الرسول ودلائل نبوته . (2)
بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
جاء الرسل لهداية البشرية ،ودعوتهم إلى الصراط المستقيم ،وأمدهم الله لهذه الدعوة بدلائل نبوتهم وبراهين رسالتهم ؛ليتأكد صحة ما يبلغونه عن رب العالمين.ولقد جاءت تلك الدلائل للأسباب والفوائد التالية :
1- سعادة البشرية ،وهذا ما شرحناه في المقال الأول ،واليوم نشرح الفوائد التالية .
2- دخول الإسلام :
الهدف الأكبر من ذكر دلائل النبوة هو الإيمان بالإسلام دينًا ، وبمحمد نبيًا ورسولًا، والتصديق بخبره والطاعة لأمره وهذا يجعلنا نسأل كيف ندخل الإسلام ؟ والجواب يدخل الإنسان الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداَ رسول الله .فإذا أقر بالله وبأنَّه واحد لا شريك له، ولا معبود بحق إلَّا هو فلن يكمل إسلامه إلَّا بالاعتراف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم . وبكون محمد رسول السماء إلى الأرض ،والرجل الذي أتي بالكلمة الأخيرة من السماء لإنقاذ البشرية ، و لقد منح الإسلام من يؤمن بالله رب العالمين وبهذا النبي الكريم من غير شك ولا مرية دخول الجنة. روى الإمام مسلم عن أَنَس بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ يَا مُعَاذُ قَالَ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ يَا مُعَاذُ قَالَ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ يَا مُعَاذُ قَالَ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ إِذًا يَتَّكِلُوا فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا".
إنَّ الإيمان بمحمد قائم على العلم والدليل والبرهان ، وليس على التقليد والاتباع كما كان يفعل أهل الجاهلية الذين قالوا: ﴿إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مقتدون﴾ [ سورة الزخرف الآية : 23]
ولقد دعانا القرآن الكريم للتأمل في دلائل نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ تَعَالَى : ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ 46 ﴾ [ سورة سبأ: 46]. لقد دعا خاتم النبيين الناس إلى التأمل والتفكر بعيدًا عن ترك أقوالهم أو اتباع قوله إنَّما هي دعوة للتفكير والتدبر في أمر صاحب هذه الدعوة " بعيدًا عن الحواجز التي تمنعهم من الهدى ومن النظر الصحيح ثم ما الفائدة التي تجعل هذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يلاحقهم بالدعوة ، وليس له من وراء ذلك نفع ، ولا هو يطلب على ذلك أجرًا ، فما لهم يتشككون في دعوته ويعرضون؟ "وقوله ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ أيْ: تنهضوا بهمة، ونشاط، وقصد لاتباع الصواب، مجتمعين، ومتباحثين في ذلك، ومتناظرين، مَثْنَى وَفُرَادَى ، كل واحد يخاطب نفسه بذلك، فإذا قمتم لله، مثنى وفرادى، استعملتم فكركم، وتدبرتم أحوال رسولكم.. هل هو مجنون، هل فيه صفات المجانين من كلامه، وهيئته، وصفته؟!! أمْ هو نبي صادق ؟!!ولسوف نعرض الأدلة التي تشهد بنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -تثبيتًا لإيمان المؤمنين، وخروجًا به من التقليد إلى البرهان والدليل، وهو أَيْضًا دعوة للبشرية التائهة عن معرفة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وجوانب العظمة في حياته ودعوته، دعوة لهم للتعرف على هذا النبي الكريم، والإيمان به نبيًا ورسولًا.
3- محبة الرسول صلى الله عليه وسلم:
يجمع المنصفون من أهل الغرب والشرق أنَّ مَنْ عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا أحبه، وإنْ كان يعرفه مِنْ قبل فسوف يزداد له حبًا. وفي قلب كل مسلم توجد بذرة محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه البذرة إذا نمت بالمعرفة والإيمان صارت شجرة تزيد الإيمان قوة وتزيد الاتباع هديًا واقتداء بفعل النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام البخاري عن عبد الله بن هشام قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْآنَ يَا عُمَرُ "فجواب عمر أَوَّلًا كان بحسب الطبع ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والآخرة فأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل الجواب بقوله الآن يا عمر أي الآن عرفت فنطقت بما يجب"ولهذا فليس في هذا الحديث مطعن في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خاصة وأنَّ عمر قبل هذا الحديث كان قائمًا بحقوق النبي من تعظيم وتعزير وتوقير واتباع خير قيام فرضي الله عنه وأرضاه. ومعرفة شمائل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وفضائله العظيمة تزيد من محبة المسلم لنبيه، وتفتح الباب أمام غير المسلمين للتفكر في شأن هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والدخول في دينه واتباع منهجه ولعل النصوص التي بشرت به في كتب السابقين من الأنبياء والرسل المكرمين تزيد رسوخ الإنسان ، وخاصة وأنت تقرأ اعتراف أهل الكتاب في الماضي بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترافات المنصفين في الحاضر بفضله وعظمته، ومواقف الجمادات والمخلوقات . ثم إنَّ الناظر في تاريخه يراه يضحى بوقته وحياته وأمواله مِنْ أجل أنْ يصل إلينا هذا الدين نقيًا، فكم اضطهده المشركون، وكم عذبه الكافرون كل ذلك من أجل نشر هذا الدين وتبليغ هذه الرسالة ..
عذرًا رسولَ الله لم يعرفوا قدرَك
حين نادَوا باسمِك وشوهوا رسمَكْ
هم لم يفعلوا ما فعلوا إلا بجهل
ولو علموا الحقيقةَ لقبّلوا قدمَكْ
لو علموا أنّك المصباحُ المنيرُ
لما قبلوا الاستضاءةَ إلا بضوئك
لقد وبخ الله عز وجل المشركين لأنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعرفون أخلاقه وصدقه، فقال تعالي: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ [المؤمنون:69].
فقوله ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾ المقصود به محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ قال ابن عباس: أليس قد عرفوا محمدًا صلى الله عليه وسلم صغيرًا وكبيرًا، وعرفوا نسبه وصدقه وأمانته ووفاءه بالعهود، وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعدما عرفوه بالصدق والأمانة"
إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف بأخلاقه وأمانته قبل بعثته، وبعد البعثة وقد عضده الله بالمعجزات الباهرة والآيات الدالة على صدقه ونبوته صلى الله عليه وسلم، فمن عرفه بحق أمن به .
بيد أننا لا نوجه هذه الدراسة إلى المسلم فحسب ،ولكننا ندعو غير المسلم ليرى من البشارات التي تحويها الكتب السابقة التوراة والإنجيل ما لا يدع مجالًا للشك بأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النبي الخاتم الذي كان ينتظره بنو إسرائيل كما كانوا ينتظرون المسيح، فهي دعوة لغير المسلمين لمراجعة أنفسهم والتفكير في هذا الرسول الصادق الذي بعثه الله لينقذ سفينة العالم الحائرة إلى شاطئ الله رب العالمين .
إننا في هذه الدراسة لا نسعى إلَّا أنْ نقدم نبذة يسيرة في التعريف برسول الله صلى الله عليه وسلم وبدلائل نبوته وأمارات صدقه وبعثته، وإننا لنعلم أنَّ هذه الدلائل والأمارات كفيلة بترسيخ محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلب كل مسلم ودعوة غير المسلمين لمراجعة أنفسهم والدخول في دين الله .
وما أعرضه عن دلائل النبوة هو جانب ضئيل مما مُنحه صلى الله عليه وسلم وما يدفعنا لهذا إلَّا الحب الصافي للرسول - صلى الله عليه وسلم ، وإظهار دينه في أبهى صورة ، وأحسن عرض.