........................... عقوق الناس العزاز ......................

يحكي أن مدرسة ارادت اختبار تلميذ، فوضعت في حقيبته ثلاث تفاحات، ثم سألته عن عددهم فأجاب: أربعة. فطلبت منه التركيز ومعاودة الرد، فأجاب بنفس الرقم، فكررت السؤال مراراً وهو مصمم على أربعة. فجاءت بثلاث برتقالات وطلبت منه وضعهم في حقيبته ثم سألته عن عددهم فأجاب ثلاثة، فأعادت المسألة بالتفاح فقال أربعة، فثارت، لما؟
فأجابها: كان معي تفاحة في حقيبتي وضعتها لي أمي في الصباح و هي تحضر لي الفطور، وحينما أضفتي لي الثلاث تفاحات، صاروا أربعة.
والمغزى أنه من الصعب اصدار صائب الاحكام حال عدم المامنا بخفايا الأوضاع.
..
..
وذات الأمر ينطبق حينما يجلد المجتمع الأبناء بسوط على رقابهم برميهم بالعقوق دون معرفة خبايا ظروفهم و ذرائعهم مع ذويهم.
فالاعتقاد بقدسية الأباء - دون استثناء- استناداً للمقدس، يجانبه الصواب كما يخالف العدل والمنطق والدين، كونه يساء استغلاله من عقول تنصيصية اختزلت المقدس لخدمة أغراضهم ونست قولة عمر حينما شكا له أب من عقوق ابنه، فتقصى عمر عن أحوال الابن . ثم وبخ والده : "لقد عققت ابنك .. قبل أن يعقك".
..
..
- و أبدًا لن أمل القول ان عتبات المساجد ودور الايتام وقارعة الطرقات بل وحاويات القمامة شاهدة على الالاف من حالات القاء الأباء لأبنائهم، صغارهم كما وأجنتهم بحاويات المهملات.
-على أن عقوق الأباء و الناس العزاز للأبناء ليس قاصراً على أبناء السفاح، فالتغرير بمصالح أبناء الحلال لإتمام زيجات مربحة ولو كان العريس مسناً أو سيتزوج لتوقيت محدد بإطار صفقة مقابل أجرة .. أليس هذا بكافٍ لوجود حالات عقوق أباء للأبناء؟!
- كذلك، فإن التقوت بشرف الابناء متفشي في مجتمعاتنا سواء بين العائلات الفقيرة التي تبيع بناتها للأثرياء، او بين الأغنياء الذين يعقدون الصفقات مقابل شراكة أو تعضيد ملكيات أو توسيع رقعة أرض أو خشية انتقال الارث لغير ذوي العصب.
..
..
إن عقوق الاباء والأمهات لأبنائهم قضية مسكوت عنها رغم تفشيها.
- واكم من أسر مات الوالد فأخذت الام بناتها من أيديهم واجبرتهم على توقيع توكيلات شاملة للأخ الأكبر.
- واكم من أب ضغط على وليده لإجباره على دراسة الطب عوضاً عن حلم ابنه في العمل بالهندسة، ليضمن انتقال عياداته لأبنائه، او مهندس منع ابنه من حلم الطب ليخلفه في شركته وإلا اعلان العقوق والتجريس والاقصاء.
- وأكم من عم جرس أولاد اخيه المتوفي رغبة في تقليب العائلة ضده لمجرد انه لم ينصاع لتوريطه في معاداة اشخاص بعينهم.
- واكم من أم سلطت أحد أبناءها في البيت ومكنته وجعلته الحاكم بأمره ومررت اهاناته لسائر اخوته وغضت الطرف عنها تماامًا و كأن لم تكن ، فتفاقمت مشاعر الظلم لدى ابنائها حتى تملكتهم مشاعر الخوف و الحذر من معاودة الامهانة فهجروا البيت و هو ملجأهم الوحيد هرباً من سوء المعاملة والتجبر والتسلط، ثم راحت تشتكي عقوق أبناءها وعدم زيارتهم لها.و صارت استاذ كرسي فيي تمثيل دور الأم المنكسرة.
- أكم من والدين أفشوا أسرار أبنائهم وجعلوهم أحاديث "وعلى فكرة، جوز اختك جاله سرطان بس مخبيين، و اخوكي انفصل عن مراته لكن محلفينني ما اقولش، و بن خالتك نزل من السفر بس فاصل شحن و موصيني ما اقولش لحد" ثم :" دي اخرتها يا ولاد، تخبوا عني أخباركم.. عامليني غريبة. طب مش كفاية".
- عقوق الاباء العزاز موجود لكن مسكوت عنه ويعامل كاللمم .. حينما يتهاونون في التضليل بالمشورة في زيجة غير متكافئة فقط لإزاحة المسؤوليات من على كاهلهم .. او للضغط على الأبناء لاستمرار تجرع المعاناة مع شريك ظالم بحجة "كله علشان خاطر مصلحة شوشو". رغم ان هذا الموقف المتخاذل يرجع اصالة لخشيتهم في مساعدة الضحية و تحمل الاعباء معه.
..
- عقوق الاباء للأبناء منتشر سيما في حالات سفاح ذوي القربي حينما تتكتم الأم جريمة مغتصب صغيرتها ،كون المغتصب من اقربائها كي لا تفضحه أمام زوجها و كل لا تتهم بالتخاذل في رعاية ابنائها، ولتحافظ على الصورة التي رسمتها امام زوجها أن أسرتها أفضل من أسرته.. و لو ضحت بحقوق و نفسية أكبادها.. بل قد تهادن المغتضب و تقترض من امواله و تستفيد منه و تتستر على جرائمه و شنائعه كما قد توكله رسميا باوراق تخول له الحق في التصرف في امالكها و تكبره وتتزاورمعه و ترحب به و تطبع معه ثم تتشدق بالعقوق و الحقوق!
..
..
-عقوق الأباء للأبناء متفشي سيما حين يلمس الأبناء من ذويهم حرصاً في مجاملة الاغراب ومحاباتهم على حسابهم، فالهدايا والمعاملة الأفضل للأغراب، أما أبناء الرحم فيسفهون ويهمشون ويمنحون الحب بالقطارة تماماً كالزواج العرفي الذي يمنح فيه الزوج محبته لزوجته في السر، أما في العلن، فلست مني ولست منك، فيعاني الأبناء من انعدام الثقة في النفس ومن مشاعر الهوان والصغار.
- عقوق الاباء للأبناء حينما يلمس الابن من اباه مطالبه ببره، رغم انه رأى والده يجحد جده و يظلمه و يصغره و يستقبل سواه استقبال الملوك الا الجد يستقبل بازدراء و يعامل بتهميش و بهوان!
..
..
-عصارة القول، ان التكسب من السند الديني بتقديس الأباء حق استخدمه باطل، وحبذا لو أعلن أن له استثناء في حالة عقوق الأهل لأولادهم.
وتبقى المشكلة في صعوبة اعتراف الابن بعقوق أهله له، فهو أشبه بالرجل الذي خانته زوجته، فإن أفصح عن جرمها نالت سمعته من درن فحشها.

بقلم: داليا الحديدي

janjeel

.: عدد زوار الموقع :.


  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 144 مشاهدة
نشرت فى 11 يوليو 2017 بواسطة janjeel

تفاصيل

janjeel
معا لصالح الوطن والمواطن »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

328,587
نتيجة بحث الصور عن فانوس رمضاننتيجة بحث الصور عن جاك للاجهزة الكهربائية