(معناه وتعدِّيه بالأحرف الجارَّة)
د. أورنك زيب الأعظمي[1]
حَجَّ يَحُجُّ حَجًّا: قصده؛ كما قال الأعشى الكبير:
لَعَمْرُ الذي حجَّتْ قيشٌ قطينَه لقد كدتَهم كيدَ امرئ غير مُسنِد[2] |
وقال الفضل بن العباس:
جدَّي الذي حجَّتْ نزارٌ قبرَه جزَعًا عليه فما تريد زِبالا وله تحالفتِ القبائل كلُّها أسفًا عليه يلبَسون نِعالا[3] |
وكذا يعني: تكرار الزيارة؛ كما قال الشاعر:
وأشهدُ من عوفٍ حُلُولًا كثيرة يحجُّون سِبَّ الزِّبرقان المُزَعفَرا[4] |
وهكذا يعني: غلبه على حُجَّتِهِ؛ كما جاء في الحديث: ((فحجَّ آدمُ موسى))[5]، وكذا جاء في حديث معاوية: ((فجعلتُ أحُجُّ خصمي))[6].
وهو الآن خاصٌّ بقصد البيت الحرام؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 158].
وكثُر مجيئه بهذا المعنى في كلام العرب؛ فقال حسَّان بن ثابت:
وما لهم إذا اعتمروا وحجُّوا من الحجرين والمسعى نصيبُ[7] |
وقال جرير:
تَلقَى الأُخَيطَلَ في ركبٍ مطارفُهم بُرقُ العباء وما حجُّوا وما اعتمروا[8] |
وقال ابن ميادة:
يقولون حُجَّ البيتَ واجتنبِ الصبا وصلِّ الضحى والبَسْ طوالَ القلانس[9] |
وهو لازمٌ ومتعدٍّ بنفسه، فاللازم يتعدَّى بخمسة أحرف؛ وهي: إلى، والباء، وعلى، وفي، واللام، فحَجَّ إليه: قصد إليه؛ كما قال حريث بن محفض المازني:
أتطمع في معاوية بن حربٍ وعمرو إنَّ ذا منا قبيحُ وقولهما ومن حجَّتْ إليه خفاف البزل في البيدا رَبِيحُ[10] |
وجاء في تلبية تميم:
لا نتَّقي شيئًا ولا نضرُّه حجًّا إليك مستقيمًا برُّه[11] |
وحَجَّ به: احتجَّ به؛ كما قال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
قلنَ هذا الذي نلومُك فيه لا تحُجِّي من قولنا بفتيل[12] |
وحَجَّ عليه: يأتي كحجَّة عليه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 150]، و﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165].
وكذا يعني: مضت سنةٌ عليه؛ كما قال سَلامة بن جندل:
عجلتم علينا حِجَّتين عليكم وما يشأ الرحمنُ يعقد ويُطلِق هو الجابرُ العظمَ الكسيرَ وما يشأ من الأمر يجمع بينه ويفرِّق هو المُدخِل النعمانَ بيتًا سماؤه صدورُ الفُيول بعد بيتِ مُسَردَق[13] |
وحَجَّ فيه: حجَّ؛ كما قال عبيدالله بن قيس الرُّقَيَّات:
صدروا ليلةً انقضى الحجُّ فيهم حرَّةٌ زانها أغرُّ وسيمُ يتقي أهلُها النفوسَ عليها فعلى نحرها الرُّقى والتميم[14] |
وكذا يعني: حُجَّة له؛ كما قال عبدالمطلب:
لم يزل لله فينا حُجَّةٌ يدفع الله بها عنَّا النِّقَم[15] |
وحَجَّ له: قصده؛ كما قال عبدالمطلب:
اللهم ربَّ الستين وربَّ المشعرْ وربَّ مَنْ حجَّ له وكبَّرْ[16] |
وقال ابن الدمينة:
كذبتْ أميمةُ والذي حجَّتْ له شعثُ الرؤوس بمكةَ الأبرارُ[17] |
وهكذا يعني: رجع؛ كما قال ابن الدمينة نفسه:
أما والذي حجَّتْ له العِيسُ وارتمى لرضوانه شُعثٌ طويلٌ ذميلُها لئن دائراتُ الدهر يومًا أدَرنَ لي على أمِّ عمرو نوبةً لا أُقيلُها[18] |
وقال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97].
وحَجَّ منه: حجَّ من مكان خاص؛ كما قال العباس بن الأحنف:
أمستْ بيثرب لا يأتي لها خبرٌ ولا إذا حجَّ بعضُ الناس من بلدي[19] |
المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم.
2- تفسير غريب القرآن لابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1978م.
3- خير المقال في صلات الأفعال للدكتور أورنك زيب الأعظمي، جمع وترتيب: د. محمد معتصم الأعظمي، مركزي ببليكيشنز، نيودلهي، يناير، 2022م.
4- ديوان ابن الدمينة، تحقيق: أحمد راتب النفَّاخ، مكتبة دار العروبة، القاهرة، غرة المحرَّم، 1379هـ.
5- ديوان أبي طالب بن عبدالمطلب، صنعة أبي هفان المهزمي البصري، وعلي بن همزة البصري التميمي، تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين، دار ومكتبة الهلال، بيروت، لبنان، ط1، 2000م.
6- ديوان الأصمعيات، تحقيق: أحمد محمد شاكر، وعبدالسلام هارون، دار المعارف بمصر، ط3.
7- ديوان الأعشى الكبير بشرح محمود إبراهيم محمد الرضواني، وزارة الثقافة والفنون والتراث، إدارة البحوث والدراسات الثقافية، الدوحة، قطر، 2010م.
8- ديوان الرماح بن ميادة، جمع وتحقيق: د. حنا جميل حداد، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1982م.
9- ديوان السموأل، شرح وتحقيق: علي سابا، مكتبة صادر، بيروت، د.ت.
10- ديوان الشعراء المعمرين، للدكتورة شمس الإسلام أحمد حالو، دار الكتب الوطنية، أبو ظبي، 2010م.
11- ديوان العباس بن الأحنف، شرح وتحقيق: عاتكة الخزرجي، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1954م.
12- ديوان جرير، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1986م.
13- ديوان حسان بن ثابت، شرح وتقديم: الأستاذ عبدأ مهنا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1994م.
14- ديوان عبيدالله بن قيس الرقيات، تحقيق وشرح: د. محمد يوسف نجم، دار صادر، بيروت، د.ت.
15- ديوان عمر بن أبي ربيعة المخزومي القرشي، مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر.
16- كتاب الأشباه والنظائر للخالديين، تحقيق: د. السيد محمد يوسف، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، د.ت.
17- لسان العرب لابن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، د.ت.
18- مجلة المورد الفصلية الصادرة عن وزارة الثقافة والإعلام، دار الجاحظ للنشر، العراق.
19- نصوص محقَّقة في اللغة والنحو، تحقيق: د. حاتم صالح الضامن، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد، 1991م.
[1] مدير تحرير مجلة الهند، وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي.
[2] ديوان، ص 34.
[3] ديوان أبي طالب، ص 149.
[4] تفسير غريب القرآن لابن قتيبة، ص 32، وهو المخبَّل السعدي، لسان العرب: حجَّ.
[5] لسان العرب: حجَّ.
[6] لسان العرب: حجَّ.
[7] شرح ديوانه، ص 51.
[8] ديوانه، ص 200.
[9] ديوانه، ص 165.
[10] مجلة المورد، 17/2/1988م، ص 125.
[11] نصوص محققة في اللغة والنحو، ص 56.
[12] ديوانه، ص 415.
[13] ديوان الأصمعيات، ص 136-137.
[14] ديوانه، ص 195.
[15] ديوان الشعراء المعمرين، ص 450.
[16] ديوان الشعراء المعمرين، ص 435.
[17] ديوانه، ص 55.
[18] كتاب الأشباه والنظائر للخالديين، 2/132.
[19] ديوانه، ص 97.
ساحة النقاش