير قد تبدو بشكل جلي لدى طلاب الجامعة فالبحوث التي يقدمونها لا تزيد عن نقل فقرات من المصادر التي توضع بين أيديهم غير شاعرين بوجود مشكلة يجب وضع حلولها ، ولا باحثين عن العوامل التي أدت إلى المشكلة والأسباب العميقة التي انتهت إليها .
ولا ينتابهم شك في صحة الحقائق التي وصلوا إليها ، لذا فهم لا يبحثون عن معايير لاختبارها ووزنها بموازين تثبت نقاءها وصحتها أو زيفها وبهرجها .
كما أن السطحية تتجلى لدى أبناء المسلمين في أحاديثهم ودراساتهم وسلوكهم وأهدافهم وفهمهم للحياة .
وتتجلى في الدراسات العلمية في حل المشكلات التي تعترض الباحث حلاً أقرب إلى التسوية الملفقة منه إلى المعالجة الصحيحة ، حلاً بعيداً عن تقصي المسألة والبحث في جذورها وأعماقها بل هو بحث يبدو أن الغرض منه إسكات السائل وإقناعه بوسيلة ما ، لا الانتهاء بالبحث إلى صلب الحقيقة واقتلاع جذور الشك من أعماقها .
وتنتقل هذه السطحية إلى الشخصية كلها وإلى سلوك الفرد وإلى تفكيره الخلقي والديني وإلى عبادته فيأتي بأمور متناقضة ولا يبالي بتناقضه .
فنجد أن الدعاة أو جماعة من الجماعات الإسلامية قد تدعوا الناس وتحث أعضائها على التمسك بتعاليم الدين وتعلم الكتاب والسنة والالتزام بأوامر الله ونواهيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلا أنهم وفي الوقت نفسه قد يستبدلون العلم والعلماء بالمثقفين القاصرين والممثلين السذج : { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ }البقرة61.
فنجد أن عدد ما يحضر محاضرة أو ندوة علمية لأحد العلماء الجهابذة الذين يحملون العلم ساعين به إلى الشباب والدعاة من أبناء أمتنا ليرتو من ذاك العلم ، لكون الإنسان – مهما بلغ من العلم – بحاجة إلى من يذكره بدينة وأمور دنياه ، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }الذاريات55 ، إن من يحضر لعالم من هؤلاء العلماء ويسعون إلى الاستماع إليه لهم قلة قليلة ممن يحضرون إلى فنان قد يعزف على آذانهم أصوات الشيطان أو ممثلاً قد يُضحكهم لساعات وساعات دون أن يشعروا بالملل أو الإرهاق حتى ولو كانت تلك الساعات في قاعات مفتوحة وليلة باردة ، وهم يعلمون بقوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ }لقمان6 . وقد يكون هذا الممثل ينتقد السلطة أو جماعة من الجماعات الإسلامية أو المتدينين بصفة عامة ، نقداً ساخراً سخيفاً .. ناسياً قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ ...... } الحجرات 11. وقد يستهزئ ببعض الخطباء والعلماء وشبابنا يتقبلون ذلك بكل أريحية ضاحكين ، والمؤسف والمحزن أن هذا التناقض وتلك السطحية قائمة في فئة كبيرة من الشباب الذين يتصفون بالتدين والصلاح وقد تكون في جماعة إسلامية بأكملها – في قيادتها وأفرادها – فقد تفضل تلك السخافات على طلب العلم والاستماع للعلماء ، بحجة أن المسرحيات الشعبية والتمثيليات الناقدة والساخرة قد تكون ذات جدوى وتأثير كبير على المجتمع ، كما أن الشيخ أو العالم يتبع الجماعة (..) وذاك ينتمي إلى المذهب ( ..) .. وهكذا .. فيمنعون أفرادهم من الاستماع أو الحضور ، غافلين عن قوله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ... }الحشر7 . وأصبحت السطحية في تفكير هؤلاء الشباب وتلك الجماعات هي السائدة على تفكيرهم وتصرفاتهم .. مما نتج عنه التعصب للجماعة وللمذهبية فحجبوا على أنفسهم الفائدة والرقي بأمتهم وأنفسهم .
فهم لا ينظرون إلى العلم الذي يحمله ذلك العالم بقدر ما ينظرون إلى انتمائه ومذهبة ، ولو أن هؤلاء الشباب فتحوا عقولهم لما يسمعونه أو يقرءونه بعقلية مفكرة ناقدة ( تفلتر ) وتصفي – إن صح التعبير – ذلك الكلام وتلك الأفكار وتعرضها على كتاب الله وسنة نبيه لخرجوا بما هو مفيد لهم تاركين كل ما شذ وخرج عن إطار الشرع ممتثلين لقوله r : (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله و سنتي ) أنظر الألباني صحيح الجامع .مع أنه يُنصح بعدم الاستماع إلى كلام الرافضة وغيرهم ممن يبثون الشكوك والبدع في ديننا الحنيف ، إلا أنه يجب على شبابنا وخاصة الدعاة منهم أن يكونوا على قدر كبير من الثقافة الإسلامية وألا يكونوا سطحيين في التفكير وعليهم الرجوع إلى العلماء والتحقق والبحث الجاد والعميق عندما يتعرضون إلى المسائل الخلافية والبدعية ، ليكون الداعية على قدر كبير من الإلمام بأمور دينه ودنياه مُخلفاً بذلك عقلية مسلمة مفكرة باحثة عن الحقيقة وألا تكون عقلية مستعمَرة من قبل التفكير السطحي { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43.
كما أن مظاهر السطحية لا تتوقف عند هذا الحد بل نجد أن الحيل الشرعية عند أبناء الأمة الإسلامية مثل من أمثلة السطحية وعدم التمييز بين حقائق الأمور وقشورها .
حتى سرت السطحية إلى العبادات ففقدت روحها وحقيقتها كما سرت إلى النواحي الخلقية ففقدت أيضاً حقيقتها ، وكان من نتائج ذلك أن تدنى الفرد المسلم إلى درجات دون المستوى الإسلامي الصحيح .
و يقترن بالسطحية سرعة تقبل الأفكار التي تلقى على أبناء المسلمين وإن كانت مغلوطة أو منحرفة وتقتراً أيضاً بتقبل الأفكار الغامضة والخاطئة والدعايات الكاذبة .
فكانت تلك السطحية في التفكير سبباً في انحراف المعاني الإسلامية عن سبيلها السوي إلى جانب هذا كان الغرور بالنفس وشعور بالكمال ولكنه كمال العقم أو كمال الموت .
إضافة إلى انحراف في المفاهيم وإيمان خامد هامد لا يدعوا إلى بذل ، وبغبغائية : ونعني بها ذكر الألفاظ والتبجح بها وترديدها دون إدراك عميق لمدلولاتها ، ويقترن بكل هذا أيضاً ضعف القدرة على التخطيط لمواجهة المشكلات وإيجاد الحلول الصحيحة لها .
وفي الختام ... يجب علينا أن نتخلص من سطحية التفكير وأن نبحث عن الحق الكامل بغض النظر عن التعصب الشخصي والمذهبي والحزبي والاجتماعي والتقاليد الخاطئة .