كارثة موروثات وأخطاء عادات وجهل آباء.. فتيات في عمر الزهور يجدن أنفسهن في القفص قبل بلوغهن العاشرة، أطفال تحيطهم الأمية من جانب والفقر من جانب آخر تعنت الأسرة يخطف عمرهم، وتخبط المفاهيم يلقي بهم فيصنع الحاضر وتظلم صورة المستقبل. إنها قصة «حنان سعيد سعد» التي تمرددت علي حياتها رافضة أن تضيع كالعشرات اللائي فقدن حريتهن هباء.
بدأت معاناة حنان منذ ولادتها فهي طفلة لأربع شقيقات لم يتلن حظهن من التعليم وسرعان ما ألقي بهم الوالد في وجه أول عريس وخطط لحنان مصير شقيقاتها، فمنعها من الالتحاق بالتعليم، رافضا تذلل والدتها ودموع عينيها منتظراً ومتأهباً بلوغها الثامنة ليدخلها بيديه القفص الذهبي الذي سرعان ما سيتحول لجدران وحديد يدمر حياتها.
ظلت الطفلة البائسة وازدادت مأساتها عند قدوم الزوج المنتظر وأصر والد حنان علي تزويجها فإذ هي ترفض قطعياً وتناصرها والدتها في مسيرة التمرد ضد الأب حتي جاءت اللحظة الحاسمة بانفصال الوالدين لترتمي حنان في حضن أمها التي منحت طوق النجاة بمنحها الخطوة الأولي في مشوارها وهي الحاقها بنادي إعلام الطفل بالمجمع الذي مثل لها نافذتها علي العالم أكسبها النادي مهارات حياتية وتدريبات ذهنية ومنها التحقت ولأول مرة بالمدرسة لم يكن الأمر مفروشاً بالورود بل عانت حنان الأمرين من استهتار الزميلات وسوء المعاملة فاضطرت لتركها لعام كامل ولكن منحها الحظ الفرصة في الالتحاق بمدرسة «المجتمع» التي تحولت لجنتها الصغيرة علي الأرض.
تستطرد حنان لم أتخيل أن هناك فرصة للنجاح والسعادة بعد هذا الكم من الحزن، البؤس واليأس الذي عايشته ولكن ما إن فتحت لي هذه المدرسة أبوابها حتي سنحت لي فرصة للتعليم وتكوين الصداقات والحياة بمعناها الحقيقي لقد تعلمت معني أن أكون آدمية، احترم ذاتي، أخرج من الفقر إلي عالم مختلف، أكسبوني مفهوم المشاركة بعلم ورأي.
وتدين حنان لسعادتها إلي والدتها ولمدرسيها الذين تعتبرهم أملها في الحياة وسندها في المستقبل وتبلغ حنان الآن السادسة عشرة وهي في الصف السادس الابتدائي وهي مصممة علي استكمال مشوارها التعليمي آملة الالتحاق بكلية الشرطة لأنها من أكثر الوظائف خدمة للوطن علي حد قولها.
أما المفاجأة الكبري التي كشفتها حنان أن والدها التحق بفصول محو الأمية قبل رحيلة ليكن الإعلان الأكبر علي خطأ اعتقاده طوال سنوات حياته وإن العلم هو سلاح الكبار والصغار وتنصح حنان مثيلاتها من الفتيات اللائي يعانين من القهر أن يعلموا أن المسيرة شاقة وأن عليهم تحمل المسئولية فالآباء حرمونا وهم جاهلون ولكن علينا التشبث بالتعليم مهما اشتد الفقر أو تضاعفت الألام.
وأشارت حنان إلي أنه علي الرغم من مرور 6 سنوات علي دخولي التعليم أنني علي مشارف الالتحاق بالمرحلة الإعدادية إلا أن المعاناة مستمرة ولن تتوقف فعلينا مقاومة رفض الجيران والمحاولات المستميتة لتزويجي والإصرار علي تركي للدراسة، إلا أن العزيمة والإيمان أن العلم هو مستقبل الإنسان وأن ليس الهدف منه كما يظن الكثيرون هو البحث عن وظيفة ولكن تنمية الذات واكتساب المعلومات وأن تشعر أي فتاة بحقها في الحياة.
ساحة النقاش