الوجه الأبيض
متعبا. كنت. مستلقيا فى الغرفة الوحيدة التى استخدمها بعد رحيل زوجتى...
نور..كانت كل شيء كان لها وجها أبيضا مستديرا وكأنه القمر عند الإكتمال أ نجبنا ثلاثة أولاد ذكور
تعبت كثيراً فى الحمل والولادة وأصيبت أكثر من مرة بنزيفٍ حاد
عندما حاولت النوم لم يفارقنى وجهها الملائكى.ابتسامتها.حديثها نكاتها عراكها.حتى دموعها
أحسست بروحها ترفرف فى المكان ووجهها فى كل ركن بالدار
ولما أغمضت عينى للحظات
.دوت صرخات فى أذنى فقمت مفزوعا ..كانت الصرخات آتية من دار جارنا الحاج صابر المصرى أ بو أنيسة
أخرجت رأسى من الشباك .
فيه إيه يا أبو أنيسه
ردت البنت
-إلحقنا والنبى .أ مى بتولد وتعبانة قوى
..ساعتها أحسست بإنقباض غريب .
..إحساس لم يفارقنى منذ سنين ..ذالك اليوم الذى لاأنساه أبدا ..
..كنت نائماً فى (الغيط) فى ظل شجرة توت عتيقة ..أغط فى نومٍ عميق بعد عناء ضم القمح الذى يكسر الظهر
جاءنى ابن أخى..وكان شاحب الوجه مرعوبا ..
--
إلحقنا يا عمى ..عمتى بتولد
فى تلك اللحظة ..فرحت وترأى أمام عينى وجهان أبيضان مستديران .وجه زوجتى ووجه المولود.
ظللت أجرى على الطرق المتعرجة كظهر الحمار الشموس .تسقط من يسير عليها بغير هدى
أ شق الغيطان إختصارا للطريق ..تدخل الأشواك فى قدمي الحافيتين ..حتى وصلت إلى الدار
نساء القرية يملآن الشارع ..وأنا اسألهن .قالت واحدة
مسكين كان نفسه فى بنت
.وقالت الأخرى
مسكينة نور ..ضعيفة وهفتانة يعنى كانت لازم تحبل تانى
عندما وصلت إلى الدار ..دفعت الباب بقوة .كانت صرخات زوجتى تهز المكان ..تزلزل القرية وتمزق قلبى
ولما دخلت غرفتها ..قبضت على يدى وهمست
--هموووووت
الوجه الأبيض تحول إلى قطعة من الشمع الشاحب
قالت القابلة وهى تمسح دموعها ..وقد وضعت فوطة فى فم زوجتى
جزى على سنانك قوى ...ربك معانا هو القوى ..
كانت زوجتى قد أغمضت عينيها للحظات ..ثم فتحت عينيها تحدق فى وجهى ..وهى تقبض على يدى ثم قالت بصوت ضعيف
-همووووووووووووووت
أ حسست ساعتهابالعجز .. ودون تفكير صرخت بكل ما أملك
دكتور ...مافيش دكتور
فى تلك الأيام كان الريف مهملا ..والمستشفى البعيد عن قريتنا خرب وكأنه بيت للبوم
..
كان أخى يضرب الحصان بعنف ليسرع الخطى إلى المستشفى أملاً فى أن نجد طبيبا هناك
مر الوقت ثقيلا والطريق طويلاً ومملاً
وعندما وصلنا إلى المستشفى .كانت صرخات نور قد توقفت تماما
كانت الشمس فى السماء تميل ناحية الغروب .
.ووجهها الأبيض مرسوما فى قرص الشمس
وفى غرفة الولادةكان الجميع فى صراع مع نقص الإمكانيات والوقت وصراعها مع الألم ..ولما فتح باب الغرفة ..قال الطبيب.
-محتاجين دم بسرعة
أهل القرية ..شمروا عن سواعدهم فى سباق عجيب ..دفعهم أخى وتمدد على السرير
--خد اللى يكفيك يادكتو ر..بس متسبهاش تموت زى عزيزة .
.ثم انخرط فى البكاء
تذكرت عزيزة زوجتة .كان وجهها أبيضا مشربا بالحمرة .
.فى العام الماضى ماتت وهى تلد فى نفس الغرفة
كانت صرخات زوجتى قد زادت ...ثم هدأت..........ثم ساد الصمت
نظرت الى السماء
.واختفت الشمس تماما
..................................رشاد الدهشورى