إن نعم الله تعالى تتواتر على عباده في كل حين، ولكن القليل منهم من يشكرها، والكثير من يجحدها أو يغفل أو يتغافل عن شكرها، وقد لا يذكرونها إلا حينما تولّي عنهم، فالموجود منسي، والمفقود مذكور وكما قيل فان الشتاء جاثمًا على الصدور بجفافه وقسوته وعبوسه وإن من نعم الله الجليلة في هذا الفصل هطولَ الأمطار، وانصباب الغيث المدرار، الذي يرحم الله به العباد والبلاد والشجر والدواب فتبتسم الأرض ببكاء السماء، وتسعد بهذه النعمة بعد الشقاء فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ وإن المطر نعمة عظيمة من نعم الله الكثيرة، تنتج عن هذه النعمة نعمٌ أخرى تصلح بها الحياة الدنيا، مما يوجب ذلك توحيد الله تعالى وعبادته؛ شكراً لله تعالى وهذه النعمة ليس للإنسان يد في حصولها، بل هي محض تفضل من الرب الكريم، ولو شاء الله تعالى لجعل الماء مالحًا غير صالح للحياة، قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ والمطر مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده ورأفته بهم مع كثرة ذنوبهم التي هي سبب لحجب هذه الرحمة عنهم، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ وقال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ وقال: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ وإن الله تعالى قد وصف هذه النعمة في كتابه: بالبركة والطهارة والحياة؛ لحصول ذلك في واقع الخلق، قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ وقال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ وقال: ﴿ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ وقال: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ وا وان الله تعالى بلطفه ورحمته قد أنزل هذه النعمة على عباده ما استقاموا على طاعته بقدر حاجتهم، فلم يجعلها تعالى دائمة الهطول فتفسد عليهم حياتهم، بل إنه تعالى جعل لها مخزنًا تخزن فيه إلى وقت الحاجة وهو باطن الأرض لتستخرج وقت العوز إليها، وذلك حينما تزيد على حاجة الإنسان وإن هذه النعمة تستحق منا التأمل والنظر المتدبر في أسبابها وآثارها ونزولها وما يحتف بها من آيات الله تعالى؛ حتى يعظم شكرنا لله تعالى عليها، ويزداد إيماننا به عز وجل حتى لا يحرمنا هذه النعمة؛ ولهذا أمر الله تعالى بهذه العبادة وهي عبادة النظر والتأمل إلى هذه النعمة وآثارها .