يرتبط الحب دائماً بالشعور بالغيرة، التي تعد دليلاً على مدى تعلق الحبيب بمحبوبه، والقليل من الغيرة يعد مقبولاً، إلا أنه في بعض الأحيان تتطور حتى تصبح سلوكاً مرضياً، ومن الممكن أن تؤدي إلى سلوكيات عدوانية، تصل أحياناً إلى قتل شريك الحياة، نتيجة غيرة ليس لها مبرر. يعرف هذا الاضطراب بالغيرة المرضية، أو متلازمة عطيل، وبسببها يدعي المصاب أن شريكه - سواء كان الزوجة أو الزوج - غير مخلص للعلاقة الزوجية، وذلك بناء على أدلة واهية.
تعد هذه المتلازمة أحد الاضطرابات النفسية، ويكون فيها المصاب مشغولاً بشكل دائم بأفكار مضللة حول خيانة شريك العمر، من غير دليل حقيقي أو واقعي، إضافة إلى صدور تصرفات غير مقبولة، وتصنف الغيرة المرضية على أنها أحد الأنواع الفرعية من اضطراب الوهام.
تدمير الجسم
يعاني المصاب بمتلازمة عطيل في العادة من سلوكيات كالتصلص والمطاردة وبعض الأعمال التخريبية، التي من الممكن أن تصل إلى درجة استخدام العنف تجاه الشخص الآخر أو شريك الحياة.
يمكن أن تكون الغيرة المرضية بسبب أحد المشاكل النفسية كاضطراب الوجداني ثنائي القطب، أو الوسواس القهري، وكذلك ربما صاحبت إدمان الكحول، أو بعض الأمراض العصبية الأخرى.
يعد هذا الاضطراب من أكثر الانفعالات السالبة التي تمثل ضغطاً نفسياً على المصاب، وهي أكثر تدميراً للجسم، مع مراعاة أن هناك فرقاً بين الغيرة السوية والمرضية.
تعتبر الغيرة السوية سلوكاً طبيعياً في النفس البشرية، وشعوراً إنسانياً كباقي المشاعر، لكن بشرط أن تكون له حدود معينة وبصورة أخلاقية.
يصاحب الغيرة المرضية درجة كبيرة من الشك في إخلاص الطرف الآخر، وربما صاحبها بعض الأوهام، وهي حالة نفسية تصيب مختلف الأجناس، رجالاً ونساء وأطفالاً، وكذلك مختلف الأعمار، وتصيب الرجال بنسبة أكبر من النساء.
مجموعة عوامل
تتضافر في الغالب مجموعة من العوامل لإحداث الغيرة المرضية، ولا نستطيع تحديد سبب بعينه، وتتعلق هذه العوامل بجينات الوراثية، وأخرى بالتربية والنشأة والثقافة والمعتقدات، وتتعلق أيضاً بالعلاقة بين الزوجين من حيث العمر والنشأة الاجتماعية.
يمكن أن تكون متلازمة عطيل مجرد حالة منفردة، وربما كانت جزءاً أو عرضاً لحالات نفسية أخرى، كالاضطراب الثنائي القطبين أو الوسواس القهري.
يمكن أن تكون هذه المتلازمة في أحيان أخرى جزءاً من إصابة عصبية عضوية، كالتي تحدث في بعض حوادث إصابة الرأس أو الجلطات الدماغية، أو بسبب حالات الخرف، التي يتدهور بسببها الأداء العقلي عامة، أو نتيجة أحد الأمراض النفسية التي يكون سببها اختلال النواقل العصبية في الدماغ.
يشير بعض المختصين إلى أن تعاطي المواد المخدرة، كالكحول والمنشطات والحشيش، ربما كان عليه دور في الإصابة بالغيرة المرضية واستمرارها.
يعد كذلك انعدام الثقة - سواء بالنفس أو الآخرين - من الأشياء التي تلعب دوراً في هذه الحالة، وأيضاً شعور المصاب بالنقص أو أن هناك اضطراباً في تكوين شخصيته، وأخيراً وجود رواسب من الطفولة.
عدة صور
يلاحظ أن هناك عدداً من صور الغيرة المرضية، ومنها الاستحواذ، أو الوسواس، لأن أفكار المريض تتناقض مع نفسه وتسبب له إزعاجاً، حتى أنه يرفضها، وتكون ضد رغبته.
يعترف المريض بأن هذه الأفكار غير واقعية، وليس لها معني، ولذلك فإنه يحاول أن يقاومها، وتظهر الأفكار المرضية الدافعة للغيرة في صورة مفرطة وتطفلية، إضافة إلى ذلك تصاحبها سلوكيات قهرية، كالمتابعة اللصيقة للطرف الثاني.
تعد الصورة الثانية لمتلازمة عطيل الاستحواذ أو الوسواس المفرط، فهو يجد أن إخراج هذه الأفكار من رأسه صعباً للغاية، ويصاحب ذلك تصرفات تخنق الطرف الثاني وتقيد حريته.
يلي ذلك الضلالات، أو الوهم، وهي الصورة الثالثة لهذه الحالة، وفيها تصبح الأفكار المرضية مقبولة لدى المريض، فيصدقها ولا يعارضها، لأنها في نظره صحيحة.
يترتب على ذلك أنه يفسر تصرفات الطرف الثاني بناء عليها، فمثلاً ربما فسر ابتعاد الطرف الثاني عنه على أنه على علاقة بشخص آخر.
اتهامات وشك
تشمل الأعراض التي يعانيها المصاب بالغيرة المرضية اتهام شريكه بالنظر أو الاهتمام بشخص آخر، كما أنه يشك في تصرفات الطرف الثاني، ويكون مزاجه متقلباً، ويصاب بموجات غضب سريعة.
يستجوب الطرف الثاني حول أي مكالمة هاتف، وبخاصة الأرقام الخاطئة أو المكالمات العرضية، وكذلك أي طرق من أشكال التواصل الاجتماعي، ويحاول تفسير أي كلمة أو إشارة غير مقصودة بهدف تأكيد شكوكه من خلالها.
يمنع المصاب بمتلازمة عطيل شريكه من أي نواع من التواصل الاجتماعي سواء على «فيسبوك» أو «الواتس آب» أو «تويتر»، كما لا يسمح له بممارسة أي نشاط خارج المنزل أو بعيداً عنه.
يفتش أغراض وأمتعة شريكه بصورة دائمة، وذلك بهدف أن يجد ما يؤكد شكوكه، كما أنه يراقبه عن كثب ويتجسس عليه.
مبررات واهية
يكثر المريض من سؤال الطرف الثاني عن مكان تواجده ومن معه في نفس الوقت، ويترتب على ذلك عزل الطرف الثاني عن دائرة العائلة أو الأصدقاء، أو على الأقل تحكم المصاب في الدائرة الاجتماعية المحيطة بشريكه.
يتطور الأمر في حالة مقاومة الشريك لهذه السلوكيات المرضية، إلى أن يوجه المصاب له اتهاماً بأنه على علاقة سرية بآخر، ومن الممكن أن يشكك في نسب الأبناء.
يمكن أن تتفاقم الحالة لتصل إلى عنف لفظي أو جسدي تجاه الطرف الثاني، مع توجيه لوم له، وسرد مبررات واهية لهذه التصرفات المرضية.
مدخل العلاج
يعد المدخل السليم لعلاج الغيرة المرضية هو التشخيص الصحيح للمصاب، لأنه مهم من أجل معرفة معلومات تساعد على فهم طبيعة أفكار المصاب.
يبدأ الطبيب بمعرفة التاريخ الطبي الكامل من كلا الزوجين، وبصورة مفصلة عن بعضهما، ثم مع بعضهما، وإضافة إلى ذلك التاريخ الكامل للحالة النفسية وفحوص عقلية للمصاب.
يساعد كل ذلك على التفريق بين الغيرة المرضية الاستحواذية والضلالية، ومن الممكن أن يكون سبب هذه الحالة أفكار أخذت أهمية أو حجماً أكبر من الحجم الحقيقي لها.
يجب الانتباه إلى أن الرجوع إلى هذا الاضطراب أو الإشارة له لابد أن تكون بحذر واحترافية، مع وضع حالة المصاب في الاعتبار.
صعب ومعقد
يعد علاج متلازمة عطيل صعباً ومعقداً، وذلك لأن المصاب بهذه الحالة لا يرى نفسه مريضاً؛ بل إن شريكه عندما يطلب منه الذهاب لطبيب يثور عليه، وفي بعض الحالات الشديدة يعتبر طلب العلاج منه نوعاً من المؤامرة هدفها الإيقاع به.
يعد أفضل طريق هو الاعتماد على الأعراض الملحوظة التي يعانيها المصاب، ولذلك فتقدم الحالة وعلاجها يكون مختلفاً من مصاب لآخر، ويعتمد على الموقف والتعقيدات في العلاقة بين الزوجين.
يجب تمييز السلوكيات التي تثير الغيرة المرضية، وذلك بهدف تقييمها وإعادة صياغتها بما يتناسب مع العلاج، فمثلاً في الحالات التي يلعب فيها شرب المواد الكحولية دوراً، فإن علاج هذا الإدمان يعد خطوة مهمة.
نفسي ودوائي
يلعب العلاج النفسي دوراً مهماً كذلك في الشفاء من الغيرة المرضية، غير أنه في الحالات الشديدة من الممكن أن يكون غير كاف.
يشمل علاجاً سلوكياً ومعرفياً إدراكياً، وكذلك علاجاً فردياً وآخر عائلياً، وعلاجاً نفسياً مع الأزواج.
يمكن أن يحتاج المصاب إلى علاج الحالة النفسية التي كان سبباً في الإصابة بمتلازمة عطيل، التي تشمل أدوية مضادة للذهان، وأخرى مضادة للاكتئاب.
تستعمل مضادات الذهان لموجهة الأفكار الارتيابية، وللتخفيف من العناد، ومن الممكن استعمال مضادات الاكتئاب لمواجهة الاضطراب العاطفي المصاحب للحالة.
نصائح للتعايش
ينصح على من يعيش مع المصاب بالغيرة المرضية، وبالذات لو كان الطرف الثاني الذي يعاني أمراض هذا الاضطراب، بعدد من النصائح.
يجب على الشريك أن يراعي في تصرفاته حساسية المصاب، ولذلك فعليه الامتناع عن أي أفعال من الممكن أن تثيره.
يمكن له أن يفاتح المصاب إن حالة الشك هذه غير منطقية، وعلى الطرفين اللجوء للمساعدة المهنية بهدف حماية الأسرة والعلاقة الزوجية.
يساعد في طلب العلاج أن يكون أحد أفراد العائلة ذوي الثقة على علم بحالة المريض، وربما كان هذا الشخص الأب أو العم أو الأخ الأكبر.
ينبغي في الحالات الشديدة التي يلحظ فيها الشريك تهديداً مبطناً أو صريحاً أن يضع أهل المريض أمام مسؤوليتهم، ومن الممكن في حالة الخطر أن يبتعد.
انتبه للمضاعفات
تعد من أبرز مضاعفات متلازمة عطيل هي الأفكار الانتحارية، التي في الغالب تكون مصاحبة لها، وبخاصة مع ارتباطها بالاكتئاب والإدمان.
يميل الرجال إلى العنف اللفظي والجسدي، ومن الممكن أن يصل إلى درجة القتل، في حين أن النساء لا يملن إلى العنف أو القتل إلا دفاعاً عن النفس.
وتشمل مضاعفات هذا الاضطراب التأثير النفسي المدمر للأطفال الذين يعيشون في هذا الجو، فربما تعرضوا لانتهاك جسدي أو عاطفي بسبب تصرفات المصاب.
يمكن كذلك أن يستمع الأطفال للمجادلات التي تدور بين الأبوين، أو يشاهدوا عنفاً جسدياً أو لفظياً، كما أن المصاب من الممكن أن يستغل أحد الأطفال في التجسس على الطرف الثاني.
ترجع تسمية هذا الاضطراب بمتلازمة عطيل إلى الطبيب النفسي الإنجليزي جون تود، الذي سماها بهذا المسمى نسبة إلى ر، الذي قتل زوجته الجميلة تحت دعوى خيانته له.
كتب: د. إبراهيم فضلون
ساحة النقاش