Qمن ذاكرة تاريخ الامم
ماذا تعرف عن بلاد تبخرت من على الخريطة
كتب _اشرف المهندس
كان المشهد مهيبًا في تلك المدينة حين وطأتها أقدام بشرلأول مرة منذ قرابة 1600 عام،كان هؤلاءأفراد فريق المستكشفين في إقليم كامبانيا،وصلواإليها في ذلك اليوم من عام 1748،باحثين عن تحف قديمة،حين وقف رئيس الفريق على بقعة من الأرض المغطاة بتربة تبدوغريبة فيم لمسها،مشيرًاللزملاءه ببدأعملهم «فالنبدأالحفرهنا»،مالم يدركوه حينهاأن الأرض التي سيحفرونها لم تكن حقًاأرض المدينة بلطبقة من الحمم والرمادالبركاني المتحجر أماتحتهافكانت تنتظرهم مفاجأة لم يتوقعوهاأبدًاولم تكن لتخطرعلى بال إي منهم حتى في أعتى أحلامه.
وكأن آلة زمن قدخطفت أفراد الرحلة الاستكشافية وأعادتهم إلى مدينة قديمة راحت لكنها بقيت في الآن ذاته،كانت كما هي تحت طبقات الحمم والرماد البركاني المتحجر منذ قرابة 1600 عام،ببيوتها وبقاياها بل ومواطنيها،أوعلى الأحرى جثثهم،تلك التي لم تتحلل لقرابة 16 قرنًا من الزمان لتبقى توثق لحظات أخيرة لمدينة كانت يومًا مقصدًا للأثرياء والسياح والباحثين عن أشعة شمس دافئة،كان الزمن يرحب بالبشرلأول مرة على أنقاض المدينة التي أبيدت عن بكرة أبيها،أجمل منتجعاتا لإمبراطورية الرومانية القديمة،كان الزمن يقول لرجال فريق المستكشفين: أهلًابكم في بومباي.
تعالت أصوات المواطنين الذين تجمعوا ليشاهدوا مباراة جديدة بين محاربين في «كولوسيام»المدينة،في ذلك اليوم من عام 79 ميلاديًا،الابتسامات تعلو الأوجه والصرخات تخرج من الأعماق تشجيعًا لهذا أوذاك،وعلى الجانب الآخرمن بومباي،اتخذ الأثرياء مواقعهم على شاطئ البحر يستمتعون بالشمس الدافئة،الهدوء يخيم على الأجواءوكل شيء يبدوعلى مايرام،إلابقلب ذلك البركان «بركان جبلفيزوف»،داخل المدينة،الذي راح يغلي بحممه ولهيب هفي انتظارلحظة حاسمة.
كان لهذا البركان تاريخ طويل،كما يروي موقع قناةHistoryالأمريكية،فيمتدعمره لمئاتا لآلاف من السنوات،وثارأكثرمن 50 مرة في تاريخه،كان أشهرها،حتى ذلك اليوم من عام 79،حين ثارعام 1780 قبل الميلاد،فقذف بملايين الأطنان من الحمم البركانية المشتعلة والصخورلمسافة تقارب الـ35 كيلومترًا في السماء،ليكون هبوطها مدمرًا على معظم القرى والمزارع والبيوت على مسافة 24 كيلومترًامن الجبل
وفي عام 63 ميلاديًا أتى الإنذارأن فاجعة كبرى تلوحفي الأفق،إنذارً المي ، حلله العلماء بعدها بآلاف السنوات. كان الإنذارفي صورة زلزال مدمر ضرب إقليم كامبانيا،لكن الزلزال لم يجعلالناسنتحجم عن زيارة بومباي،بل على العكس كان عدد الزوارفي ازدياد،حتى ذلك اليوم.. يوم الكارثة.
كان قدمر 16 عامًاعلى الزلزال،وأغسطس عام 79ميلاديًا يطلب حرارته على الزائرين،حين بدأ يتصاعد دخان كثيف من البركان، «كان السحاب كبيرجدًا وكان المشهد أشبه بشجرة صنوبرنمت لارتفاع عظيم ثم انقسمت إلى أفرع»،يروي الكاتببليني الصغير،والذي تابع المشهد من على الجانب الآخرللخليج،فيماأكمل وصفا لمشهد قائلًا: «بينما بدأالبركان يبرد،سقط برجا لحطام إلى الأرض،أولًا الرمادوالحمم،ثم قطع خفيفة الوزن من الخفاف والصخورالأخرى،كان الأمرمرعبًا،تخيل تأنن يأهلك مع العالم»
هل كان على أهالي بومباي أن ينتظروا مصيرهم؟ربما تروي بعض الروايات أن أحدًامنهم لم يستطع أن يهرب،إلاأن الحقيقة التي تذكرها قناةHistoryهي أن هم كان لديهم بالفعلا لوقتل لخروج من المدينة قبل حلول الكارثة،وقد خرج بعضهم بالفعل،إلاأن آخرون آثروا أن يبقوا في مدينتهم،غيرمقدرين للموقف ولالماكان ينتظرهم خلال ساعات فقط،كانت كلمة النهاية تقترب.
الأجواء تسوء داخل مدينة بومباي،الرماد البركان ييزداد ويملأ الجو،والتنفس أصبح عبًا ،صوت الكحة يسمعه الجميع من الجميع،اختناق ،والمباي تنهار،هل يمكن أن يسوء الوضع عن ذلك؟الإجابة كانت أن الأسوء لم يكن قد أتى بعد.
انفجرت الحمم البركانية خارج الجبل وانه مرت على جانبيه واندفعت في اتجاه المدينة بسرعة تقارب 160 كيلومترًا،ينبعث منها غازاتسامة قاتلة،كانا لوقت قدأزف وحانت لحظة النهاية،لامجال للهرب فليقف كل ليواجه مصيره المحتوم،عائلات تجتمع معًا ورجل يجلس ليصلي وعاشقين يسرقان من الزمن قبلة أخيرة،هي ثوان معدودة انتهى بعدهاكل شيء وأي شيء،اختفت المدينة تمامًا تحت الرمادوالحمم المشتعلة،وداعًا بومباي الجميلة.. إلى الأبد.
وقف أحدالباحثين عام 1748 يقرأكلمتين نقشاعلى جدارأحد المنازل المتهالكة الباقية من المدينة المبادة،كانت الكلمات باللاتينية وتقول «انتقام الرب»،كانت الكلمات تعكس إيمان اليهود بأن ماحدث بمدينة بومباي كان انتقامًا من الرب على هدم الرومان،عام 70 ميلاديًا،لهيكل هيرودوس،أوهيكل اليهودالثاني بالقدس،والذي بني على أنقاض هيكل سليمان،كماذكرموقعBAS-Library.
الكلمات التي كتبت على جدارأحد المنازل
كان النقش دليلًاعلى وجود يهود كانوايعيشون في المدينة المنكوبة،المدينةالتي وقف الباحث فوق أنقاضها وجثث 2000 إنسان بينهم شباب كان مفعم يومًا بالحيوية وحب الحياة وأطفال لم يكتب لهم أن يكبروا أمامأ عين أهلهم وقصص كثيرة لشعب مدينة كانت يومًا مقصد سياحي لامثيل له.
بومباي،تلك المدينة التي كانت يومًا ساحرة،عاد بعض المهاجرين منها بعد انتهاءالكارثة بأيام،على أمل أن يجدوا قريبأ وحتى أمل اكلهم بين الأنقاض،لكن ماوجدوه لم يكن ماأرادوه، فلم يجدوا شيئًا لاأقارب ولاممتلكات ولامدينة ليبقى المكان مهجورًاحتى اكتشفه الباحثون مصادفة ليروا للعالم قصة بومباي.. المدينة التي تبخرت بعدأن قيل أنهاأصابها «انتقام الرب».