و في لمح البصر أضحى المكان خاويا على عروشه. أزواج من الأحذية المتناثرة ...لفافات ... علب سجائر ...
" اللعنة . اللعنة ...أين هم؟ ". كان يزمجر في وجوه أعوانه و الرّذاذ يتطاير من بين شدقيه. تقبّلوا الأمر ولكن باشمئزاز.لا أحد بإمكانه الاعتراض. ودّوا لو أن الأرض انشقت و ابتلعتهم أو ابتلعته. لقد ملّ بعضهم أدوار البطولة في هذه المسرحية الرّتيبة. تساءل أحدهم و كان حديث عهد بالوظيفة:" لا أدري لم لا توفّر لهم الحكومة أسباب العيش الكريم فتريحهم و تريحنا". فاندفع زميله مؤنبا:" غبيّ ...و أحمق ... و ستظلّ كذلك إلى الأبد. أتريد قطع أرزاقنا؟".
لقد تعوّد صاحبنا على استفضال بعض الدنانير من هذه المهنة ،على ما فيها من امتهان لكرامته، فلا يجيد غيرها . انتشرت العيون في كل زاوية . الوضع آمن . أعاد فتح علبة الكرتون التي معه من جديد ،و أخرج البضاعة . و ما كاد حلقه يلجلج ببضع كلمات تعود عليها الزبائن حتى انقضّوا عليه بصلف، قهقه كبيرهم قائلا:" كمين محكم". و قال آخر:" سقط العدوّ" و ردّد ثالث:" حثالة " .
فتح العون المحضر . أوراق ....و أوراق... و كتب : لقد تم حجز كل الممنوعات: علب سجائر ...دبابيس... ولاعات...". ترجّاهم إرجاع بضاعته مورد رزقه . استعطفهم بأبنائهم. توسّل إليهم بكلام لو سمعه الحجر للان ولما يفتّ فيهم. و إذا بأحدهم يربّت على كتفيه و ينتحي به جانبا في إحدى الزوايا. لعله أشفق عليه أخيرا. غابا قليلا من الوقت. و ما هي إلا هنيهة حتى عاد العون ساباّ لاعنا:" قاذورات ... زبالة ..." . و ألفينا صاحبنا المسكين يردّد باستغراب لكن
بعزم:" مستحيل ..هذا مستحيل ... أبواي لم يربياني على ذلك... كلاّ... لن يحصل ذلك أبدا
و لتذهب البضاعة إلى الجحيم".
قصة قصيرة
بقلم الطيب جامعي