لغة مفقودة ايضا فى دنيا الأمومة .. تلك الأقصوصة التاسعة من مجموعة " حين نفتقد اللغة " والتى أصابت بالجنون صديقى المغفور له المستشار / مجدى عبد المعبود . فكان كلما التقانى يصرخ قائلا " ما طلعتش امه يا دكتور " .. ثم يمضى وقتا طويلا فى كل مره يحدثنى عن تلك الأقصوصة !
________________________________________________
يومها لم اكن أدرك المصطلحات اللفظية ، للمشاعر الكثيرة التى تمتلئ بها الحياة ، وتدخل كيانى الواحدة تلو الآخرى ، ولكنى كنت أحسن المعانى وراء ما أرى من أشياء الدنيا من حولى .
لم أكن قد تجاوزت الثامنة من عمرى ، وكنا نقيم ببيت فى طرف المدينة الصغيرة ، تحيطنا المزارع ، ويلفنا الهدوء الذى لا يقطعه إلا نباح الكلاب وهى تعلن للدينا أنها موجودة .. حتى ليبدو لى الآن ، وكأنها كانت تعانى من تضخم الإحساس بالذات .
**************
كنت أحبها .. وأسترق الوقت لأقف بشباك غرفتى صامتاً .. كمن يتأمل فى محراب ، وأنا أنظر إليها ، يسيطر على أحاسيسى الخضراء إنبهار بهذا المجتمع الذى شدنى كثيراً .
كنت معجباً بإحساس الأمومة لدى تلك "الكلبة" الكبيرة ، التى تترك أحد الصغار يضربها أحياناً ، ويقفز فوق رقبتها أحيانا اخرى ، ويعرقل سيرها كلما ذهبت هنا أو هناك.
وداخلنى اعتقاد كبير من خلال هذا الحب المتبادل ، بأن " الأمومة " هى الشئ الكامن وراء تلك المشاعر الراقية ، وصارت إجابتى التلقائية حينما ينادينى أحد من الداخل وأنا بشباك غرفتى الذى اتخذت منه برجا للمراقبة ..
: أنا مش فاضى .. أنا بتفرج على الكلبة وابنها ..
***************
وصارت كل حكاياتى لضيوفنا عن الكلبة الكبيرة ، وابنها الصغير ، واتمنى لو شاركنى الآخرين الاستمتاع بهذا العالم الجميل ، الذى استهوانى وأخذنى من دنيا البشر .
إلى أن كان يوم قررت فيه أن أكرم الكلبة الكبيرة وابنها .. فألقيت إليها بأحد الأرغفة .. وفى لحظة تحول الحب الهائل فى قلب الكلبة الكبيرة ، إلى كراهية عجيبة وشراسة مستطيرة .. وهى تضرب الكلب الصغير الذى تجاسر محاولاً الحصول على بعض الخبز !
*****************
ابتعد الكلب الصغير يصرخ وهو يلعق جراحه .. وابتعدت أنا عن نافذتى منكسر الخاطر ، وذهبت إلى أمى أكاد انفطر من الحزن وأنا أقول لها ..
: يا ماما الكلبة مطلعتش أمه !
ولم تستمع أمى إلى أحزانى لإنشغالها عنى بضيوفها .. فذهبت إلى أبى أروى له مأساة الكلب الصغير الذى يحيا بلا أم .. لم يفهم أبى ما قصدت .. ولم يحاول مواساتى فى نكسة مشاعرى .. فذهبت إلى سريرى أغطى وجهى ودموعى الحبيسة ، وأقول لنفسى بمرارة ..
: أنها ليست أمه !
________________________ محمد البكرى
نشرت فى 30 سبتمبر 2016
بواسطة jousryeleow
بستان الإبداع العربي
مجلة تهتم بالأدب العربي ورعاية المواهب »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
171,511