متى تسقط الدول ؟
بقلم /محمد سعيد أبوالنصر 
سؤال يلوح للبعض وقد أجاب الباحثين على هذا السؤال بأجوبة متعددة نستطيع طرحها وتلخيصها  على رأيين :
الرأي الأول :يقول إنَّ الدول لا تسقط ولكن الأنظمة هي التي تسقط ويستدلون على ذلك بما حدث في مصر حيث سقط النظام وجاء نظام آخر وبقت الدولة ولم تسقط . 
والرأي الثاني : يقول إذا سقطت الأنظمة سقطت الدول ويستدل لوجهة نظره بسقوط النظام الليبي وبسقوطه سقطت الدولة الليبية . فهناك علاقة وطيدة بين النظام الحاكم والدولة كمؤسسات فبسقوط القذافي في ليبيا سقطت مؤسسات الدولة وما زلنا نبحث عن الدولة هناك ،وبسقوط صالح في اليمن سقطت اليمن وما زلنا نبحث عن مؤسسات الدولة هناك وأيا ما كان فنحن أمام وجهتي نظر وكل وجهه لها دليلها فالذين يقولون بسقوط الدولة عندما تسقط الأنظمة عندهم نموذج وهو ليبيا واليمن ..
والذين يقولون بأن سقوط الأنظمة لا يعنى سقوط الدول عندهم نموذج وهو مصر ...ونحن لا يعنينا هذا التنظير أكثر ما يعنينا أسباب السقوط ، فما هي عوامل السقوط ؟
عوامل السقوط 
للسقوط عوامل ،ويمكن تفنيد وإرجاع هذه العوامل إلى الأمور التالية :
1 -  عدم وجود عدالة اجتماعية بين الناس فنرى الأغنياء في ترف ليس له نهاية من سيارات وفلل بملاين الجنيهات بينما الفقراء يكدون من أجل إسكات أنين بطونهم .
-إخفاق محاولات الإصلاح بسبب كثرة الفساد .
- محاولة  الغرب غزو المسلمين بشتى الطرق مرة بحجة وجود أسلحة نووية ومرة باسم محاربة الإرهاب الى آخر مبرراتهم لاحتلال أراضينا والسيطرة على ثرواتنا ومقدراتنا .
-الغزو الفكري؛ بكل ما يحمل من أفكار ومدارس وجامعات ،فالدولة  التي تفتح ذراعيها لكل جامعات العالم ولا تأخذ في الاعتبار الحفاظ على تراثها الحضاري معنى ذلك أنها ستذوب هويتها بعد حين ، قد نفهم أن الدولة تفتح ذراعيها للعلوم الحديثة من طب وهندسة وزراعة وصيدلة لترتقي في الجانب المادي أما أن ينعكس الوضع فتفتح ذراعيها في الجانب الأدبي ..جانب الثرثرة بلا فائدة أو بفائدة قليلة نحن لسنا في حاجه اليها وتترك ما نحتاجه اليه فهذا يؤذن بذهاب الهوية وهي حالة يمكن تسميتها بالانتحار الداخلي كما قال المؤرخ البريطاني (توينبي) حين أشار إلى أن علَّة انهيار الأمم وهزيمتها هي الانتحار الداخلي.
 إن من البدهي أن نتوقع من أعدائنا كل خبث وكيد وتخطيط موجَّه، وليس لنا أن نطالبهم بعدم الكيد لنا، والعمل على تحقيق ذلك الهدف؛ فهذا لونٌ من سَفَه العقل، وإنما سيطرتنا على أعدائنا لها طريق واحد، هو: تطهير أنفسنا من الداخل، من أخلاقيات الضعف والخوف، وممارسات الانعزال في دائرة الهموم الفردية، التي تمهد لقبولنا الاستعباد والخضوع.
إن أي دولة قد تتعرض للسقوط بسبب الشيخوخة السياسية ، والاستبداد السياسي  والشلل العلمي وبذلك تتحول الأمة من أمة فتية قوية إلى أمة عالة على غيرها؛ يعيش كلُّ فرد فيها همّه الفردي في الطعام واللباس والمسكن، ومن ثمَّ تتحول الأمة إلى أمة ميتة ..هي في شكلها العام حية ..لكن حقيقتها أنها ميته وحالها كحال أمة نبي الله سليمان عندما مات ولكنه ظل متكئا على عصاه ومَنْ حوله يعملون وهم يعتقدون أن نبي الله سليمان حي ، ولكنه نائم على عصاه: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ المَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَاًكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي العَذَابِ المُهِينِ ﴾ [سبأ: 14].
وهكذا حال كل أمة ميتة؛ قد تبقى زمناً دون أن تسقط؛ لأنها تتكئ على منسأتها من أجهزة  ، فيخيل للرَّازحين تحت ظلمها أنها حية قائمة، فإذا بعث الله عليها عناصر مقاومة من الداخل، أو قوة غازية من الخارج، فتأكل منسأتها؛ فتخرُّ ساقطةً، وحينئذ يتبيَّن الرازحون تحت ظلمها أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين!!
عوامل النصر :
لكي يتحقق النصر وتتم الرفعة فعلى الدولة أن تراعي الأمور التالية: 
1-الالتزام بشروط الديمقراطية الحديثة كما جاءت عند من وضعوها .
2 - السعي إلى توحيد صفوف الأمة ، ونبذ الفرقة والتنازع والتفرُّق.
3- جودة التخطيط، و الحزم والقيادة الرشيدة، وتوحيد البيت الداخلي وإسناد المهامّ إلى أهلها
4-احترام القيادات والقضاء والسادة العلماء كل في تخصصه وليأخذوا الحكمة من ملك الصين:  ذكر المؤرخون أن (يزدجرد) كسرى الفرس أرسل إلى ملك الصين، يطلب منه العون والنجدة بعد هزيمته في معركة (نهاوند)؛ فقال ملك الصين لرسول كسرى: قد عرفتُ أن حقّاً على الملوك إنجاد الملوك على من غلبهم، فصِفْ لي صفة هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم؛ فقال رسول يزدجرد: سلني عمَّا أحببت. ملك الصين: أيوفون بالعهد؟ رسول يزدجرد: نعم. ملك الصين: وما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم؟ رسول يزدجرد: يدعوننا إلى واحدة من ثلاث: إمّا دينهم، فإن أجبناهم أجرونا مجراهم، أو الجزية والمَنَعة، أو المنابذة. ملك الصين: فكيف طاعتهم أمراءهم؟ رسول يزدجرد: أطوع قوم لمرشدهم. ملك الصين: فما يُحلُّون وما يُحرِّمون؟.. ويخبره رسول يزدجرد. ملك الصين: أيحرِّمون ما حلَّل لهم، أو يحلون ما حرَّم عليهم؟ رسول يزدجرد: لا. ملك الصين: فإن هؤلاء القوم لا يهلكون أبداً حتى يحلُّوا حرامهم، ويحرّموا حلالهم. ثم كتب ملك الصين كتاباً إلى يزدجرد، جاء فيه: "إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجيش أوَّله بمَرْو وآخره بالصين الجهالة بما يحقُّ عليَّ، ولكنَّ هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك صفتهم لو يطاولون الجبال لهدُّوها، ولو خُليَّ سربهم أزالوني، ماداموا على ما وصف، فسالِمْهم، وارضَ منهم بالمساكنة، ولا تهيِّجهم ما لم يهيِّجوك هذه هي حكمة ملك الصين: "إن هؤلاء القوم لا يهلكون أبداً حتى يُحلّوا حرامهم، ويُحَرّموا حلالهم"..
 إن الهزائم تبدأ من داخل الأمة، وليس من خارجها، وهذه الحكمة جديرةٌ بأن نضعها نصب أعيننا ونحن نقرأ الماضي، ونبصر الحاضر، حتى نقدر على القراءة الصحيحة لمستقبلنا.
5- محاربة المنكر والظلم، ومعاقبة الموظفين الذين تشكو الرعية والناس  منهم، مع التشديد على نشر العدل بين الناس، والدعوة إلى المحافظة على العبادات تقربًا الى الله .
6- فتح باب الاجتهاد، ومحاربة الجمود والتعصُّب للمذاهب.
7- تزكية النفوس، وإحياء السلوك الإسلامي وأخلاق السلف الفاضلة وإذكاء روح  الدفاع عن الإسلام والأوطان في الجنود؛ من خلال العلماء وذلك بشرح فضل أحاديث الجهاد وأجر وثواب المجاهدين في سبيل الله كحديث "من مات ولم يغزُ، ولم يحدِّث به نفسه؛ مات على شعبة من النفاق" ؛ فلا يكفي أن يحدِّث الإنسان نفسه أنه سيغزو، مكتفياً بذلك، وهو متكئٌ على أريكته، قد أُشرب قلبه حب دنياه، ولكن الصواب شرح الأمور العملية والتي من أهمها: الإعداد العلمي، والفقه في الدين، والبصيرة فيه، حتى يفقه لماذا يجاهد؟ وكيف يجاهد؟ ومَنْ يجاهد؟ وعلى أيِّ عقيدة يجاهد؟ كل ذلك تحت قيادة الدولة ،ومؤتمرًا بأوامرها وملتزما بكل ما تصدره من أوامر عليه أن يسمع لها ويطيع كل ذلك في إطار الدستور والقانون الذي رضيه الناس ليحكمهم .
 - إحياء الهوية الإسلامية التي تمثِّل الحافز العقدي والدافع النفسي، الذي يدفع الأمة في طريق التقدم والحضارة، ويقاوم في ذات الوقت الاجتياح الحضاري للأمم الأخرى، التي تزعم أن الإحياء الحضاري لشعوبها هو إحياء هويتها الوطنية أو القومية أو غير ذلك.
 - توطين النفس على الصبر على البلاء، وسياسة النَّفَس الطويل، وتعويدها على أن يكون انطلاقها من الثوابت ، لا من ردود الأفعال والعواطف الملتهبة.
- الإعداد التربوي والسلوكي، من إخلاص النية لله، والتقرُّب له بالطاعات، والتخلُّق بأخلاق الإسلام.
- التربية على الإنفاق في سبيل الله، وتخليص النفس من الشُّحِّ وحب الدنيا.
 - الإعداد الجسمي، وذلك بالرعاية الصحية، والرياضة البدنية، وركوب الخيل، والسباحة، والرماية، ونحو ذلك مما من شأنه أن يكون فيه إرهابٌ للعدو.
 - الاهتمام بمعرفة النفسيات، "فالنفس لا تنتصر في المعركة الحربية إلا حين تنتصر في المعارك الشعورية والأخلاقية والنظامية...كما أنه لا قيمة ولا وزن في نظر الإسلام للانتصار العسكري أو السياسي أو الاقتصادي، ما لم يقم هذا كله على أساس المنهج الرباني في الانتصار على النفس، والغَلَبَة على الهوى، والفوز على الشهوة، وتقرير الحق الذي أراده الله في حياة الناس؛ ليكون كلُّ نصر نصراً لله ولمنهج الله، وليكون كل جهد في سبيل الله فالجماعة المسلمة التي تريد أن تنتصر على عدوِّها لابد وأن تتزوَّد بمادة الإعداد، وهذه المادة لا تقتصر على آلة الحرب؛ بل يتحتم عليها التعبئة الكاملة، تلك التي أشارت إليها آيات غزوة (أحد) في سورة (آل عمران)؛ حيث لم تقتصر على معالجة الجماعة المسلمة في ميدان المعركة فقط؛ بل في ميدان النفس البشرية والحياة الواقعية، ومن ثمَّ عرَّج السياق القرآني على الربا فنهى عنه، وعرج على الإنفاق في السرَّاء والضرَّاء فحضَّ عليه، وعرَّج على طاعة الله ورسوله فجعلها مناط الرحمة، وعرَّج على كظم الغيظ والعفو عن الناس، وعلى الإحسان، والتطهُّر من الخطيئة بالاستغفار والتوبة وعدم الإصرار، فجعلها كلها مناط الرضوان، كما عرَّج على مبدأ الشورى وتقريره في أحرج الأوقات، وعلى الأمانة التي تمنع الغُلُول، وعلى البذل والتحذير من البخل، في نهاية ما نزل في التعقيب على الغزوة من آيات، عرَّج على هذا كله؛ لأنه مادة إعداد الجماعة المسلمة للمعركة في نطاقها الواسع 
 - الإيمان بالله وبوعده الذي لا يتخلَّف، كما قال - تعالى -: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} [الحج: 40]

janjeel

.: عدد زوار الموقع :.


  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 76 مشاهدة
نشرت فى 8 فبراير 2017 بواسطة janjeel

تفاصيل

janjeel
معا لصالح الوطن والمواطن »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

328,743
نتيجة بحث الصور عن فانوس رمضاننتيجة بحث الصور عن جاك للاجهزة الكهربائية