د.ايمان مهران

أعمال تهتم بالإبداع والمبدع والتواصل الإنساني عن طريق الفن

 الفخار قديم على الأرض حيث بدأ مع استقرار الإنسان ومحاولاته الأولى لإقامة تجمعات بشرية. وقد حفرت على الطين مراحل تطور التاريخ الإنسانى، حيث كانت الأسطح الطينية شاهداً على حضارات شعوب وثقافات ومعتقدات الأماكن التى صنعت فيها، وبذا فإن منتجات الفخار كانت مرآة لتطور المجتمعات. وقد ارتبط الفخار بخامة طبيعية قريبة فى تركيبها من تركيب الإنسان العضوى. وقد ذكر الطين والصلصال والفخار فى مواضع عديدة من القرآن الكريم.
وفى مصر وجدت أقدم حضارة فخارية فى نقادة والبدارى والعمرى وغيرها من الأماكن التى وجدت فيها حرفة الفخار فى عصر ما قبل الأسرات، وقد استمر العمل فى بعض تلك الأماكن إلى الآن. كما قام المصرى القديم بتقديس الكبش خنوم الذى يشكل الإنسان من الطين على عجلة الفخار الدوارة.
وقد قام علماء الحملة الفرنسية منذ عام 1798م بتوثيق الكثير عن هذه الحرفة،أما الباحثة وينفريد بلاكمان فقد جمعت عام 1937م الكثير من المعتقدات والعادات والطرائق المتبعة فى تصنيع الفخار.
والآن تعانى أغلب الحرف اليدوية من مشكلات عديدة نتيجة انحسار استخدام المنتج المصنوع يدويا.. كما يعانى العاملون من تدنى فى مستوى المعيشة ،ولأن الوظيفة التى يؤديها المنتج الحرفى سر استمرار الحرف وازدهارها، فإن انعدام الحاجة للمنتج الحرفى أدى إلى تحول الكثير من الحرفيين إلى حرف أخرى تعد منتجاتها أكثر رواجاً.
وقد ظهرت بدائل للمنتجات الفخارية كالمنتجات الزجاجية والبلاستيكية والخزفية ساهمت بدورها فى انحسار المنتج الفخارى فى نوعيات محددة لا تستخدمها سوى طبقات معينة.
ولكن فى الآونة الأخيرة بدأت تظهر صيحات طبية تنادى بالعودة للطبيعة وللأدوات الفخارية فى طهى الطعام وتخزينه، حيث تنعدم الآثار السلبية له على الجسم وهو ما قد يصبح مدخلا جيداً لتنمية المنتج.
وفى الجنوب المصرى حيث البعد عن العاصمة وقلة فرص العمل وتدنى مستوى المعيشة وظروف أجور منخفضة يقف الفقر حائلا دون التوسع فى المهن والحرف الإنتاجية ،وبالطبع يقف الحرفيون فى زيل قائمة الفقر ،لتندثر حرف عديدة تركها أصحابها أملا فى مصدر رزق وافر، لذا كان هدف التنمية الأجتماعية للحرفيين والعمال هو البداية الحقيقية لبرنامج تنمية مستقر على مدى طويل ،وأمامنا تجارب المغرب وإسبانيا وتونس ،وغيرها .كلها دعمت الحرفة وساعدتها على النهوض لتصبح علامة ومصدر للدخل القومى،وسبب فى معيشة اجتماعية مستقرة للعاملين بالفخار .

الفخار والمأثورات الشعبية: ارتبطت الأدوات الفخارية بعادات دورة الحياة(الميلاد ،الزواج، الموت)، و بالمعتقدات (كالسحر) ،كما ارتبطت بالأعياد والمناسبات الدينية والرسمية،و بالاستخدام اليومى، و الزينة داخل المنزل والمسجد.
إن العلاقة وطيدة بين المنتجات الفخارية وبين الأدب الشعبى الذى يشكل الجانب الروحى فى مجالات الفولكلور، وتظهر هذه العلاقة فى أغانى العمل بدءا من نقل الخامة وحتى انتهاء الحريق وهناك الأدعية الخاصة المرتبطة ببدء العمل وختامه.
العوامل التى أدت لانحسار استخدام المنتج الفخارى: هناك عوامل تسببت فى قلة استعمال الفخار وهو ما أدى لتقلص إنتاجه، وهذه العوامل تنحسر فى :انتشار الأوانى الزجاجية والبلاستيكية والمعدنية كبديل عن أدوات المنزل الفخارية التقليدية ،ظهور الثلاجات ومبردات المياه ،دخول المياه الصالحة للشرب إلى القرى والنجوع وانتشار الصنابير فى الشوارع ، انتشار التعليم وعزوف أبناء الحرفيين عن تعلم حرفة الآباء, فهى فى نظرهم مهنة مرهقة وغير مربحة كما أنها لا تضمن عائداً منتظماً لدخل الأسرة، قلة عدد الفخرانية, وتقلص نقل خبراتهم لأجيال ثانية تتابع العمل فى الحرفة.
وهناك أسباب لقلة الفخرانية: هناك ظروفاً عديدة تسببت فى قلة العمال، وبداية انحسار تلك الفئة وذلك نتيجة:
نقص الطلب على المنتج الفخارى باستثناء القلل حيث يصعب التوسع فى الإنتاج، لزحف العمرانى على منطقة الفواخير يسبب تقلص الأفران وهدمها وبيع أراضيها للبناء،المهنة بها مخاطر ومُجهدة وعائدها المادى لا يوازى مجهودها،الفقر، فضيل العمال للالتحاق بوظائف حكومية حيث الدخل مستقر وثابت.
فالواقع يعطى دلالات على الاندثار السريع لذا فالرؤية تحدد التالى:-
- أهمية تحول الشكل البسيط للحرفة إلى شكل أكثر تحديثاً وهو ما يسهم فى جودة المنتج.
- رفع مستوى الحرفى فى كافة النواحى الصحية والاجتماعية والثقافية حتى يتم الاستفادة من ذلك فى مستوى أعماله.
- وضع مقاييس للمنتجات ومواصفات تحدد ملامحه ليسوق على أساسها.
- محاولة الحفاظ على الطرز والأشكال التقليدية فى إطار استخدام حديث مع بعض الإضافات حتى لا يفقد طابعه.
- تحتاج الطينات لدراسات فى مراكز التكنولوجيا الصناعية لاكتشاف الإمكانيات المتاحة فى التعامل مع هذه الخامة والحفاظ على خصوصيتها.
عمل المرأة فى حرفة الفخار: يوجد فى العديد من دول العالم مناطق تقوم حرفة الفخار بها على النساء، وحتى فى مصر وداخل الفسطاط تعمل المرأة مع الرجل جنباً إلى جنب.أما فى الصعيد فيعتمد العمل على الرجل فقط .
انفردت دراسة بلاكمان التى قامت بها عام 1937 بذكر ذلك حيث كانت السيدات يعملن بالطريقة اليدوية فى بعض قرى أسيوط و واسنا التى بلاكمان. ويندر الآن فى قنا أن يسمح بذلك ما عدا حجازة ودندرة التى يعتمد فيها العمل على الإنتاج المنزلى الذى تصنع مراحله الزوجة والأبناء.
مواصفات الفخرانى النموذجى: إن مستوى التصنيع يرتكز على أداء الفخرانى وعلى الرغم أن كل مرحلة لها أهميتها ومستوى الجودة المطلوب منها فإن الفخرانى ومستواه ينعكس على كل مراحل التصنيع, لذا كانت هناك مستويات لأداء الحرفى على أساسها يتحدد مستوى إنتاجه فالحرفى إما(حرفى مؤدى أوحرفى متقن أوحرفى ماهر أوحرفى مبتكر )
- كما أن لخيال الحرفى دور فى إبداعاته, وهذا الخيال محكوم بمؤثرات أهمها:-
درجة تعليم الحرفى ،درجة إلمامه بتقنيات مهنته ،قدرته الابتكارية ومدى تقبله للتغيرات والتحديث، شكل المجتمع الذى يعيش فيه ومعتقدات ومفاهيم هذا المجتمع حول الأشياء، مدى احتياج المجتمع للمنتج الذى يصنعه الحرفى،حجم تقدير المجتمع للمنتج الذى يصنعه الحرفى،الضوابط الخاصة بالحرفيين فى التخصص الواحد ودرجة التطوير،التكنولوجيا ومدى تأثيرها على المنتج الخاص بالحرفى،إعداد الحرفى ونشأته وتطوره ،مدى احتكاكه بأفراد حرفته فى أماكن أخرى.
وعلى مدار تاريخ الحرف كان الحرفى المبتكر هو المحدد والمطور للإنتاج فهو أكثر مرونة فى تفكيره، كما أنه يساير المطلوب ويحاول جذب المستهلك للمنتج بتميز منتجاته. ولإعداد فخرانى جيد لزم إعداد مكان ثابت تكون مهمته التدريب فقط، وكل من يتعلم الحرفة يستطيع إقامة ورشته فى أى مكان، وهذا المركز يمكن أن يساهم فى استقطاب الفئات الخاصة كمتسربى التعليم فلهم مكان وسط هذه الحرفة التى تحتاج كل ورشة فيها لخمسة أفراد على الأقل.. لذا فإن توظيف الحرفى وقدراته وتصنيفها ووضعها فى مكانها مهمة المشرف الفنى الذى يملك نظرة وخبرة فى المجال.
المواصفات الجيدة للشكل الفخارى: تتركز على عدم وجود شوائب فى الخامة حتى لا تظهر على سطح المنتج فور الحريق،متانة الشكل نتيجة الحريق الجيد ويعرف هذا عن طريق صوت القطعة حيث يظهر (مكتوم وضعيف) حين يكون الحريق ردئ،إخراج الشكل بمستوى جيد دون زيادات طينية مع جودة معالجة الشكل الخارجى مما يدفع مستواه الجمالى،التخزين الجيد للأشكال حتى لا تفسد الرطوبة العالية جودة الفخار.
أسباب رواج الفخار عن الخزف فى السوق المصرى: هناك أسباب أدت لانتشار إنتاج الفخار فى مصر وهى: توفر نوعيات عديدة من الطينات التى تصلح لتشكيل الفخار ولا تصلح لحرفة الخزف،رخص سعره بالنسبة للدخل العام للفرد،الانتشار على كافة المستويات الاجتماعية،قرب أماكن تصنيعه من المستهلك يجعله أرخص ويوفر من ثمن النقل،التآلف النفسى والتعود عليه جعله محبباً للأسرة المصرية.
أسباب تعثر حرفة الفخار فى الصعيد: عدم الاستفادة من التكنولوجيا فى استخراج الخامة وتحديث تقنيات الصناعة ،ضعف رؤوس الأموال التى تنفق على هذه الصناعة،العوائق الإدارية والضرائب العشوائية على هذه الورش،توقف التحديث وثبات المستوى دون تغير رغم التطوير الذى تشهده مجالات التصنيع للأدوات الأخرى.
تخطيط لتنمية المنتجات الفخارية: تعددت التعاريف الخاصة بمفهوم التنمية واتفقت كل هذه التعاريف على أن الإنسان هو المحور الأساسى للتنمية، وأن التنمية هى :إحداث تغيير إيجابى موجه داخل جماعة ما لتحقيق أهداف ما متفق عليها بين أعضاء هذه الجماعة و ترىالكاتبة أن التنمية ترتبط بطبيعة المجتمع. وقد عرفت الأمم المتحدة التنمية بأنها "العمليات التى يمكن بها توحيد الجهود المشتركة للمواطنين والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج فى حياة الأمة المساهمة فى تقدمها .(بدر،1979).
أهمية إقامة خطة لتنمية حرفة الفخار:إن توثيق المعلومات عن مناطق تصنيع الفخار وحفظ تراثها والتواصل بين الفنانين والأكاديميين والحرفيين العاملين فى مجال الفخار والخزف وتوسيع دائرة الاهتمام بهذه الحرفة والربط بينها وبين المجتمع كل ذلك يعد هدفاً يجب السعى نحوه فزيادة الأيدى العاملة في مجال هذه الحرفةيساعد على الخروج من مأزق الاندثار السريع لها. كما أن التجريب فى الطرز مع الحفاظ عليها وتنمية المنتجات الفخارية لتناسب السائح تجلب العملة الأجنبية وتوسع من الحاجة لتلك المنتجات.
خطة لتنمية الحرفة الفخارية : إن عملية تنمية الإنتاج تحتاج إلى وضع قاعدة من البيانات حول ما يخص هذا المنتج حتى يتسنى معرفة طرائق الحفاظ عليه وتجديد استخدامه وكان لزاماً لوضع هذه الخطة اختيار فنان تشكيلى تخصصه الأساسى فن الخزف ومثقف فى المجال الفنى بشكل عام، أو شخص محب للمجال، ملم بالظروف حول الحرفة والعاملين فيها والمنتج نفسه.
المساهمات التى يقدمها المشروع للعمال: إن الحرفي هو الركيزة الأساسية فى عملية تنمية الفخار والتى يجب أن تنصب عليه الجهود فى الأساس، كى تحصد التنمية نتائجها لذا كان اختيار العامل ورعايته من عوامل نجاح التنمية.
من المهم عدم الربط بين متسربى التعليم والعاطلين وبين الحرفة التى تحتاج لمن لديه رغبة وقدرة للإلمام بتفاصيل الصنعة.
إن الاهتمام بأسر وعائلات الحرفيين وإقامة جسر من التواصل معهم يعد أمراً ذا أهمية بالغة حتى يكون لديهم إحساس بالرعاية النفسية والاجتماعية, وتوفير تأمينات صحية ورعاية لأبنائهم ورفع المصاريف المدرسية عنهم كنوع من التشجيع.
سيتم رفع العناء عن الحرفة إذا ألغيت الضرائب لفترة طويلة أو نهائياً حتى تشجع رؤوس الأموال للإنفاق عليها, وبينما يمكن تخصيص أراضى فضاء فى المناطق الصناعية لحرفة الفخار بثمن رمزى يمكن أن تساهم فى عملية تحديث الحرفة ورفع ثقافة الحرفى ورفع المنتج.
الاحتياجات الأساسية لتطبيق خطة التنمية:ترتكز الأحتياجات على :أدوات تصنيع، أدوات حجرة التصميمات، المكان،الخامات ،والطاقة العاملة ،وتختلف أعداد تلك الأدوات والطاقة العاملة تبعاً لحجم المشروع المراد تنفيذه
أسس اختيار العاملين: يجب مراعاة بعض الأسس عند اختيار عمال الفخار منها:-
تحديد سن العامل ودراسة حالته الاجتماعية ومعرفة ظروفه الصحية، ،معرفة المستوى التعليمى للحرفى ومدى قدرته على التعلم عن طريق اختبارات نفسية خاصة بذلك،تحديد مصدر الرزق الرئيسى للعامل،تحديد عدد أفراد أسرة العامل وتطلعاته ومدى تقبله للتغير.
ويجب توجيه العمال حيث يفضل: محو أمية الكتابة والحساب لدى العمال،إقامة دورات فى الرسم وكيمياء الخزف والنحت وتاريخ الفن بشكل دورى لتوسيع مدارك العامل.
علاقة الحرف التقليدية بالمشروعات الصغيرة: إن تحويل المجهود المبذول لدفع الحرفة والمحافظة عليها إلى مشاركة المشروعات الصغيرة فى أسسها الأكثر استقرارا والتي تعتمد علي شكل أقرب للحرف , فإن ذلك سينعكس علي عملية التنمية التي نهدف إليها. فما هى علاقة الحرف التقليدية بالمشروعات الصغيرة ؟ تتركز هذه العلاقة في أسس مشتركة تمثل قاعدة بينهم وهذه الأسس هى:- عدم تطلبها أموالاً كثيرة،رؤوس الأموال التى تعتمد عليها فى الغالب محلية،وجود علاقة اجتماعية بين الأفراد والعاملين فى هذه الحرفة، (الحرفى ) هو أساس عملية التصنيع،نقل الحرفة من جيل الى جيل وعدم التخلى عن تقاليد الحرفة.
إن التوسع في هذه المشاريع يتم فى طبقة تنفق أموالها في البنية التحتية للمجتمع وتساهم في تنمية طبقة هامشية عاملة ،إن هذه الطبقة العاملة تستمر مكاسبها من مشاريع تقيمها في أماكن تواجدها كما تزيد من التوسع فى مشاريعها وكلها دلالات جيدة للتنمية البشرية والاقتصادية.
هناك مشكلات مشتركة تواجه الحرف التقليدية والمشروعات الصغيرة وهي :
عدم وجود بنوك خاصة تمنح العاملين بها والحرفيين قروضاً، عدم وجود تعاقدات لإنتاجهم تضمن استمرار عملهم، عدم وجود ترويج لمنتجاتهم تتبناه جهات تسويقية، لا تجد مشكلات الحرفيين والعمال جهات رسمية أو شعبية تسهم في حلها، التعسر في الاستمرار ينهي العمل ويتسبب في تشريد العمال وزيادة البطالة.
نتائج الدراسة: توصلت الدراسة إلى أن هناك بعض المشكلات أدت إلى تدهور حرفة الفخار الشعبى فى مصر عامة ،وفى الجنوب بشكل خاص. إمكانية وضع خطة تهدف لتنمية حرفة الفخار حيث أتضح أن هناك مميزات للحرف التقليدية تجعلها تبدو ناجحة كمشروعات صغيرة ،وصغيرة جدا لمستقبل التنمية فى مصر،هناك مشاكل تقابل التنمية الحرفية عامة.



المصدر: د.إيمان مهران..بحث قدم للملتقى الدولي للفنون الشعبية عام 2008
  • Currently 71/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
24 تصويتات / 1439 مشاهدة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

61,053

د.إيمان مهران

imanmahran
فنانة تشكيلية وكاتبة »